ما معنى بيع العينة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما معنى بيع العينة ؟
A-
A=
A+
السائل : شو معنى شيخنا ؛ يعني شرح - بالله - بيع العينة ؟

الشيخ : بيع العينة نوع من أنواع البيوع الربويَّة ، وفي الحقيقة هذه من المصائب التي حلَّت في الأمة الإسلامية بعد أن استُعمرت من الدول الكافرة ؛ فإنهم جاؤوا إلى بلاد المسلمين ببعض المعاملات التي يتعامل بها الكفار ، وهم كما وصفهم ربُّنا - عز وجل - بحقّ أنهم : (( وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ )) ، فإن كانوا لا يحرِّمون ولا يحلِّلون فهم جاؤوا بأفكارهم وبمعاملاتهم وصبُّوها بين المسلمين ، فاغترَّ بها كثير من المسلمين لجهلهم بدينهم من جهة ، وربما لتساهلهم بتطبيق دينهم من جهة أخرى ، وهنا آفتان هما بلاء المسلمين اليوم الجهل بالدين ، والإهمال لما يعلمونه من الدين ؛ فجاؤوا بمعاملة لم تكن معروفةً من قبل طيلة القرون هذه الأربعة عشر قرن ؛ وهي ما يسمَّى اليوم ببيع التقسيط . المسلمون قبل خمسين سنة لا يعرفون بيع اللي اسمه بيع التقسيط ؛ هذا طبعًا من ابتداع الكفَّار الذين وصفَهم الله - عز وجل - في كتابه بقوله : (( يَعْلَمُونَ )) . كيف الآية ؟ نعم ، شو الآية ؟

السائل : (( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) .

الشيخ : (( وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ )) ؛ فأدخل هؤلاء الكفار دنياهم ، فحملتهم على أن يغفلوا بالكلية عن آخرتهم ، أقول بالكلية لأنُّو الكفار من النصارى واليهود لا يزال عندهم بقية من دين ، لكن تكالبهم على الدنيا واهتمامهم بشؤونها أنسَاهم البقية الباقية عندهم من الدين ؛ لذلك فهم لا يحرِّمون ولا يحلِّلون ، فقلَّدهم المسلمون في كثير من ما هو عليه من المعاملات ؛ منها بيع التقسيط .

بيع التقسيط في اعتقادي بيع ربوي ، وعندنا نصوص من الشرع يجعلنا نتنبَّه لكون هذا البيع مخالفًا للشريعة فضلًا عن أن القاعدة العامة في تحريم الربا يشمل بيع التقسيط ؛ وإن كانت الصورة صورة بيع التقسيط غير واضح فيها الربا ، لكن الأصل هو أن يرجع المسلم في كلِّ حكمٍ صغيرٍ أو كبير خفيٍّ أو جليٍّ أن يرجع إلى نصوص الشريعة وأن يخضع لها ؛ فبيع التقسيط يدخل في نصَّين اثنين ثَبَتَا عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :

الأول : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن بيعتَين في بيعة " . هذا الحديث يرويه بعض أصحاب السنن والإمام أحمد في " المسند " ، وعنده زيادة موضِّحة لمعنى بيعتَين في بيعة ؛ لأن الحديث عنده من رواية سماك بن حرب بسنده عن ابن مسعود ، فقيل لسماك : ما بيعتَين في بيعة ؟ ... هذا بكذا نقدًا وبكذا وكذا نسيئة .

هذا هو بيع التقسيط الذي يُفعل اليوم ، هذه السيارة نقدًا بأربعة آلاف ، تقسيطًا بأربعة آلاف ونصف ، زاد خمس مئة . " نهى عن بيعتَين في بيعة " ، ما بيعتَين في بيعة ؟ أن تقول : أبيعك هذا بكذا نقدًا وبكذا وكذا نسيئة ، بدينار نقدًا وبدينار وقرش نسيئة ؛ ما حكم هذه الزيادة ؟

جاء الجواب في الحديث الثاني : فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( من باع بيعتَين في بيعة فله أوكَسُهما أو الربا ) ، عرض له حاجة في صورة بيعتَين نقد وتقسيط ، نقد بكذا وتقسيط بكذا وكذا ، وكذا الثانية زيادة كما مثَّلنا آنفًا ؛ تقسيط بدينار ، عفوًا ، نقدًا بدينار ، تقسيط بدينار وقرش ؛ فقال - عليه السلام - : ( من باع بيعتَين في بيعة فله أوكَسُهما ) أي : أنقصهما ، في المثال له دينار . ( أو ربا ) إذا أخذ دينار وقرش .

عملية بيع العينة الذي جاء ذكره في الحديث آنفًا يتقدَّمها بيع التقسيط ، ويختلف كلٌّ من البيعتَين من حيث شدَّة الحرمة من جهة ومن حيث قصد المتبايعين - أيضًا - من جهة أخرى ؛ فالمتبايعان ببيع التقسيط حقيقةً كل واحد يريد أن يقوم بوظيفته ؛ البائع أن يبيع والشاري أن يشتري ، أما في بيع العينة الذي يأتي إلى التاجر لا يريد أن يشتري ؛ فهذه نقطة تختلف تمامًا عن بيع التقسيط ، الشاري يأتي إلى التاجر ليحصِّلَ مالًا نقودًا ، لكنه يُدخِلُ بينه وبين التاجر وسيطًا هي الحاجة التي يريد أو يتظاهر أن يشتريَها ، هو يريد مالًا ، وهذا بلا شك الذي يضطرُّه هو تفكُّك الرابطة الإسلامية بين المسلمين ؛ فهم لا يمثِّلون في واقعهم المثل الذي ضَرَبَه الرسول - عليه السلام - للمؤمنين حقًّا فقال : ( مثل المؤمنين في توادُدِهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمى ) ، فيكون إنسان يعرض له أنَّه بحاجة إلى فلوس ؛ يعني بحاجة إلى قرض لله - عز وجل - ، فلا يجد مَن يقرضه قرضًا حسنًا ، والسبب ما عاد فيه هالثقة بين المسلمين من جهة ، وما عاد فيه هالسخاء من جهة أخرى ؛ هذا السخاء الذي ينبع من المسلم راغبًا فيما عند الله - عز وجل - من الأجر والثواب ؛ فإنه يعلم قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( قرض درهمين صدقة درهم ) ، إذا أقرض المسلم درهمَين فكأنه تصدَّق بدرهم واحد خرج من جيبه لا يعود إليه .

فالمفروض في المسلمين أن يتعاونوا مثل هذا التعاون وأن يُقرِضَ بعضهم بعضًا قرضًا حسنًا ، فلما تفكَّكت عرى الرابطة القوية بين المسلمين صار بقى المسلم اللي بدو يتاجر - مثلًا - بدو يسلك أي طريق حتى يحصِّل على نقود ، وهو يعلم أن هناك تجَّارًا كِبارًا ، وأنهم يبيعون بيعتَين بيع نقد بسعر الأقل وبيع التقسيط بسعر أكثر ؛ فيأتي هذا الرجل على حسب حاجته بدو - مثلًا - ألوف بيجي لتاجر السيارات ، بدو عشرات المئات بيجي - مثلًا - إلى تاجر الثلاجات ، وعلى ذلك فقِسْ ، فيرى السيارة - مثلًا - فيقول : بكم هذه ؟ يقول له : نقدًا - مثلًا كما قلنا آنفًا - بأربعة آلالاف ، ونسيئة = -- وعليكم السلام -- = أو تقسيطًا - كما يقولون اليوم - بأربعة آلالاف وخمس مئة . يقول الرجل : أنا اشتريت - وهو لا يريد السيارة إطلاقًا - يقول : اشتريت ؛ فهل تشتري مني هذه السيارة نقدًا ؟ يعرف التاجر حينَ ذاك أن الرجل الذي بعد ما جفَّ الحبر على الورق الذي سُجِّلَ أن عليه أن يدفع أربعة آلاف وخمس مئة كل شهر - مثلًا - المبلغ الذي اتفقوا عليه ، يعرف التاجر أنه حين يعود البائع يقول له : اشترِ أنت هذه السيارة مني نقدًا ، فيتَّضح وضوحًا قويًّا للتاجر أن هذا الرجل يريد سيولة كما يقولون اليوم ، يريد دنانير ، وليس له حاجة في السيارة ، وحينئذٍ يسلِّط ... عليه ... .

... أما بالتقسيط فيربح أكثر كما ذكرنا ، حينما يجد هذا الرجل يقول : اشترِ مني هذه السيارة نقدًا ، فيعود ويشتريه منه بأقلِّ مما كلَّفته ، طبعًا هذا أمر مفروغ منه ؛ بأقل مما كلَّفته ، قلنا : كلَّفته أربعة آلاف إلا مئتين ، فأضاف مئتين ربح مقابل النقد ، وخمس مئة مقابل التقسيط ، فمقابل التقسيط بيربح خمس مئة زائد مئتين ، أما بالنقد بيربح فقط مئتين ، فرضية طبعًا ، فلما هذا الرجل بيعرض عليه أنُّو يبيعه السيارة اللي اشتراها منه بأربعة آلاف وخمس مئة ؛ فيقول الرجل : أنا أشتري منك - مثلًا - بثلاثة آلالاف ، بثلاثة آلالاف وخمس مئة ، ثلاثة آلاف وست مئة ، ثلاثة آلاف وسبع مئة ، ربحان هو على كل حال ؛ فذاك الرجل لا يصدِّق أن يقبضَ هذه الفلوس ، فيذهب قبض - مثلًا - ثلاثة آلاف وسبع مئة ؛ سُجِّل عليه ماذا ؟ أربعة آلاف وخمس مئة ، فهذه واضحة أنها دورة ولفّة ولعب على استحلال ما حرَّم الله - عز وجل - من الربا ؛ هذا اسمه بيع العينة ، فقال - عليه السلام - : ( إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد في سبيل الله ؛ سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتَّى ترجعوا إلى دينكم ) .

فقلنا أنُّو في الحديث وصف من الرسول - عليه السلام - للمرض الذي سيُصيب المسلمين فيذلُّوا بسببه ، ووصف للعلاج الذي إذا تعاطوه شفاهم الله - عز وجل - ورفع عنهم الذُّلَّ الذي استحقُّوه بسبب انحرافهم عن دينهم ؛ هذا الرجوع إلى الدين يحتاج أوَّلًا - كما قلت وأنهي الجواب بهذا لنسمع ما عندك - أوَّلًا يتطلَّب أن يُفهم فهمًا صحيحًا ، وأن يُطبَّق - أيضًا - تطبيقًا كاملًا لا تقصير فيه ولا عوج .

تفضل .

سائل آخر : ... .

الشيخ : كأنك أردت أن تقول شيء .

مواضيع متعلقة