ما رأي فضيلتكم فيمن يرى أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد جعل الأحاديث الحسنة وكثيرًا من الأخبار الضعيفة مكذوبة ، وادَّعى الاتفاق على أنها موضوعة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما رأي فضيلتكم فيمن يرى أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد جعل الأحاديث الحسنة وكثيرًا من الأخبار الضعيفة مكذوبة ، وادَّعى الاتفاق على أنها موضوعة ؟
A-
A=
A+
السائل : يقول : ما رأي فضيلتكم فيمن يرى أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد جعل الأحاديث الحسنة وكثيرًا من الأخبار الضعيفة مكذوبة ، وادَّعى الاتفاق على وضع أحاديث الاتفاق على أنها ضعيفة .

الشيخ : شو ؟

السائل : وادَّعى الاتفاق على وضع أحاديث الاتفاق ... وادَّعى الاتفاق على وضع أحاديث الاتفاق عليها أنها ضعيفة ، وادَّعى الاتفاق على وضع أحاديث مختلفة في وضعها ؟

الشيخ : هذا كلام صحيح ؛ أي : أنَّ ابن تيمية - رحمه الله - أحيانًا يحكم بوضع بعض الأحاديث وهي من حيث إسنادها لا تصل الى الحكم عليها بالوضع ، فقد سبقَه إلى أكثر من ذلك أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه " الموضوعات " ، ولكن هنا شيء يجب أن يُلاحظه طلَّاب العلم ، أو الذين يُشغلون أنفسهم بقراءة علم الحديث اصطلاحًا وجرحًا وتعديلًا ؛ الحديث في الغالب يُحكم عليه بالوضع من حيث إسناده ؛ فإذا كان فيه رجل كذَّاب وضَّاع قيل : هذا حديث موضوع ، ولو كان معناه جميلًا ، وعلى العكس من ذلك ؛ يُقال في بعض الأحاديث التي أسانيدها لا تنزل بها إلى مرتبة الوضع كما جاء في السؤال وإنما يبقى الحديث في مرتبة الضعف ؛ لأن السند ليس فيه ما يُحكم أو ما يقتضي أن يُحكم على الحديث بالوضع ، فيه رجل ضعيف ، فيه رجل له مناكير ، وهذا وذاك يلزم منه أن يكون الحديث موضوعًا =

-- وعليكم السلام --

= لكن بعض الحفَّاظ النُّقَّاد في كثير من الأحيان ينظرون الى متن الحديث تلاوة عن نظرهم إلى سند الحديث ؛ في هذه الحالة يبدو لهم أنَّ متن الحديث موضوع ، فيقول : هذا حديث موضوع ، لا يعني أن إسناده موضوع كما جاء في السؤال ، السائل يُوهم هذه القضية وليس كذلك ، فابن تيمية إذا حكم أحيانًا على حديث إسناده ضعيف إنه موضوع ؛ فإنما يعني ذلك من حيث المتن وليس من حيث السند ؛ مثلًا حديث : ( من وسَّع على عياله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر سنته ) ، هذا الحديث في الحقيقة لا يمكن الحكم عليه بالوضع من حيث إسناده ؛ لأنُّو ما في إسناده كذَّاب أو وضَّاع ، لكن ابن تيمية وغيره حكموا عليه بأنه موضوع ؛ لأنهم نظروا في الأحاديث التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في فضل هذا اليوم بخاصَّة وهي صحيحة ؛ لم يجد في تلك الأحاديث الصحيحة ذكرًا لفضيلة التوسعة على العيال يوم عاشوراء ، إنه يلاحظ أنه قد وقع في التاريخ السابق أن الحسين - رضي الله عنه - قُتل يوم عاشوراء ، ولم يكن معروفًا قبل ذلك أنه من السنة - المستحبَّة على الأقل - أن يوسِّع الرجل على عياله يوم عاشوراء ، ومعروف من تاريخ بعض غلاة بني أمية أنهم كانوا يتظاهرون بالعداء الشَّديد لأهل البيت ، وعلى رأسهم علي بن أبي طالب ، فيذهب ابن تيمية - رحمه الله - أن هذا الحديث من وَضْعِ الناصبة ؛ أي : الذين كانوا يبغضون عليًّا ، فيقول : هذا الحديث باطل ، أو يقول : هذا حديث موضوع ، فيُشكل على بعض القاصرين في نظرهم ينظر في السند فلا يجد فيه ما يقتضي الحكم على الحديث بالوَضْعِ وهو صادق ، لكنَّه لم ينظر إلى وجهة نظر ابن تيمية في حكمه على هذا الحديث بالوضع ، وهو أنه نظر إلى معنى الحديث ولم يقف فقط عند إسناده الضعيف .

وحينئذٍ هذا البحث وهذا التفصيل ينقلنا إلى نوع من الأحاديث التي تُعتبر من أقسام الأحاديث الضعيفة ، الحديث الشَّاذ وهو ما رواه الثقة مخالفًا فيه مَن هو أوثق منه أو ... منه .

نعم ؟

الشاهد : فما حكم هذه الزيادة الشَّاذة ؟ يا تُرى يمكن أن يقال فيها موضوعة ؟ الجواب : إذا كانت الزيادة في ذاتها مُنكرةً من ناحية الشرع يمكن من هذه الزاوية أن يُقال : إن هذه الزيادة موضوعة ، لكن السند لا يعطينا هذا الحكم ، إنما يعطينا أنها ضعيفة ، وهذا مرتبة الحديث الشَّاذ على القاعدة أن الحديث الشاذ ضعيف ، لكن إذا كانت الزيادة مُستنكرة من ناحية الشرع ؛ فيمكن أن يُقال حين ذاك أن هذه الزيادة التي هي ضعيفة من حيث النظر في السند موضوعة من حيث النظر في المتن .

مثلًا - هذا المثال من عندي - : وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - كما رواه الشيخان في " صحيحيهما " من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( يدخل الجنَّة من أمَّتي سبعون ألفًا بغير حساب ولا عذاب ، وجوههم كالقمر ليلة البدر ) ، ثم قال - عليه السلام - في قصَّة لسنا الآن بحاجة لذكرها بتمامها قال : ( هم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيَّرون ، وعلى ربهم يتوكلون ) ، زاد مسلم في رواية دون صاحبه القاضي ... قال : ( هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ) ، لكن هذه الزيادة ( يرقون ) قال : هذه الزيادة شاذَّة ، والبحث في هذا طويل ، ولسنا بحاجة ، وقد نصَّ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ببحث هذه الزيادة ، يعني زيادة الإسناد ، لكنَّنا حينما ننظر إليها من حيث معناها نجدها منكرةً أشدَّ الإنكار ؛ لأنها تُخالف أحاديث أخرى صحيحة ، إضافةً إلى مُخالفتها للثقات الذين رووا الحديث دونها .

من ذلك - مثلًا - من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما سُئل عن الرقى ؟ : ( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ) ؛ من استطاع منكم أن يرقي أخاه فليفعل ؛ إذًا كيف يقول أنه لا ينبغي أن يرقي المسلم أحدًا من المرضى حتى يكون من صفات السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب إلى آخر الحديث ، هذا وجهٌ من وجوه نكارة هذه الزيادة ، بل وبطلانها ، ويؤكِّد ذلك ما جاء في " صحيح البخاري " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يرقي الحسن والحسين من العين ، ويقول : ( أُعيذكما بكلمات الله التامة من كلِّ شيطان وهامَّة ، ومن كل عين لامَّة ) ؛ إذًا رسول الله سيِّد البشر رقى ، كيف يصح أن يقول : ( هم الذين لا يرقون ) ، ورسول الله رقى ؟ كيف يصح أن يقول : ( هم الذين لا يرقون ) وحضَّ الناس جميعًا على أن يرقوا غيرهم ؟ إذًا هذه الزيادة باطلة ؛ مع أنُّو ما في الإسناد مُتَّهم بالكذب ولا بالوضع ، إذا عرفتم هذه الحقيقة هانَ أمر الظاهرة التي أشار إليها السائل في أن ابن تيمية يُخالف في كثير من الأحيان المعروف عند علماء الحديث ؛ أنَّ حديثًا ما إسناده ضعيف ، فيقول هو : حديث باطل ، إنما يعني ذلك من حيث السند ، لكني أقول : قد يكون ابن تيمية في بعض الأحيان قد أبعد النَّجعة حينما حَكَمَ على الحديث بالوضع من حيث متنه ، وهنا يُعتبر ابن تيمية أحيانًا من المتشدِّدين في الحكم على بعض الأحاديث بالوضع كابن الجوزي ، لكن إذا عرفتم مأخذه في ذلك وأنه لا يعني نظرته للسند حتى يُقال خالف العلم الذين اختصروا على قضية إسناد هذا الحديث ، كلُّ ما في الأمر أنُّو هو نظر من زاوية أخرى ، وقد يصيب وقد يخطئ ، هذه هي الحقيقة .

نعم .
  • رحلة النور - شريط : 81
  • توقيت الفهرسة : 00:36:53
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة