رفع اليدين بعد التكبير ولم يعد يرفعها في الصلاة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
رفع اليدين بعد التكبير ولم يعد يرفعها في الصلاة ؟
A-
A=
A+
السائل : فهناك - مثلًا - مسألة خلافية قديمة ، ومما يُؤسف له أن يظلَّ هذا الخلاف في هذه المسألة وأمثالها مع وضوح الحجَّة مع الذين أثبتوا لا مع الذين نفوا ، مثلًا في الصلاة ؛ المسألة فرعية بسيطة كما يقولون ، لكنها لها ثمار مُرَّة مع الأسف الشديد ، الخلاف منذ ألف سنة وزيادة لا يزال بين الحنفية والشافعية وغيرهم في رفع اليدين في الصلاة ، مثلًا المذهب الحنفي يقول : تُكره يُكره رفع اليدين في الصلاة إلا عند تكبيرة الإحرام ، الجمهور يقول بسنِّيَّة ذلك ، ليس للحنفيَّة حجة إلا حديث فيه نفي ؛ أي : ليس فيه علم ، هذا الحديث هو المروي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال لأصحابه يومًا : ألا أصلي لكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فصلى ، فرفع يديه وكبَّر ، ثم لم يعد إلى الرفع ؛ فأخذ الحنفية بهذا الحديث وقالوا : لا يُشرع الرفع ، بينما الجمهور معهم أحاديث كثيرة جدًّا في " الصحيحين " والسنن والمسانيد وغيرها عن نحو من أكثر من عشرين صحابيًّا كلهم يُثبت هذا الرفع عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فنحن إذا طبَّقنا هذه القاعدة استرحنا من الخلاف ، الذي أثبت الرفع معنى ذلك أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه ؛ فهو عنده علم ، ومعنى الذي نفى الرفع أنه لم ير الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، فنحن لا نلومه ولا نقول له : لِمَ لَمْ ترَ ؟ وكيف خفِيَ عليك هذا ؟ لا ، الإنسان يعني له حدود وطاقات محدودة ، لكننا نقول للذين يتشبَّثون بهذا الخبر النافي لرفع اليدين ؛ لماذا تأخذون بخلاف القاعدة التي أنتم أنفسكم تعترفون بها وتقرِّرونها في علم الأصول ؟ " من حفظ حجة على من لم يحفظ " ، فالجماعة من الصحابة ؛ مثل ابن عمر ، مثل مالك بن حويرث ، مثل أنس بن مالك ، وجماعة كثيرون ، منهم من سُمِّيَ ومنهم من لم يسمَّ ؛ كلهم يقولون : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه عند الركوع وعند الرفع منه ، ابن مسعود لم يرَ ذلك ، ولذلك لم يَثبت عنه أنه رفع ، وأصحابه الكوفيون سلكوا مسلكه ومشوا طريقه ، فلا عَتَبَ على ابن مسعود ؛ لأنه هذا الذي عَلِمَه أو بلغه ، لكن التعصُّب له والأخذ بحديثه النافي خلاف هذه القاعدة المتفق عليها ؛ " من علم حجَّة على من لم يعلم ، ومن حفظ حجَّة على من لم يحفظ " ، ولذلك حَجَّ - أي : أقام الحُجَّة - الإمام البخاري - رحمه الله - في جزئه الخاصِّ الذي ألَّفه في رفع اليدين على المختلف فيه ، فأقام الحجة على النافين لشرعية الرفع عند الركوع - مثلًا - بهذه القاعدة ، وقال : إن هذه القاعدة مأخوذة من نصوص شرعية أذكر منها أنَّه ذكر قصة الخلاف بين الصحابيين الجليلين ؛ أحدهما ابن عمر عن بلال ، والآخر ابن عباس ، بلال يقول لابن عمر وعمر يروي عنه ؛ أنه دخل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - جوف الكعبة في وسط الكعبة ، وصلى ركعتين ، ويصف وصفًا دقيقًا أنه حين صلى الركعتين كان بينه وبين جدار الكعبة نحو ذراعين ، وأنه كان عن يمينه عمود وعن يساره عمود ، فهو صلى بين عمودين ، وهذا الوصف يعني أنه على علم بأنه يصف صلاة الرسول - عليه الصلاة والسلام - في ذلك المكان الطاهر وصفًا دقيقًا ، ولما خرج الرسول - عليه السلام - مع أصحابه تلقَّاهم ابن عمر فسأل بلالًا فذكر له أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - صلى ركعتين هكذا ، ابن عباس - وكلا الحديثين في الصحيح في البخاري - ابن عباس يقول : لم يدخل الكعبة ، ولم يصلِّ إلا في قُبُل الكعبة ؛ يعني خارجها مستقبلًا لها ، يقول البخاري - رحمه الله - بعد أن يروي الخبرين عن صحابيين جليلين كلٌّ منهما ثقة قال في ، بخبر من أخذ العلماء ؟ بخبر من أثبت ؛ لأن الذي أثبت عَلِمَ ، والذي نفى لم يعلَمْ ؛ فلا نقول له - كما قلنا آنفًا - : لمَ لم تعلم ؟ لكننا نستفيد من الذي علم علمًا لا نستفيده من هذا الذي لم يعلم .

من هذا الحديث وأمثاله وُضِعت هذه القاعدة : " من علم حجَّة على من يعلم ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ " ، وبهذه القاعدة تُحلُّ مشاكل كثيرة ، لا يفوتني أن أقول بأن مسألة الخلاف في رفع اليدين صحيح أنها مسألة فرعية وبسيطة كما يقولون ؛ ولكن تَرتَّب وراءها أشياء خطيرة جدًّا ؛ منها أن الصلاة وراء الذي يرفع يديه مكروهة تحريمًا ، ومنها - أي : من أثر هذا القول - انفصال أئمة المسلمين في المساجد منذ مئات السنين إلى أكثر من إمام واحد في المسجد الواحد ، هذا حنفي وهذا شافعي ، وهذا يختلف باختلاف البلاد ، فإذا كانت البلاد في الدولة والصَّولة والسَّطوة لمذهب فليس هناك إلا إمام واحد ، وإذا كانت الصَّولة والجولة لمذهبين ؛ فهناك لا بد من أن يوجد إمامان ، وإلا فأربعة ، وهذا نحن كنا نشاهده إلى عهدٍ قريبٍ في المسجد الكبير هنا في مسجد بني أمية ، أربعة محاريب ، في كل محراب إمام ! حنفي شافعي مالكي حنبلي ، فهذا التفرُّق من أين جاء ؟ من هذه الخلافات التي يسمُّونها بأنها خلافات سهلة وبسيطة ، فرفع اليدين في الصلاة مكروه تحريمًا ؛ لأنه هكذا مذهبنا يقول ، يعني مذهب الحنفية ، والصلاة وراء من يرفع يديه - أيضًا - تفرَّع من وراء ذلك هذا القول مكروهة ، فللخلاص من الكراهة نتَّخذ إمام يصلي على مذهبنا وما منرفع إيدينا ونحو ذلك من الخلافات .

فإذًا على المسلمين فقهائهم وطلاب العلم منهم أن يُحاولوا القضاء على مثل هذه الخلافات بالرجوع إلى القواعد والأصول التي اتفقوا عليها ، ومنها : " من عَلِمَ حجَّة على من لم يعلَمْ " .

مواضيع متعلقة