هل ورد حديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه صلَّى على نفسه وعلى آله في التشهد الأول ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل ورد حديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه صلَّى على نفسه وعلى آله في التشهد الأول ؟
A-
A=
A+
السائل : هل ورد حديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه صلَّى على نفسه وعلى آله بالتشهد الأول ؟

الشيخ : نعم ، ذلك مذكور في " صفة الصلاة " ومن طرق عديدة ؛ أنه كان يقول في صلاته : ( اللهمِّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد ) ، ولكن ما هو يعني الدَّافع على هذا السؤال ؟ هل فيه شيء مُستغرب أن الرسول يصلِّي على نفسه ؟

السائل : أنا أقصد بالتشهد الأول ؟

الشيخ : آ ! هذا القصد جاء بعد لَأْيٍ ، جاء متأخِّرًا ، لم تذكُرْه في سؤالك .

السائل : أنا قرأت .

الشيخ : لا لا ، امشِ معي ، الآن وضح سؤال ؛ مع ذلك الجواب هو الجواب ؛ أي : ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في التشهد مطلقًا كما كان يدعو في التشهد مطلقًا ، وفي بعض النصوص حتى في الركعتين ؛ فماذا وراء ذلك ؟ قرأت ماذا ؟

السائل : في " زاد المعاد " لابن القيم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان - بمعنى الحديث ، والله أعلم - أنه كان إذا جلس في التشهد الأول كأنما هو جالس على الرَّضف .

الشيخ : نعم ، هل هذا صحيح ؟

السائل : قلت بأنه ضعيف ، لكن في .

الشيخ : صحيح ، كفيتنا المؤنة .

السائل : في " المغني " لابن قدامة في كلام يؤيِّد الكلام هذا .

الشيخ : ما هو الكلام ؟

السائل : لا أذكره ... إنما .

الشيخ : بدنا الفائدة - بارك الله فيك - . مما ، نعم ؟

السائل : نستفيد إن شاء الله .

الشيخ : جزاك الله خير ، من الفائدة أنني قلت لك أن هذا الحديث أنه كان إذا جلس في التشهد الأول كأنما يجلس على الرَّضف ؛ هذا فيه - فيما أذكر - علَّة يقينًا ، وربما - أنا أشك الآن - ... أنه رُوِيَ من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وهو لم يسمع من أبيه كما ذكر ذلك الترمذي في أماكن متعدِّدة في " سننه " =

-- أريد قليلًا من الماء من فضلك --

= في كثير من المواطن من " السنن " مع تساهله المعروف ، أما الذي أشك فيه أن يكون فيه - أيضًا - عنعنة ابن اسحاق ، فإن كانت فهي - كما يُقال - : ضغث على إبَّالة ، وإلا فيكيفي الانقطاع بتضعيف الحديث ، وأنت على كلِّ حال قد كنت = -- وعليكم السلام -- = قد كنتَ على علمٍ بهذا الضعف =

-- بسم الله ... --

= وأظن أنَّ الذي تشير إليه ممَّا قد يقوِّي هذا الحديث المروي بهذا الإسناد الضعيف هو ما رواه الإمام أحمد في " مسنده " من طريق ابن إسحاق يقينًا ... روى ابن إسحاق بصيغة التحديث ليس بالعنعنة وبإسناده الصحيح من فوق إلى ابن مسعود أنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علَّمه التشهد في الصلاة ، وقال له : ( هذا إذا كنت في التشهد الأول قمت ) ، فهذا يؤيِّد الحديث السابق من حيث أن لا شيء بعد التشهد في الجلسة الأولى - جلسة التشهد الأول - ، لكن هنا يبدو للباحث في طرق هذا الحديث في " مسند الإمام أحمد " فضلًا عن غيره كـ " ... الطبراني الكبير " أن حديث ابن مسعود هذا قد جاء من طرق عديدة عنه ، وليس في شيء من هذه الطرق ما ذكره ابن إسحاق ، وابن إسحاق لعلَّكم كطلاب علم مثلي بهذا العلم الحديث تذكرون أنه تُكُلِّمَ فيه من ناحيتين اثنتين :

الناحية الأولى : ما أشرت إليه آنفًا ؛ وهو أنه مدلِّس ، فإذا روى بالعنعنة لم يُحتَجَّ بحديثه ؛ بخلاف ما إذا صرَّح بالتحديث ؛ فحينَ ذاك يكون حديثه حجَّة .

الكلام الثاني الذي تُكُلِّمَ فيه ؛ وهو أنه يأتي أحيانًا ببعض الروايات المستنكرة يخالف فيها الثقات ؛ ولذلك فأهل العلم من الحفَّاظ النُّقَّاد لا ينزلون بحديثه الذي صرَّح فيه بالتحديث إلى مرتبة الضعيف ، ولا يرفعونه إلى مرتبة الصحيح ، وإنما وسطًا بين هذا وبين ذاك ، معنى هذا فمَن كان يريد التحقيق في حديث من أحاديث ابن إسحاق فلا يكفي أن يقفَ عند تصريحه بالتحديث ، فيقول : هذا إسناد حسن ، بل عليه أن ينظر لعله خالف مَن هو أوثق منه أو أكثر عددًا منه في إسناده أو في متنه ، فحينئذٍ يدخل حديثه في مرتبة الحديث الشاذ أو المنكر .

-- وعليكم السلام --

والواقع أن حديث ابن إسحاق هذا الذي جاء فيه ذكر الزيادة ، والتي هي = -- تفضلوا يا إخوان ، تفضلوا لقدَّام = قد خالف كلَّ الرواة الذين هم كلُّ واحد منهم أوثق من ابن إسحاق بمرَّات ومرَّات ؛ فكيف بهم مجتمعين ؟! حيث تفرَّد هو دونهم بهذه الزيادة التفصيلية المفرِّقة بين التشهد الأول والتشهد الأخير ؟ فلا يُزاد على التشهد الأول ، وإنما يزاد في التشهد الأخير ، هذا شيء .

والشيء الثاني يؤكِّد شذوذ ابن إسحاق أو نكارته أنه قد جاء في " المسند " وفي " المعجم " وفي النسائي - أيضًا - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( إذا قعدتم في الركعتين فقولوا : التحيات والصلوات الطيبات ) إلخ ، صورة التحيات وافَقَ فيها ابنُ إسحاق جماهير من الثقات ، لكن انظروا الآن في هذه الرواية الأخيرة ؛ قال - عليه الصلاة والسلام - : ( ثم ليتخيَّر من الدعاء ما شاء ) ، فهذا ينفي ويبطل رواية ابن إسحاق السابقة التي فيها فقط الاقتصار على قراءة التشهد في التشهد الأول .

الشاهد والخلاصة من الكلام : أن ما جاء من الأحاديث التي = -- تفضل ، تفضل يا شيخ -- = التي تؤيِّد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يصلي على ذاته من أقواله وأفعاله ؛ فهي تشمَلُ - أيضًا - التشهد الأول ، ويؤيِّد ذلك ويشهد له ما أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " من حديث السيدة عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنها وصفت قيام النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لقيام الليل أنه صلى ثماني ركعات ، وصلى على نفسه ، ثم قام إلى التاسعة ، فصلى تسع ركعات بتسليمةٍ واحدة ؛ هذا نصٌّ صريح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على ذاته في التشهد الذي قبل الأخير ، هذا وإن كان في النافلة هو أولًا : أوردناه شاهدًا على ما ذكرنا ، ولو لم يكن هناك ما يشهد له حديث عائشة هذا لَاستقلَّ هذا الحديث حديث عائشة بشرعيَّة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتشهد الذي ليس فيه السلام ما لم يعارض شيئًا ؛ فلو كان هناك مُعارض قلنا حين ذاك أن هذا في النافلة ، فيختلف الحكم في الفريضة .

وأخيرًا : قلت في بعض الأجوبة أن حديث أبي عبيدة عن أبيه ابن مسعود الذي فيه جلوسه كأنه كان على رضف هذا لا ينفي ما صحَّ فيما أشرنا إليه آنفًا من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ ذلك لأن القضية نسبية ، لا شك أن أنا شخصيًّا - مثلًا - حينما أرى سنِّيَّة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول ، فجلوسي في التشهد الأول بالنسبة لجلوسي في التشهد الأخير يمكن أن يقول القائل كأنما أجلس على رضف ، لماذا ؟ لأنني أولًا : إذا انتهيت من التحيات قرأت من الصلوات أقصَرَها ، وهذا طبعًا تلقَّيناه من صفة الصلاة عليه منه - صلى الله عليه وسلم - ، كأن أقول - مثلًا - : اللهم صلِّ على محمد ، اللهم صلِّ وبارك على محمد كما صليت وباركت على محمد وعلى إبراهيم إنَّك حميد مجيد ، تقريبًا نصف الصلوات الإبراهيمية المعتادة التي فيها الفصل بين الصلاة عليه والتبريك عليه ؛ هذا وجه من الاختصار .

الوجه الثاني : أننا مأمورون بالاستعاذة من أربعٍ في التشهد الأخير كما جاء في " صحيح البخاري " : ( إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير فليستعِذْ بالله من أربع ) ، فلا بد لنا من هذه الاستعاذة من الأربع ، وهذا لا نفعله في التشهد الأول ، ثم نذكر ما جاء في " صحيح مسلم " من قوله - عليه السلام - في صلاة القيام صلاة الليل أنه كان آخر ما يقوله في تشهُّده : ( اللهم اغفر لي ما قدَّمت وما أخَّرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أنت أعلم به منِّي ، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر لا إله إلا أنت ) ، وهذا من حديث عليٍّ ، وقد جاء في بعض الروايات في " سنن الدارقطني " وغيره أنه كان يقول ذلك في المكتوبة ، فإذا قابلنا الجلوس في التشهد الأول بالجلوس في التشهد الآخر لم يكن مخالفًا لقوله : " كأنما يجلس على رضف " .

هذا أخر ما عندي في هذه ... .
  • رحلة النور - شريط : 90
  • توقيت الفهرسة : 00:03:53
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة