بيان أن الواجب نحو النصوص الشرعية حمل مطلقها على مقيدها وعامِّها على خاصِّها . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان أن الواجب نحو النصوص الشرعية حمل مطلقها على مقيدها وعامِّها على خاصِّها .
A-
A=
A+
الشيخ : فلا يجوز أن نأتي إلى نصٍّ مُطلق فنُطبِّقه نحن اليوم على إطلاقه ؛ مع أنَّنا نعلم أنه لم يُطبَّق في عهد النبوة والرسالة على إطلاقه ، كذلك لا يجوز أن نأتي إلى نصٍّ عامٍّ فنُطبِّقه على عمومه ونحن نعلم أنه لم يُطبَّق على عمومه ، ومراعاة هذه القاعدة يُخلِّص صاحبها من الانحراف ومن الوقوع في مُحدثات من الأمور يقع فيها جماهير الناس حينما يأتون إلى مثل هذه النُّصوص المطلقة أو العامة فيفسِّرونها بتقيُّد فقط بالأسلوب العربي دون أن يعودوا في ذلك إلى ملاحظة ما فسَّره الرسول - عليه السلام - إما بقوله أو بفعله أو بتقريره .

ولعله مما يُوضِّح لكم هذه القاعدة الخطيرة الهامة بالإضافة إلى هذا الحديث الذي كنَّا في صدده أن نقرِّب لكم هذا الموضوع بالآية المعروفة : (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )) ، إذا أردنا أن نفسِّر هذه الآية اعتمادًا منا فقط على الأسلوب العربي لَفهمنا من قوله - تعالى - : (( والسارق )) أيَّ سارق كان ، أيَّ سارق كان سواء سرق قلمًا من رصاص أو قلمًا من ذهب ، هذا اسمه سارق وهذا اسمه سارق ، فهل هذا السارق وذاك كلاهما سواء من حيث أنهما يدخلان في عموم قوله - تعالى - : (( والسارق والسارقة )) ؟ أما من حيث اللغة العربية فالجواب نعم ، أما من حيث الواقع النبوي والتفسير النبوي فالجواب لا ؛ لماذا ؟ لأن الرسول - صلى الله عليه وآله سلم - كان يقول : ( لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدًا ) ، إذًا ما دون الربع من المسروق لا يجوز قطع يد هذا السارق .

فإذًا كيف أخيرًا نفهم (( والسارق )) ؟ (( والسارق )) " الـ " للعهد وليس للاستغراق والشمول ؛ أي : (( والسارق )) الذي سرق ما قيمته ربع دينار فصاعدًا فهو الذي يستحقُّ القطع المذكور في تمام الآية ، كذلك السارقة .

هذا من جهة السارق المُطلق ذكره في الآية ، فهمنا أن هذا الإطلاق غير مقصود من بيان الرسول - عليه السلام - القولي .

ثم قال - تعالى - : (( فاقطعوا أيديهما )) ، تُرى هل اليد في اللغة هل هي محصورة في الكف ولَّا بالذراع ولَّا هذه كلها يد ؟ هذه كلها يد ، تُرى من سرق ربع دينار فصاعدًا ؛ هل يجوز أن نقطع يده من ههنا ؟ أما لغةً ؛ فالجواب نعم ؛ لأنها يد ، فحيثما قطعت فقد قطعت اليد ، لكن شرعًا هل يجوز أن تُقطع يد السارق من هنا ؟ الجواب لا ، من أين أخذنا هذا ؟ من بيان الرسول - عليه السلام - الواقعي العملي ؛ فهو كان يقطع من هنا وليس من هنا و لا من هنا ، فهذا مثال يجب أن تُلحق به أمثلة بالمئات ، وما أحوجنا نحن اليوم في العصر الحاضر إلى استحضار هذه القاعدة ! لأن كثيرًا من الناس يأتون إلى نصوص عامَّة لم يَجْرِ العمل عليها فيستدلُّون بها وبيقولوا : " النص العام حجة " ، نقول : صحيح ، ولكن النص العام إذا لم يَجْرِ العمل على عمومه فليس بحجَّة ، إذا لم يَجْرِ العمل على عمومه فليس بحجَّة .

مواضيع متعلقة