نرجو البيان بالتفصيل حكم استعمال كلمة سيِّد مثلًا ؛ سيدنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وذلك بالنسبة للحديث : ( السَّيِّد الله - تبارك وتعالى - ) ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
نرجو البيان بالتفصيل حكم استعمال كلمة سيِّد مثلًا ؛ سيدنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وذلك بالنسبة للحديث : ( السَّيِّد الله - تبارك وتعالى - ) ؟
A-
A=
A+
الشيخ : نرجو البيان بالتفصيل حكم استعمال كلمة سيِّد مثلًا ؛ سيدنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وذلك بالنسبة للحديث : ( السَّيِّد الله ) ؟

الجواب : ( السَّيِّد الله ) هو حديث بلا شك حديث صحيح ، وكذلك هناك أحاديث صحيحة أطلَقَ فيها الرسول - عليه السلام - السيادة لنفسه بحقٍّ ، فهو قال في " صحيح مسلم " : ( أنا سيِّد الناس يوم القيامة ) ؛ أتدرون ممَّ ذاك ؟ ثم ذكر حديث الشفاعة ، وهو حديث طويل جدًّا ؛ كذلك قال - عليه الصلاة والسلام - : ( أنا سيِّد الناس يوم القيامة ولا فخر ، آدم فمَن دونه تحت لوائي يوم القيامة ) ، فالسيادة سيادتان ؛ سيادةٌ لا تليق إلا لله - عز وجل - ؛ فهي التي عَنَاها الرسول - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الأوَّل حينما قال : ( السَّيِّد الله ) ، السيادة المطلقة هي التي عناها الرسول - عليه السلام - في قوله : ( السَّيِّد الله ) ، والمناسبة التي ذُكِر هذا الحديث فيها تؤيِّد ذلك ؛ فقد جاء ناسٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا له : أنت سيِّدنا وابن سيِّدنا ، وأنت كذا وكذا ؛ ذكروا - أيضًا - أوصاف أخرى ، فقال في الحديث هذا : ( السَّيِّد الله ) . وفي حديث آخر قال لهم : ( قولوا قولكم هذا أو ببعض قولكم ولا يستجرينَّكم الشيطان ) ، أيضًا نفهم من مجموع الروايتين أنَّ قوله - عليه السلام - : ( السَّيِّد الله ) هو تنبيه إلى أنَّ السيادة الحقيقة إنما هي لله - عز وجل - ، فخشِيَ - عليه الصلاة والسلام - من مبالغتهم في وصفه أن يؤدِّيَ بهم ذلك الوصف إلى الإشراك بالرسول - عليه السلام - مع الله ولو في اللفظ ؛ لأنُّو من الفقه في التوحيد الذي يخفَى على كثير من أهل العلم فضلًا عن غيرهم أنَّ الشرك له أقسام كثيرة ، والذي عُمِل الآن هو التَّفصيل الآتي :

شركٌ اعتقادي وشركٌ لفظي ، فحينما نهى الرسول - عليه السلام - أولئك وقال لهم : ( السَّيِّد الله ) خشِيَ عليهم أن يقعوا في الشرك اللفظي ؛ يعني أن يقولوا لفظًا ممكن أن يُطلق على الرسول - عليه السلام - ، لكن المعنى الحقيقي له إنما هو لله - تبارك وتعالى - ، فبيانًا لهذه الحقيقة قال : ( السَّيِّد الله ) ، وبيانًا للسيادة اللائقة به - عليه الصلاة والسلام - التي هي طبعًا دون ودون ودون وكرِّر ملايين دون سيادة الله الحقيقية هي هذه السيادة التي قال عنها : ( أنا سيِّد الناس يوم القيامة ، أنا سيِّد ولد آدم ) .

فإذا - بناءً على هذا التفصيل - إذا قال المسلم في بعض الأحيان قال : سيدنا رسول الله وهو إنما يعني السيادة اللائقة به كنبيٍّ مصطفى مخلوق فهذا جائز بلا شك ؛ لأنَّه سيِّد حقًّا ، لكن إذا قال : سيِّدنا ، وضمَّن هذه اللفظة معنًى فوق مستوى البشر ؛ فحينَ ذاك يُقال له : السّيِّد الله ، السيادة الحقيقة هي لله - عز وجل - .

ونجد أن الصحابة - رضي الله عنهم - نادرًا ما كانوا يستعملون لفظة السيادة هذه ؛ ذلك لأنَّ الغالب عليهم يقولون : قال رسول الله ، قال رسول الله ، وإنما جاء في حديث موقوف في " سنن ابن ماجة " على ابن مسعود أنه ذكر الرسول - عليه السلام - بلفظ : سيد المرسلين ، ومع ذلك في السند ضعفٌ ، فإذا قال المسلم أحيانًا قال : سيدنا رسول الله من باب بيان أنَّ للرسول - عليه السلام - هذه السيادة على جميع البشر - كما سمعتم آنفًا - فهذا حقٌّ ، لكن الغالب أن يقول : قال رسول الله ، قال - عليه الصلاة والسلام - كما جرى عليه السلف الصالح .

إلا في العبادات ؛ في الأوراد والأذكار التي جاءتنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعليمًا منه لنا ؛ فلا يجوز أن نُدخِلَ لفظة سيِّد في ورد من تلك الأوراد ؛ ذلك لأنَّ التعليم النَّبوي للمسلمين ليس فيه نقصٌ حتى يأتي أحدنا فيستدرك هذا النقص عليه ، فالله - عز وجل - حينما أنزلَ قوله : (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) ، قالوا : يا رسول الله ، هذا السلام عليك قد عرفناه ؛ فكيف الصلاة عليك ؟ قال - عليه الصلاة والسلام - : ( قولوا : اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم ) إلى آخره ، لم يقل لهم قولوا : " اللهم صلِّ على سيدنا " .

وهنا أذكر وهمًا شائعًا للتَّنبيه على خطئه ، يقول بعضهم - ومع الأسف من أهل العلم - : إيش معنى الرسول بيأمر الناس يقولوا : قولوا : سيدنا ؛ هو رسول الله متواضع ، ولا يليق بتواضعه أن يأمُرَ الناس أن يسوِّدوه وأن يقول : قولوا : " اللهم صلِّ على سيدنا " ؟ هذه غفلة تشبه غفلة المستبيحين للتصوير الفوتوغرافي بحجَّة أنُّو الرسول شو بيعرفوا شو بدو يصير فيما بعد ؟ نسوا أنُّو هذا الكلام ( كل مصوِّر في النار ) ليس من عنده ، وإنما هو من الله ، ونسوا - أيضًا - هؤلاء أن قول الرسول : ( قولوا : اللهم صلِّ على محمد ) ليس من عنده ، إنما هو من وحي السماء ، فالله هو الذي أمَرَ الناس أمر سيِّد الناس أن يأمر الصحابة أصالةً وسائر الناس تبعًا بأن يقولوا : ( اللهم صلِّ على محمد ) ، فلو أنَّ الله - عز وجل - أراد أن يُشرِّع للناس تسييد الرسول في الصلاة الإبراهيمية لَكان أمر الرسول أن يقول للناس : قولوا اللهم صلِّ على سيِّدنا محمد .

ونُقرِّب هذا ؛ تُرى لمَّا علَّمنا الرسول - عليه السلام - التحيات ، وقال : ( إذا جلس أحدكم في التشهُّد فليقل : التحيات لله ) ، هذا تعظيم لنفسه ولَّا تعظيم لربِّه ؟ لا شك أنُّو تعظيم لربه ؛ فهل يجوز لنا أن نقول : " التحيات لله - تعالى - " ، " التحيات لله - عز وجل - " ؟ هذا كله تعظيم لله - عز وجل - لا يجوز ؛ لم ؟ لأنُّو هذا التعليم كامل أوَّلًا ، ثم هو من الله اللي أمرنا أنه نعظِّمه ونبجِّله بهذه الألفاظ ، " التحيات لله والصلوات والطَّيِّبات " ، فلو أراد الله زيادة التبجيل له لَزاد هذه الألفاظ وعلَّمناها الرسول - عليه السلام - ، فهذا كهذا ، فكما أنه لا يجوز للمصلي أن يقول : " التحيات لله - تبارك وتعالى - والصلوات والطَّيِّبات ، السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته وتحيَّاته وسلاماته " وإلى آخره ؛ كذلك لا يجوز أن يقول : " اللهم صلِّ على سيِّدنا محمد " إلى آخره .

والسر في هذا أنَّ الأذكار توقيفيَّة ؛ أي : تعليم من الله للرسول ، والرسول بدوره للأمة ؛ لذلك لا يجوز أن نقول أنُّو الرسول تواضعًا منه لم يقل : قولوا : " اللهم صلِّ على سيدنا " ؛ لأننا نقول : إن كان الله أوحى إليه بلفظة سيِّدنا ؛ فما كان لرسول الله أن يكتُمَ وحي السماء بحجَّة تواضعًا ، وإن كان الله لم يوحِ إليه بذلك فأحرى وأحرى أن لا يجوزَ لنا أن نزيدَ شيئًا لم يوحَ به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من السماء .

فهذا جواب السيادة بالنسبة للرسول - عليه السلام - ، فله سيادته اللائقة التي فُضِّل بها على الناس جميعًا ، ولكن نقول أحيانًا : سيِّدنا رسول الله تحقيقًا لهذه السيادة ، ولكن لا نزيد هذه اللفظة في الأوراد التي علَّمناها الرسول - عليه الصلاة والسلام - .

مواضيع متعلقة