عندما يذكر ابن المنذر الإجماع على مسألة هل يقصد الإجماع العام أم شيء آخر كإجماع الشافعية مثلًا ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
عندما يذكر ابن المنذر الإجماع على مسألة هل يقصد الإجماع العام أم شيء آخر كإجماع الشافعية مثلًا ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الوالد - حفظكم الله - ، عندما يذكر ابن المنذر الإجماع على مسألة هل يقصد الإجماع العام أم شيء آخر كإجماع الشافعية مثلًا ؟

الشيخ : لا ، واضح جدًّا أنه يعني إجماع العلماء ، وليس إجماع مذهب واحد كالشافعية على اعتباره هو أنَّه كان منهم ، ولكن الذي ينبغي أن يُلاحظ هنا في مثل هذه الإجماعات المنقولة إنما هي من موارد النِّزاع ، فإن قول القائل : أجمعوا على كذا ؛ فهذا في حدود ما اطَّلع هو عليه ، فكثيرًا ما يكون هناك من خالف الإجماع المنقول ، فيكون منقوضًا بمثل تلك المخالفة ، ومن اطَّلع على كتاب " مراتب الإجماع " لأبي محمد ابن حزم وتعليق شيخ الإسلام ابن تيمية عليه يجد كثيرًا من الإجماعات التي ادَّعاها ابن حزم منقوضة بتعقُّب شيخ الإسلام ابن تيمية عليه ؛ مع ملاحظة شيء هام جدًّا ؛ ألا وهو أن ابن حزم من العلماء القليلين جدًّا مما لا يتوسَّع في ادِّعاء الاجماع في بعض المسائل ، وهو كثيرًا ما ينقل حينما يبحث بعض المسائل الفقهية في كتابه " المحلَّى " كثيرًا ما ينقل دعوى بعض العلماء على إجماعهم على ما ذهب إليه البعض ؛ فتراه يُسارع إلى إبطال ذلك الإجماع بالنقل عن بعض التابعين أو مَن دونهم ، وبإسناده الصحيح ؛ أنهم قالوا بخلاف ذلك الإجماع .

والأحسن في مثل هذه الدَّعاوى أن يُقال : اتَّفق العلماء ، ولا يقال : أجمعوا ؛ لأن الاجماع صعب جدًّا نقله والتحقُّق من ثبوته ، أما الاتفاق فيعني أن الذين بلغ المدَّعي الاتفاق قولهم في المسألة فوافَقَت واتَّفقت أقوالهم ؛ فحينئذٍ يكون مَن قال : اتَّفقوا أقرب إلى الصواب ممن قال في مثل ذلك الاتفاق : أجمعوا .

وختامًا أقول : من روائع كلمات الإمام أحمد - رحمه الله - ، والتي تُروى عنه بالسند الصحيح ما رواه ابنه عبد الله في " مسائله عن أبيه " أنه قال : " من ادَّعى الإجماع فقد كذب ، وما يدريه لعلهم اختلفوا ؟! " هذه هي الحقيقة فيما يُنقل في الكتاب المذكور آنفًا لابن المنذر أن كثيرًا من الإجماعات التي فيه ينقضها من جاء بعده ؛ لأنه أحاط علمه بمن لا يُحِطْ علم ابن المنذر ، ولهذا فالإجماع الذي لا يُمكن إنكاره هو ما يعبِّر عنه ابن حزم - رحمه الله - نفسه حينما تكلَّم عن الإجماع في كتابه " الإحكام في أصول الأحكام " ؛ ذكر هناك أن لا إجماع إلا ما يُساوي ما هو معلوم من الدين للضرورة ؛ وذلك يعني أن المسلمين كافَّة علماؤهم ومَن دونهم يكونون متَّفقين على شيء ما تحليلًا أو تحريمًا ، فهذا هو الإجماع المعلوم من الدين بالضرورة ، ومثله - أعني مثل هذا الإجماع - هو الذي جنح إليه الإمام الشافعي في كتابه المعروف بـ " الرسالة " أو في غيره حين استدلَّ على صحته بقوله - تبارك وتعالى - : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )) .

والشاهد في هذه الآية حقُّ الله - تبارك وتعالى - قوله - عز وجل - : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) على قوله في أول هذه الآية : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ )) ، قال - تعالى - : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ، لم يقل : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرًا " ، وإنما ذكر بين الجملتين قوله - عز وجل - : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ؛ لأن سبيل المؤمنين هذا هو الإجماع الذي ينبغي على كلِّ مسلم يريد أن يكون من الفرقة الناجية التي وَصَفَها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث المعروف الذي يقول في آخره : ( وستفترق أمَّتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلُّها في النار إلا واحدة ) . قالوا : مَن هِيَ يا رسول الله ؟ ، قال : ( هي الجماعة ) . الجماعة هم الصحابة كما في رواية أخرى في السنن " سنن النسائي " وغيرها ، فهذه الجماعة هي سبيل المؤمنين ، فمن خالفهم فقد شاقَّ الله ورسوله ، وهكذا ، فالآية أفادت هنا إشارة قوية إلى الإجماع الذي مَن خالفه خرج عن جماعة المسلمين ، وضلَّ ضلالًا بعيدًا .

نعم .
  • رحلة النور - شريط : 70
  • توقيت الفهرسة : 00:22:48
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة