كلمة تذكير للشيخ قُبيل انطلاق الحجَّاج إلى عرفة . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كلمة تذكير للشيخ قُبيل انطلاق الحجَّاج إلى عرفة .
A-
A=
A+
الشيخ : ... ونحن اليوم قد أصبحنا في يوم عرفة ، وعمَّا قليل سننطلق ملبِّين مهلِّلين إلى عرفة ، وذلك يكون اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد طلوع فجر هذا اليوم ننطلق - إن شاء الله - إلى عرفة ، وقبل الصعود إليها نصلي الظهر والعصر جمع تقديم في مسجد نمرة ، ذلك لمن تيسَّر له الصلاة مع الإمام في هذا المسجد أو فيما حوله ؛ لأن الحجاج - والحمد لله - جمع غفير جدًّا ، فقد لا يتمكَّنون كلهم وجميعهم من أن يصلوا صلاة واحدة مع إمام واحد ، هذا هو الأصل أن يصلوا معه ، فإن فاتهم ذلك فيصلُّون جماعات في منازلهم في خيامهم ، بعد ذلك - أعني بعد دخول وقت الظهر وصلاتها جمع تقديم مع العصر - السنة أن يبدأ الناس في الصعود إلى عرفة والوقوف عليها ، وقد وقف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حجَّة الوداع عند الصَّخرات ، ولكنه قد بيَّن للناس أن وقوفه ذاك ليس ملزمًا للناس جميعًا به ، وأن يتحرَّوا الوقوف موقفه ، وذلك بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( وقفت ههنا ، وعرفة كلُّها موقف ) ، ولذلك فلا ينبغي للحجَّاج أن يتكلَّفوا الوقوف هناك ، فإن الدِّين يسرٌ ، ومن يشادَّ هذا الدين يغلبه ، بل يقف الحاج في أيِّ مكان يتيسَّر له من عرفة ، ولكن عليه أن يتحرَّى أن يكون موقفه داخل عرفة ، وأن لا يقع هذا الموقف خارجها ، كما يبلُغنا أحيانًا عن بعض الحجاج ، وهناك لافتات مكتوب عليها " حدود عرفة " ، ولذلك على كل حاج أن يلاحظها إن كان قارئًا ، وإلا فالأمر كما قال - تعالى - : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) ، فبعض الناس قد لا يقرؤون ، وبخاصة بعض النساء ؛ فعلى هؤلاء جميعًا أن يقوموا بواجب السؤال حتى لا يقعوا في الوقوف خارج عرفة ، فإن فعلوا ذلك فقد ذهبت حجَّتهم أدراج الرياح ؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( الحجُّ عرفة ) .

وأذكر - أيضًا - بأننا في ذلك الموقف لا ينبغي أن نضيِّع وقتنا هناك بشيء من الحديث الدنيوي ، أو المناقشات في بعض المسائل العلمية ، أو في المزح والضحك ، فإنها ساعةٌ قلَّما تُعوَّض ، وعلينا أن نستقبل القبلة ، ومن كان قادرًا أن يظلَّ قائمًا مستقبل القبلة يذكر الله - تبارك وتعالى - ويدعُو متذلِّلًا متخشِّعًا لله - عز وجل - هكذا حتى يرى الشمس قد غربت عن شماله ، إن من الحكمة أو من حكمة جمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بين الصَّلاتين الظهر والعصر هو تفريغ هذا الحاجِّ ليتوجَّهوا إلى الله - تبارك وتعالى - بطلباتهم ورغباتهم وأدعيتهم ، يهتبلونها فرصةً يتوجَّهون فيها إلى الله - عز وجل - بقلوبهم ، والتلبية هناك واردة أو مستمرَّة ( لبيك اللهم لبيك ) ، وقد صحَّ أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال في تلبيته هذه أحيانًا : ( إنما العيش عيش الآخرة ) ، ( لبيك اللهم لبيك ، إنما العيش عيش الآخرة ) ، كما صح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( خير ما قلته أنا والنبيُّون قبلي دعاء عرفة ، لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ) ، فيُكثر إذًا الحاجُّ هناك من ذكر الله والتلبية والدعاء والتهليل متذلِّلًا متخشِّعًا كما ذكرنا حتى تغرب الشمس ، وحينذاك ينطلق الناس إلى مزدلفة ، وفي مزدلفة يُشرع بل يجب تأخير الصلاتين والجمع بينهما بعد دخول وقت العشاء جمع تأخير ، يُصلَّى - كما تعلمون - المغرب ثلاث ركعات ، والعشاء ركعتين ، ثمَّ لا سهر ولا سمر ولا جلسات علمية ولا شيء ، وإنما النوم مبكِّرًا اتباعًا لهدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ليستيقظوا جميعًا مُصبحين مبكِّرين ليصلوا صلاة الفجر في الغلس ، لقد كان من هدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو في المدينة في مهجره أن يصلي صلاة الفجر في الغلس ؛ حتى قالت السيدة عائشة - رضي الله تعالى عنها - : " إن كان النساء المؤمنات لَينصرفن من صلاة الفجر وهنَّ لا يُعرفن من الغلس " . هكذا كان هديه - صلى الله عليه وآله وسلم - في صلاة الفجر وهو في المدينة ، أما في المزدلفة فقد بكَّر أكثر من ذي قبل بصلاة الفجر ؛ حتى قال عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - : " أنه ما رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلَّى صلاةً في الغلس إلا صلاة الفجر في المزدلفة " ، وهو يعني في ذلك أو بذلك في الغلس الشديد ، وهو كناية عن أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بكَّر جدًّا في صلاة الفجر في الغلس ، وذلك لكي ينطلقَ - عليه الصلاة والسلام - هو ومن معه من صحبه الكرام إلى المَشعر الحرام ، ليقوموا هناك - أيضًا - مستقبلين القبلة ، بذكر الله والدعاء له ، ثم ينطلق من هناك إلى منى لرمي جمرة العقبة .

والانطلاق هذا أمر واجب بالنسبة للرجال أن يكون بعد صلاة الفجر ، وأن يكون رميُهم للجمرة الكبرى بعد طلوع الشمس لصحَّة حديث ابن عباس ، الذي كان مع الضَّعَفَة الذين أَذِنَ لهم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن ينصرفوا من المزدلفة بعد نصف الليل خلافًا لعامة الناس ، ومع ذلك قال لابن عباس ومن كان هو معهم من الضَّعَفة : ( لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ) ، أما النساء ، أما الشيوخ العجزة ، فقد أَذِنَ لهم رسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بأن ينطلقوا من المزدلفة بعد نصف الليل ، ذلك ليتحاشَوا وليتنكَّبوا زحمةَ الناس ، وأن لا يتضرَّروا بمثل تلك الزحمة ، ولكن لا يوجد - وهذا أمر أرى لزامًا عليَّ التنبيه عليه - ؛ وهو أنه لا يوجد حديث - وأرجو الانتباه لما أقول - لا يوجد حديث صحيح مرفوع أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أَذِنَ للضَّعفة وللنساء الذين سمح لهم أو لهنَّ - عليه الصلاة والسلام - بالانصراف من المزدلفة بعد نصف الليل ؛ لا يوجد حديث صحيح صريح أنه - عليه الصلاة والسلام - أذنَ لهم أن يرموا الجمرة قبل طلوع الشمس ، بل حديث ابن عباس صريح على خلاف ذلك : ( لا ترموا الجمرة حتى تطلعَ الشمس ) .

نعم ، لقد وقعت بعض الحوادث من بعض الأفراد أنهم رَمَوا قبل طلوع الشمس ، رموا ليلًا وانصرفوا إلى الكعبة إلى بيت الله الحرام ، لكن هذا قد يكون أولًا لعذر ، وقد يكون ثانيًا لغير عذر ؛ ولكن بفهم خاص ، ولا نجد في السنة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علم مثل هذا الواقع وأقرَّه ، ولو كان شيء من ذلك لَوجب استثناء مثل هذا الواقع من القاعدة العامة : ( لا ترموا الجمرة حتى تطلعَ الشمس ) .

هذا ما رأيت من المناسب الآن التنبيه عليه ، ثم بعد ذلك نسمع ما يكون عند بعضكم من الأسئلة .
  • رحلة الخير - شريط : 14
  • توقيت الفهرسة : 00:40:40
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة