تتمة : إخلاص العمل لله - عز وجل - . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
تتمة : إخلاص العمل لله - عز وجل - .
A-
A=
A+
الشيخ : أما قوله - عز وجل - : (( وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) فإنَّما يعني في هذه الآية ؛ أي : ليكُنْ من كان يرجو لقاء ربِّه في عمله الصالح مخلصًا لله - عز وجل - لا يرائي ولا يرجو من وراء عمله الصالح سوى مرضاة الله - تبارك وتعالى - ، وقد جاءت في هذه المناسبة أحاديث كثيرة جدًّا فيها ما يكفي لوعظ وإيقاظ قلب المسلم من غفلته في بعض أعماله الصالحة التي قد تتغلَّب عليه النفس الأمَّارة بالسُّوء ، فتقلب عبادته التي هي على السنة تقلب عبادته وبالًا عليه ؛ لماذا ؟ لأنه لم يخلص فيها لله - تبارك وتعالى - بل أشرَكَ فيها معه غيره ؛ أي : أراد وجه غير الله - عز وجل - في عمله .

من تلك الأحاديث ما أخرجه البخاري ومسلم في " صحيحهما " من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رجلًا قال للنبي - عليه الصلاة والسلام - : الرجل منَّا - يا رسول الله - يقاتل شجاعةً هل هو في سبيل الله ؟ قال : ( لا ) . قال : الرجل منَّا يقاتل حميَّةً هل هو في سبيل الله ؟ قال : ( لا ) . الرجل يقاتل كذا وكذا هل هو في سبيل الله ؟ قال : ( لا ) ، في كل مرَّة لا لا، قال : فمن في سبيل الله ؟ قال : ( من قاتل لتكونَ كلمة الله هي العليا ؛ فهو في سبيل الله ) . ومعنى ذلك أن من قاتل لغير إعلاء كلمة الله - تبارك وتعالى - فليس في سبيل الله ، وإنَّما هو في سبيل الشيطان ، ولذلك فينبغي أن يراقب كلُّ مسلم أعماله وبخاصَّة جهاده الذي قد يعرض نفسه للموت ؛ فعليه أن يجعل جهاده خالصًا لوجه الله - تبارك وتعالى - ؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام - في حديث رواه الحاكم في " المستدرك " من حديث أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( بشِّر هذه الأمة بالرفعة والسَّناء والمجد والتمكين في الأرض ، ومن عمل منهم عملًا للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب ، ومن عمل منهم عملًا من أعمال الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب ) .

وإنَّ من أشدِّ الأحاديث تخويفًا وترهيبًا لِمَن لا يخلص لله - عز وجل - في عمله ولو كان من أعدل الأعمال عند الله رفعةً ومنزلةً ؛ ومع ذلك فينقلب عليه هذا العمل وبالًا ؛ لأنه ما أخلَصَ فيه لله - تبارك وتعالى - ؛ ذلك الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( أول من تُسعَّر بهم النار يوم القيامة ثلاثة : عالمٌ ، ومجاهدٌ ، وغنيٌّ ) ، انظروا خير الناس أعمالًا هم هؤلاء الثلاثة ، عالم ومجاهد وغني ، مع ذلك يُخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو الصادق الأمين بأن أول من تُشعل بهم النار وتُوقد بهم جهنَّم يوم القيامة هم هؤلاء الأجناس الثلاثة ؛ العالم والمجاهد والغني ، يقول - عليه الصلاة والسلام - في تمام الحديث : ( يُؤتي بالعالم يوم القيامة فيُقال له : ماذا عملت فيما علمت ؟ فيقول : يا ربِّ نشرته في سبيلك . فيُقال له : كذبتَ ؛ إنما علَّمت ليقول الناس فلان عالم ، وقد قيل خذوه إلى النار ) . أي : إنَّ ما سعى إليه من حبِّ الشهرة والظهور قد وصل إليه بعلمه فليس له في الآخرة من نصيب كما تقدَّم بحديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - .

( ثم يُؤتي بالمجاهد فيُقال له : ماذا عملت بما أنعمت عليك من قوَّة ؟ فيقول : يا ربِّ ، قاتلت في سبيلك . فيُقال له : كذبت! ، إنما جاهدْتَ لِيُقال : فلان بطل ، فلان شجاع ، وقد قيل ؛ خذوه إلى النار ، فيُلقى في جهنم ، ثم يُؤتي بالغنيِّ الذي أنفق أمواله في سبيل الله - فيما يبدو للناس ، فالله يُحاسبه ويسأله ، وهو أعلم ما في نفسه - ماذا فعلت بما أنعمت عليك من مال ؟ فيقول : يا ربِّ ، أنفقته في سبيلك . فيُقال له : كذبتَ ، إنما أنفقت ليقول الناس فلان كريم ، وقد قيل ؛ خذوه إلى النار ) . قال أبو هريرة : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( فأوَّل من تُسعَّر بهم النار يو القيامة هؤلاء الثلاثة ؛ العالم ، والمجاهد ، والغني ) . ومن هنا نتلخَّص شيئًا هامًّا جدًّا هو ما أشار إليه ربُّنا - عز وجل - في الآية السابقة : (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا )) أي : على وجه السنة . (( وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) ؛ أي : لِيُخلص في كلِّ عبادة يأتي بها لله - عز وجل - لا يريد من الناس جزاءً ولا شكورًا .

فنسأل الله - عز وجل - أن يعرِّفنا وأن يعلِّمنا العمل الذي كان عليه رسولنا - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأن يُلهمنا الإخلاص فيه له وحده لا شريك له .

نعم .
  • رحلة النور - شريط : 83
  • توقيت الفهرسة : 00:07:58
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة