هل قضاء السنة الراتبة بعد العصر هل هو خاصٌّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أم هو عامٌّ ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل قضاء السنة الراتبة بعد العصر هل هو خاصٌّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أم هو عامٌّ ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الشيخ - حفظك الله - ، يقول السائل : هل قضاء السنة الراتبة بعد العصر هل هو خاصٌّ بالنبي - عليه الصلاة والسلام - أم هو عام ، أرجو التوضيح ، وجزاك الله خيرًا ؟

الشيخ : الجواب : قضاء السنة في وقت الكراهة ليس خاصًّا بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وإنما هو حكمٌ يشمل أفراد الأمة جميعهم ؛ لأنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : ( مَن نَسِيَ صلاةً أو نام عنها ؛ فليصلِّها حين يذكُرُها ؛ لا كفَّارة لها إلا ذلك ) ، ( من نسي صلاةً ) الصلاة هنا تشمل الفريضة والنافلة ؛ لأنه لم يقل - عليه السلام - من نسي الصلاة بالتعريف ؛ لأنه لو قال ذلك لَتبادر للذِّهن أنه يعني الصلاة المفروضة ، وإنما قال : ( من نسي صلاةً ) ، وتأكَّد هذا المعنى العام الشامل بحديث آخر يرويه في الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( مَن نَسِيَ صلاة الوتر أو نام عنها ؛ فليصلِّها - أيضًا - حين يذكرها ) ، فمعلوم أن صلاة الوتر ليس فريضة ولا واجبة عند مَن لا يفرِّق بين الفريضة والواجب ، أما الحنفية فقد ذهبوا إلى القول بوجوب صلاة الوتر ، ولا دليل لهم ينهض لإثبات قولهم ، وليس الآن مجال أخصُّ الكلام في ذلك ، وإنما الشاهد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد ألحَقَ الوتر وأدخله في عموم الحديث الأول : ( من نسي صلاة ) ، والراجح أن الوتر سنَّة مؤكدة هي وركعتا الفجر آكَدُ السنن ؛ بدليل أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان لا يدَعُهما حَضَرًا ولا سَفَرًا ، فإذًا دلَّنا هذا الحديث على أن السنة تُقضى كما تُقضى الفريضة .

ولكن هل كان قضاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد العصر للسنة التي كانت فاتَتْه قضاء لها في وقت مكروه حتى نتساءَلَ ذاك السؤال ؛ فنقول هل هو خاصٌّ به أم يشمل كلَّ أمته ؟! لم تكن صلاته - عليه السلام - في وقت الكراهة ، وهنا ينبغي الوقوف قليلًا لتعلموا تفصيل الوقت المكروه بعد صلاة العصر ؛ ذلك لأنَّ هناك بعض الأحاديث تدلُّ بإطلاقها أنَّ وقت الكراهة بعد العصر تبدأ بعد صلاة العصر ؛ كمثل قوله - عليه الصلاة والسلام - وهو حديث متَّفق على صحته : ( ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ) ، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما شُغِلَ بوَفْدِ قيسٍ عن السنة صلَّاها بعد العصر ، ولما سُئِلَ عن ذلك قال : ( شَغَلَني الوفد ) ، فيتبادر لذهن مَن كان الحديث المُتَّفق عليه في ذهنه أنه صلَّاه في وقت الكراهة ؛ لأن الحديث قال : ( لا صلاة بعد العصر حتى تغربَ الشمس ) ، فهو إذًا صلَّاها بعد العصر ، ولذلك جاء السؤال ، ولكن لله - عز وجل - كما جاء في حديث لسنا الآن في صدد ذكره - أيضًا - ؛ لأنَّ الوقت ضاق جدًّا من حديث ابن مسعود قال : قال - عليه الصلاة والسلام - : ( إن الله يُحدِثُ في أمره هذا ما يشاء - أي : في دينه ما يشاء - ، وإنَّه مما أحدث ألَّا كلام في الصلاة ) ، فالله - عز وجل - كان يأتي ، بل كان يُنزِّل الشرع والرأي على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنجُمًا ... كان يأتي ، بل كان ينزِّل الشرع والرأي على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنجُمًا وبمناسبات شتَّى ؛ فقد كان الكلام في الصلاة مباحًا ، ثم حرَّمه بهذا الحديث : ( إنَّ الله يُحدث في أمره ما يشاء ، وإنَّ مما أحدث أن لا كلام في الصلاة ) .

قد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( لا صلاة بعد العصر ) ، ولكن جاء في أحاديث أخرى : ( لا صلاة بعد العصر إلا أن تكون الشمس بيضاء نقيَّة - أو مرتفعة نقية - ) ، فدخل بهذا الحديث على الحديث الأول تخصيص ، الحديث الأول كان مطلقًا : ( لا صلاة بعد العصر حتَّى تغرب الشمس ) ، أما هذا الحديث الثاني فقال : ( إلا أن تكونَ الشمس مرتفعة نقيَّة ) ، وهذا الحديث صحيح صحَّ عن علي - رضي الله عنه - وعن أنس - رضي الله عنه - ، إذا كان الأمر كذلك فحينما صلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - السنة التي فاتَتْه بعد العصر ؛ فلم يصلِّها في وقت الكراهة إلا بناءً على حديث : ( لا صلاة بعد العصر ) ، أَمَا وقد دخله هذا الاستثناء : ( إلا أن تكون الشمس مرتفعة نقيَّة ) فحين ذاك وقعت الصلاة التي فاتت الرسول - عليه السلام - أو السنة التي فاتَته حين صلَّاها بعد العصر صلَّاها في وقت مشروع غير مكروه ؛ لذلك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يدَعْ تلك السنة التي قضاها بعد العصر ، بل واظب عليها ؛ بدليل ما أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : " ما دخل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بيتي يومًا بعد العصر إلا صلَّى ركعتين ) . ( إلا صلَّى ركعتين ) أي : بعد أن يصلي العصر ، فيه أن يصلُّوا هذه السنة بما ذكرت آنفًا أنه صلاها في وقت الكراهة ، وأخيرًا : لأنَّه واظب عليها .
  • رحلة النور - شريط : 96
  • توقيت الفهرسة : 00:00:06
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة