إذا تعارض حديثان ولم نعرف الناسخ من المنسوخ ولا يمكن الجمع بينهما ؛ فما هي المرجِّحات التي يستخدمها الباحث ، وجزاكم الله خيرًا ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
إذا تعارض حديثان ولم نعرف الناسخ من المنسوخ ولا يمكن الجمع بينهما ؛ فما هي المرجِّحات التي يستخدمها الباحث ، وجزاكم الله خيرًا ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الوالد - حفظك الله - ، إذا تعارض حديثان ولم يُعرف الناسخ من المنسوخ ، ولا يمكن الجمع بينهما ؛ فما هي المرجِّحات التي يستخدمها الباحث ، وجزاكم الله خيرًا ؟

الشيخ : لقد عالجَ علماءُ الحديث مثل هذه الصورة التي عَرَضَها السائل ، ومن أجمَعِ ما رأيتُ كلامًا في هذه المسألة كلام الحافظ بن حجر العسقلاني في رسالته " شرح النخبة " ، فقد ذَكَرَ وقال : " إذا جاء حديثان من قسم المقبول متعارضَين وجبَ التوفيق بينهما بوجهٍ من الوجوه الكثيرة " ، غير الحافظ - لأن كتابه موجز - قد ذكر الحافظ العراقي في " شرحه على مقدِّمة ابن الصلاح " أن الوجوه التي ذَكَرَها العلماء التي تُمكِّنهم من التوفيق بين حديثين متعارضين أكثر من مئة وجه ؛ ولذلك فنادر جدًّا جدًّا جدًّا أن نتصوَّر الصورة التي ذكرها السائل ؛ أنه لم يُمكن التوفيق بين الحديثين بوجهٍ من هذه الوجوه .

وكما يحسن بالسائل أن يضرب مثلًا لننظرَ أصحيحٌ أنه لا يمكن التوفيق بوجهٍ من تلك الوجوه الكثيرة ، لكنَّنا نتابع نَقْلَ تمامِ كلام الحافظ بن حجر ؛ لأنه هو جواب هذا السؤال ؛ قال : " جُمِعَ بين الحديثين المقبولَين بوجهٍ من الوجوه التي ذكرها العلماء " ، وهو حينما يقول المقبولَين ينبغي التنبُّه إلى قصده ؛ أي : أن يكون كلٌّ من الحديثين المتعارضين أن يكون ثابتًا في نفسه ، أما إذا جاء حديث صحيح فعارَضَه حديث ضعيف ؛ فحينئذٍ لا حاجة للتوفيق بين الثابت وغير الثابت ؛ لذلك قال : " إذا جاء حديثان من قسم المقبول - أي : الثابت - ، إما بمرتبة الحسن أو مرتبة الصحة ، قال : " وجبَ التوفيق بينهما بوجهٍ من الوجوه الكثيرة " ؛ فإذا لم يمكن التوفيق جاء المرحلة الثانية ، قال : " اعتُبر الناسخ من المنسوخ منهما " ، أي : نُظِرَ ؛ فإذا أمكن أن نعرفَ المتقدِّم من المتأخر نُسخ المتقدِّم المتأخر ، هذا المرحلة الثانية ؛ أي : يُقال : الحديث الفلاني متقدِّم ، وهو منسوخ بالحديث الذي جاء بعده .

قال : " فإذا لم يمكن الوقوف على تاريخ الذي يبيِّن أن أحدهما متقدِّم والآخر متأخِّر صِيرَ إلى الترجيح " ؛ أي : الخطوة الثالثة صير إلى الترجيح ، معنى هذا : هو ذكر آنفًا في الصورة الأولى التوفيق بين الحديثين المقبولين ، والمقصود ما كان حَسَنًا فما فوق ، فإذا عجزنا عن التوفيق وعجزنا عن معرفة الناسخ من المنسوخ قال : " صِرْنا إلى الترجيح " ، معنى ذلك : نظرنا في أيِّ الحديثين كان أقوى من الآخر اعتُمد الأقوى ، وأُعرض عن القويِّ الذي هو دونه ؛ مثلًا :

حديث صحيح عارَضَه حديث حسن ، ولم يمكن التوفيق ، ولا أمكننا معرفة التاريخ - أي : الناسخ من المنسوخ - تركنا الحسن وأخذنا بالصحيح .

حديث صحيح عارَضَه حديث مشهور أو مستفيض ، لكن الحديث الصحيح آحاد غريب فرد ، تركنا هذا الحديث الفرد وأخذنا بالحديث المشهور المستفيض الذي له أكثر من طريق واحدة .

حديث من هذا النوع الصحيح المستفيض أو المشهور عارَضَه حديث متواتر قُدِّمَ الحديث ... .

... الرابعة والأخيرة : قال : " فإذا تساوَيَا بالصحة تُرك الأمر لأهل العلم ، وقلنا : الله أعلم " . بعض العلماء يقولون في مثل هذه الصورة الأخيرة : " تعارَضَا فتساقطا " ، هذا خطأ من القول ، لا يجوز أن يصدر من المسلم الذي يدري ما يخرج من فمه ؛ لأن أحاديث الرسول - عليه السلام - لا تُعامل مثل هذه المعاملة " تعارضا فتساقطا " !! وإنما نقول : الله أعلم بمراده .

فيا تُرى هل هناك حديث في ذهن السائل أو أحد الحاضرين يظنُّ أنه لا يمكن التوفيق بينهما حتى نقول : تعارَضَا فالله أعلم بمراده ؟ ما أظن مثل هذا له وجود ؛ لكثرة الطرق التي ذَكَرَها العلماء في كتبهم ، والتي كلُّ طريق منها يُمكن أن يكون وسيلة للتوفيق بين الحديثين المتعارضين .

غيره ؟
  • رحلة النور - شريط : 56
  • توقيت الفهرسة : 00:39:34
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة