هل لمح الوالدُ مسألةَ إقبالكم على علم الحديث ونحو ذلك ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل لمح الوالدُ مسألةَ إقبالكم على علم الحديث ونحو ذلك ؟
A-
A=
A+
الحويني : طيب ؛ بالنسبة للوالد هل لمح - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - .

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

الحويني : هل لمح مسألة إقبالك على علم الحديث ونحو ذلك ؟ كان له دور فيه ؟

الشيخ : كان له دور سلبي جدًّا ، لكن الله - عز وجل - ثبَّتني ، الذي كان يقع في الحقيقة - وهذا من فكري - الله - عز وجل - فيما قدَّر لي من الجلوس في دكَّانه وتعلم مهنته ، أنُّو نحن نعمل نتجادل ، أنا فيما بدا لي من السنة والحديث وهو فيما كان درسه في إسطنبول وغيرها وقضى شطرًا طويلًا في هذه الدراسة - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - .

سائل آخر : ... .

الشيخ : يلَّا بسم الله .

الحويني : نؤجل الكلام لبعد الـ .

---

الحويني : كنا وصلنا يا شيخنا لجدالك مع الوالد في أثناء الـ ؟

الشيخ : أيوا ، فكنا نتناقش فيما أستدلُّ بالحديث والسنة ، هو يقول : عَ المذهب ، وإذا ضاق بالبحث ذرعًا وأنا طويل النفس في ذلك ؛ لأنني كنت شابًّا وهو كان كهلًا بل شيخًا ، فكان يقول : " علم الحديث صنعة المفاليس " - رحمه الله وغفر لنا وله - ، وهكذا كان أكثر أوقاتنا في الدكان مجادلة ، ومع الاستمرار في الدراسة في السنة والحديث تبيَّنت لي أخطاء كانت سائدة ومتحكِّمة في ذلك الوقت على الناس جميعًا وفيهم مشايخ ، كنت - مثلًا - من بين كل إخوتي هو الولد الوحيد الذي يُلازم أباه في ذهابه إلى المساجد ، ولقد كان من عادته - رحمه الله - أن يصلي في مسجد بني أمية ، وكان متأثرًا ببعض الأقوال والآثار المذكورة في كتب الحنفية في فضل الصلاة في مسجد بني أمية ؛ ما جاء في الكتاب الأخير من كتب الحنفية المعتمدة " حاشية ابن عابدين " ذكر فيه عن سفيان الثوري أن الصلاة في مسجد بني أمية بسبعين ألف صلاة ، أنا كنت أعقد هذه الفضيلة بمثل هذا المسجد المُحدث بعد الرسول - عليه السلام - ، وما كان عندي استعداد أن أتقبَّل مثل هذه المبالغة في الفضيلة فطرةً ، ثم تمضي الأيام مع السنين .

سائل آخر : السلام عليكم .

الشيخ : - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - ، ويصل بحثي ودراستي إلى أن أدرس أكبر تاريخ إسلامي معروف وهو " تاريخ دمشق " لابن عساكر ، وهذا الأثر المذكور في " حاشية ابن عابدين " في فضيلة المسجد الأموي معلوم لابن عساكر ، وهكذا متفقِّهة آخر الزمان يُقنعهم أن يكون الحديث معزوًّا ولو لابن عساكر حتى يصبح - كما تقول العامة - حديث مثبت ، فلما تمكَّنتُ - هذا طبعًا بعد سنين - وصل بي الدور إلى دراسة مخطوطات المكتبة الظاهرية كلها .

الحويني : سنة كم ذاك يا شيخ ؟

الشيخ : لا أحفظ سنوات ، ولا ، والسبب في ذلك لستُ طالب علم على الطريقة النظامية ؛ بحيث يوجِّهني الموجِّه أنُّو أنت سجِّل ، ما كان عندي هالخاطرة إطلاقًا ، فلما وصل بي البحث والدراسة إلى " تاريخ ابن عساكر " مررتُ عليه كله ، وموجود منه في المكتبة الظاهرية 17 مجلد ، كل مجلد ضخم هكذا ، مر بي هذا الأثر .

الحويني : لمسجد بني أمية ؟

الشيخ : آ ، وإذا الإسناد إليه ظلمات بعضها فوق بعض !! فقلت : سبحان الله ! كيف هؤلاء الفقهاء بسبب إهمالهم لدراستهم للحديث يروون أثرًا أولًا لو صحَّ السند إليه فهو - كما تعلم في علم الحديث - مُعضل ؛ فكيف يُستند إليه كما قلنا ظلمات بعضها فوق بعض ؟!! ولذلك يعني يسيئون من حيث يريدون الإحسان ، ثم اطَّلعت على قصة دفن يحيى - عليه السلام - أو قبر يحيى - عليه السلام - المزعوم في مسجد بني أمية ، قرأت ذلك في " تاريخ ابن عساكر " - أيضًا - ، المهم وصل بي البحث إلى أن الصلاة في مسجد بني أمية لا تجوز ؛ انظر هذا الصوفي السلفي !!

الحويني : يعني وحُقَّ له ! " يضحك الشيح الحويني " .

الشيخ : " يضحك الشيخ - رحمه الله - " لا حول ولا قوة إلا بالله ... ، كيف يجتمعان في شخص ؟! من يحترم شيخه على طريقة الصوفية ؛ لكن هو سلفي !! تبيَّن لي أن الصلاة في هذا المسجد لا تصحُّ ، وما وصلت إلى ذلك طفرة ، بل على تدرُّج وتمهُّل ، تخيَّرت هذه الفكرة في اجتهاد ، فأحببت أن آخذ رأي بعض المشايخ ؛ منهم أبي ومنهم الشيخ البرهاني ، ففي يوم من الأيام بعدما صليت عنده الظهر يمكن - الله أعلم - ، أسررت إليه بأنُّو أنا تبيَّن لي أنُّو الصلاة في مسجد فيه قبر لا تصح .

الحويني : سألت الوالد ؟

الشيخ : لا ؛ البرهاني ، قال : اكتب الأشياء اللي أنت حصلتها ، فكتبت وقدمتها إليه يمكن في ثلاث صفحات أو أربع صفحات ، كان الوقت - فيما يغلب على ظنِّي - يومئذٍ في شهر رمضان ، فلما قدَّمت الورقات هذه إليه قال لي : إن شاء الله بعد العيد بعطيك الجواب ، بعد العيد قال لي : كل هذا الذي كتبته وجمعته لا قيمة له . قلت له : ليش ؟ متعجِّبًا ! قال : لأن هذه الكتب التي أنت نقلت منها هذه كتب غير معتمدة عندنا .

الحويني : عندنا !

الشيخ : إي ، المعتمد عندنا " مراقي الفلاح " ، " حاشية ابن عابدين " وبس يعني ! أنا نقلت له من " مبارق الأزهار شرح مشارق الأنوار " لابن ملك ، وهو حنفي ، نقلت له من " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " لملا علي قاري ، وهو حنفي ، وما عَاد أذكر نصوص أخرى ، نبذها نبذ النواة وقال : هذه لا قيمة لها !! على أن هناك أحاديث كنت جمعتها له فلم يعبأ بها ، ولم يرفع إليها رأسًا ، وقال : نحن مرجعنا في الدين هو كتب الفقه فقط ليس كتب الحديث ، على هذا النمط كان موقف والدي - أيضًا - ، وكان ذلك نواة لتأليف كتابي " تحذير الساجد من اتخاذ القبور المساجد " .

المهم أن من عيوبي التي يظنُّها بعض الناس أنني لا أريد أن يُخالف فعلي قولي ؛ فما دام تبنَّيت أن الصلاة في المساجد المبنيَّة على قبور لا تجوز فإذًا أنا لازم ما أدرس مع والدي في مسجد بني أمية ، هكذا كان ؛ طبعًا هذا أزعجه وأغضبه ، لكنه أسرَّها في نفسه !!

جاءت مسألة أخرى خالفتُ القومَ فيها ؛ وهي الجماعة الثانية في المسجد ، المسجد الذي كان أبي بجواره واسمه جامع التوبة كان يؤمُّ فيه الشيخ البرهاني ، وبحكم الجوار كان إذا غاب الشيخ سعيد وكَّل والدي بأن يصلي نيابةً عنه ، في هذا المسجد محرابان وإمامان ، إمام حنفي هو البرهاني ، وإمام شافعي كان يتغيَّب .

الحويني : جماعتان في وقت واحد ؟

الشيخ : لأ ، أردتُ أن أقول لك في العهد العثماني كان يصلي الإمام الحنفي قبل الإمام الشافعي ، سواء في المسجد الأكبر المسجد الأموي أو في غيره من المساجد كمسجد التوبة هذا ، ثم لما تولى رئاسة الجمهورية السورية الشيخ " تاج الدين " الذي هو ابن الشيخ " بدر الدين الحسيني " المعروف بأنه كان محدِّثًا في عصره ، فهو بالنظر إلى أنه كان شافعيَّ المذهب فأصدر أمره الثاني بأن يصلي الإمام الشافعي قبل الإمام الحنفي ، وهكذا نُفِّذ كما هو طبيعة الأمر هذا الصادر من ولي الأمر كما يقولون ، نُفِّذ هذا النظام في كل المساجد ، ومنها مسجد التوبة ؛ فكان الإمام الشافعي يصلي قبل البرهاني الحنفي ، فأنا لما تفقَّهت وعرفت أن الجماعة الثانية لا أصل لها في السنة صرت أصلي وراء الإمام الشافعي الإمام الأول ، وهذا تقوم القيامة الثانية بسبب هذه المخالفة ؛ أولًا : لمذهبه ، وثانيًا : لفعله ؛ لأنه تأخَّر ليصلي مع الإمام الحنفي البرهاني ، لكن هو ماضٍ في سبيل ، وأنا ماضٍ في سبيلي ، ثم سافر الشيخ البرهاني في حجٍّ أو عمرة ما أذكر ، فأنابَ والدي بأن يصلي مكانه ، فكنت لا أصلي خلفه ؛ لأنُّو ما في فرق عندي بين البرهاني وبين والدي ؛ لأنهما كل منهما يتأخر عن الجماعة الأولى ، فكنت أدع والدي يصلي الجماعة الثانية ، وأصلي مع الإمام الأول أنا ، ثم جاء فيما بعد - كما يقال - " ضغثًا على إبَّالة " ؛ اقتضى لوالدي أن يغيب عن البلد يومًا أو يومين ، فطلب منِّي أن أصلي بديله ؛ يعني الجماعة الثانية ، ... عليه ، وقلت أنت تعرف رأيي في الموضوع ، وصعب جدًّا أن أخالف رأيي ، توفرت عدة قضايا مما أثار حفيظة والدي عليَّ ، وفي ظني بسبب تحريك الحاقدين الحاسدين الباغضين لأبي وودِّي ، فذات يوم ونحن على طعام العشاء قال لي بلسان عربي مبين بعد بيان منه عن الوضع هاللي عايشه أنا معه من حيث مخالفتي إياه قال : إما الموافقة وإما المفارقة . فقلت له : أمهلني ثلاثة أيام حتى أفكر في الأمر . قال : لك ذلك . فجئته بالجواب : ما دائم أنك خيرتني فأنا أختار أن أعيش بعيدًا عنك حتى لا أزعجك بمخالفتي لمذهبك ، وكذلك كان ، فخرجت من عنده ولا أملك درهمًا ولا دينارًا ، وأذكر جيِّدًا أنه قدَّم لي 25 ليرة سورية فقط .

الحويني : وأنت خارج من البيت ؟

الشيخ : لما خرجت من البيت ، لكن أنا في هالمدة كلها كنت أسست نواة من الإخوان السلفيين ، وكان أحدهم له حانوت يبيع فيه الحبوب القمح والشعير والفول ونحو ذلك ، وكان في نفس المكان الذي أنا استأجرت فيه دكَّانًا لي ، فأقرضني مئتي ليرة سورية حتى استطعت أن استأجر المحل ، وكان عند والدي بعض الآلات القديمة التي لا يستعملها وليس بحاجة إليها فأعطاني إياها ، فاستقللتُ في العمل ، ومن فضل الله عليَّ أنني كنت دقيقًا في مهنتي وناصحًا فيها ، فكثرت الزبائن ، كما يقول عنا بالشامي وقال الكريم : خُذْ - ربّ العالمين - .

إي نعم .

مواضيع متعلقة