هل صحَّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى على عبد الله بن أبي ؟ وأن القرآن نزل مؤيِّدًا لموقف عمر إذ أراد منع النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ؟ وهل كان نفاقه عمليًّا او اعتقاديًّا ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل صحَّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى على عبد الله بن أبي ؟ وأن القرآن نزل مؤيِّدًا لموقف عمر إذ أراد منع النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ؟ وهل كان نفاقه عمليًّا او اعتقاديًّا ؟
A-
A=
A+
السائل : سؤال آخر يتصل بالبحث السابق في الجمعة الفائتة عن مسألة النفاق ، يقول : هل صحَّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على عبد الله بن أبي ... ، وعن موقف عمر أراد منعه من ذلك ، وأن القرآن نزل مؤيِّدًا لرأي عمر ، وهل كان نفاقه عمليًّا أو اعتقاديًّا ؟

الشيخ : هذا كان نفاقه نفاقًا اعتقاديًّا ، وقد يكون اقترن معه بصورة طبيعية نفاق عملي ، أما صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على هذا المنافق فإنما هو لاجتهاد منه ، وقد كان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يعمل في إجراء الأحكام الشرعية بناءً على الأمور الظاهرة ، فهذا رجل يصلي ويشارك المسلمين في كثير من الطَّاعات والعبادات ، ولكن كما قال - تعالى - : (( ولتعرفنَّهم في لحن القول )) ، " فمهما " - كما قال الشاعر أيضًا - :

" ومهما تكُنْ عندَ امرئٍ من خليقةٍ *** وإن خالَها تخفى على النَّاس تُعلَمِ "

فهؤلاء مهما كتم نفاقهم فلا بد من أن ينزلق من أطراف لسانهم بعض الكلمات التي تدلُّ على الكفر الذي استقرَّ في قلوبهم ، فهؤلاء بلا شك كان كفرهم كفرًا اعتقاديًّا ؛ كفرًا يستحقُّ أحدهم أن ينطبق عليه الآية المشهورة (( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار )) ، فهذا من هؤلاء ، ولكن الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - مع أنه كان يعرف بعضهم ، لكنه كان يعاملهم معاملة المسلمين فيما يظهر ، وهذا من الأحكام الشرعية ، ومن مثل ذلك أخذ العلماء القاعدة المشهورة عند الفقهاء والتي يتوهَّمها بعض الجهال بالحديث أنه حديث ؛ ألا وهي قولهم : " نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السَّرائر " ، هذه قاعدة فقهية صحيحة ، ولكن ليس لفظًا نبويًّا ، وإنما هو مأخوذ من كثير من الأحاديث القولية والفعلية من جهة ، ومن تطبيق الرسول - عليه السلام - هذه القاعدة في منطلقه في معاملته للناس جميعًا وفيهم أمثال هذا المنافق ، فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - صلَّى عليه بناءً على هذه القاعدة ، وهو يعلم أنه منافق ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له من بين الصحابة رجل واحد اصطفاه وخصَّه بخصوصية دون أصحابه جميعًا ، وكان موضع سرِّه ؛ ألا وهو حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - ؛ فكان عنده أسماء المنافقين ، ولذلك كان عمر بن الخطاب من خوفه من ربِّه كان يسأل حذيفة يُناشده ربَّه ؛ هل يجد اسمه في زمرة المنافقين الذين سمَّاهم الرسول - عليه السلام - له ؟ فيذكِّره بأنه ليس فيهم .

خلاصة القول : إن صلاة الرسول - عليه السلام - على هذا المنافق هو فرع من فروع معاملته معاملة المسلم للقاعدة السابقة ؛ " نحكم بالظاهر والله يتولى السَّرائر " ، فإن الحديث يتضح معناه بصورة قوية جدًّا فيما إذا ... سبب وروده ؛ فقد جاء في " صحيح البخاري ومسلم " من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مرَّت به جنازة ، فأثنوا عليها خيرًا ، أصحابه لما مرت الجنازة ذكروها بخير ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( وجبت وجبت وجبت ) ، ثم مرَّت جنازة أخرى ، فأثنوا عليها شرًّا ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( وجبت وجبت وجبت ) . قالوا : يا رسول ، مرت الجنازة الأولى فقلت : ( وجبت وجبت وجبت ) ، والأخرى فقلت كذلك ؟ قال - عليه الصلاة والسلام - : ( مرَّت الأولى فأثنيتم عليها خيرًا فوجبت لها الجنة ، ومرَّت الأخرى فأثنيتم عليها شرًّا فوجبت لها النار ؛ أنتم شهداء الله في الأرض ) ، فالصلاة على منافق نظنُّه مسلمًا لا يعني أننا حكمنا عليه بالجنة لا سيما إذا كان الظن من أمثال جماهير الناس اليوم الذين يحضرون جنازة في المسجد يصلون عليها ، فيلتفت أحدهم فيقول : ماذا تشهدون في هذا الرجل ؟ يحضُّهم على أن يشهدوا فيه زورًا ؛ لأنهم لا يعرفون فيه خيرًا ولا شرًّا توهُّمًا منهم أنهم إذا قالوا فيه شهادة خير انقلبت صحيفته السوداء إلى صحيفة بيضاء ، ليس الأمر هكذا ، وإنما الأمر في حقيقته كما يعبر عن ذلك بعبارة لطيفة بعض الصوفية يقولون : " ألسنة الخلق أقلام الحق " ، هذه الجملة مأخوذة من الحديث السابق ، " ألسنة الخلق أقلام الحق " ، لكن أيُّ خلق ؟ هؤلاء كما سمعتم مثالًا قريبًا الذين يسارعون إلى شهادة الزور بمناسبة وبغير مناسبة هؤلاء ألسنتهم أقلام الحق ؟

لا ، وإنما حين يكون مجتمعهم مجتمعًا إسلاميًّا مربًّى تربيةً إسلاميةً صحيحة لا يشهد قبل كل شيء إلا شهادة حق ، ثم لا يشهد إلا بعد التؤدة وبعد التأني وبعد التروي كما وقع على خلاف هذا في عهد عمر ؛ لما جاء رجل يشهد في آخر خيرًا قال له : تعرفه ؟ قال : نعم . قال كيف تعرفه ؟ قال : كلما دخلت المسجد وجدتُه قائمًا راكعًا ساجدًا . قال : هل سافرتَ معه ؟ فإن السَّفر يُسفر عن أخلاق الرجال . قال : لا . قال : هل عاملته بالدينار ؟ قال : لا . قال : هل هو جارك ؟ قال : لا . قال : إذًا لا تعرفه !

فالشاهد : ( أنتم شهداء الله في الأرض ) إذا كانت هناك جماعة صادقين مؤمنين وعلماء عارفين يشهدون لشخص عن معرفة ، عن معرفة صحيحة ؛ فهم يعبِّرون حين ذاك عن واقع هذا الإنسان مش على خلاف واقعه ! فإجراء الأحكام الشرعية التي أُمرنا بأن نحكم فيها بالظاهر لا تعني الشهادة لما نجد الحكم الظاهر بحقيقة هذا الإنسان ، وإنما هذه الحقيقة إذا أردنا أن نأخذها من الظاهر فبشهادة الأمة ، الأمة المسلمة في زمنٍ ما إذا كانت كما كان أصحاب الرسول - عليه السلام - في العلم والفقه والعدالة والخوف من الله - عز وجل - ؛ لا يُحابون ولا يُدارون ، فهنا تكون هذه الشهادة بشارة للمشهود له بالجنة ، والعكس والعكس ؛ فإجراء الأحكام الشرعية على الظاهر لا تتنافى مع هذا الحديث ؛ لأن هذا الحديث له حكم خاص في شهادة أهل الحق بالحق .

مواضيع متعلقة