حكم استخدام بطاقات الاعتماد . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
حكم استخدام بطاقات الاعتماد .
A-
A=
A+
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيِّدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

فضيلة الشيخ - حفظك الله - ، يقول السائل : ما حكم استخدام بطاقات الاعتماد مثل ... ، والتي تصدر من قبل مؤسَّسات مالية مقابل دفع أجور سنوية ثابتة على البطاقة حوالي 120 دولار سنويًّا ، وهذه البطاقة تخوِّل حاملها من شراء حاجياته دون دفع مبلغ ، ثم بعد ذلك تُرسل له الفواتير كما هي حسب قيمة الشراء الفعلية ؛ فما حكم التعامل بمثل هذه البطاقات ، أرجو التوضيح ، وجزاك الله خيرًا ؟

الشيخ : إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله . (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ، (( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) . أما بعد :

فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمَّد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :

فإنَّ الله - تبارك وتعالى - يقول في كتابه الكريم : (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) ، ويقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( لعن الله آكل الربا ، وموكله ، وكاتبه ، وشاهديه ) ، فكثير من الأحكام الشرعية منوطة ومربوطة بهذا المبدأ الذي أسَّسه ربنا - عز وجل - في الآية السابقة ، وفصَّل شيئًا منها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الذي ذكرته آنفًا ، فهناك أحاديث أخرى تدندن حول هذا البيان لهذه الآية الكريمة ، كحديث لعنه - صلى الله عليه وآله وسلم - للخمرة عشرة ، وعدَّهم - عليه الصلاة والسلام - ، وذكر في أول القائمة : شاربها ، وذكر ساقيها ومستقيها وحاملها والمحمولة إليه ، وغير ذلك ممن كلُّهم يجتمعون على التعاون على المنكر ، واذا عرفتم وتذكَّرتم هذه الحقيقة من تلك الآية الكريمة ومن الأحاديث النبوية حين ذاك تعلمون أنَّ القاعدة أنه لا يجوز التعاون على المنكر ، وإنما على البرِّ والتقوى .

وإذ الأمر هكذا فالبطاقة التي ذكرتموها آنفًا لها حالتان اثنتان : إما أن تكون من باب التعاون على الخير ، وتيسير أعمال الناس ، وقضاء مصالحهم دون ربا ممَّا يسمُّونه اليوم فائدة ؛ أي دون فائدة مادية وهي الربا بعينها ، إما أن تكون هذه البطاقات لا يُقابها شيء من الربا ؛ فحين ذاك لا نرى فيها شيئًا منكرًا ، وإنما هي تكون على الأصل ، والأصل في المعاملات الإباحة ، كما كان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كان يقول كلمتين هامتين جدًّا : " الأصل في التعبديَّات المنع ، والأصل في العاديات الاباحة " ، الأصل في العبادات المنع إلا بدليل ، فمن أراد أن يتعبَّد الله فلا بدَّ له من دليل ، وعلى العكس من ذلك ؛ فالأصل في العادات الإباحة إلا بدليل .

وهذا التعامل بهذه البطاقة لا يخفى على أحد أنها ليست من العبادات ، وإنما هي من المعاملات ، وعلى ذلك فإن لم يوجد في الشرع ما يمنع من التعامل بها فهي مباحة ، وإلا نُظِرَ إلى ما قد يكون فيها من مخالفة للشرع ، وقد أُتيح لي أن أتباحَثَ مع بعض الإخوان الذين ابتُلوا أو اقتضتهم أسفارهم وتجاراتهم أن يتعاملوا بهذه البطاقة ، وأن يشتروا بها فوائد تبلغ أثمانها الألوف المؤلَّفة ، إن لم نقل الملايين المملينة ، ففهمت منه بأن الأسعار التي تُباع بهذه البطاقة ليست هي الأسعار التي يدفعها كلُّ شارٍ ، وإنما يُضاف عليها نسبة معيَّنة هي التي يحصِّلها البنك مصدر هذه البطاقة يحصِّلها مقابل تيسيره لمثل هذه المعاملات ، فإن كانت هذه الفائدة ليست هي كالفوائد التي تأخذها البنوك الربوية مقابل القرض ، وإنما هذه الفوائد أو الزيادات على ثمن البطاقة الحقيقي إنما هي إجراء أو أجرة إجراء معاملات فهي جائزة ، وان كانت من طريق الرِّبا التي تُؤخذ مقابل القرض ؛ فحينئذٍ يقال : " كلُّ قرضٍ جرَّ نفعًا مشروطًا سلفًا فهو ربا " ، وعلى ذلك أنا شخصيًّا لا أستطيع أن أبتَّ في واقع هذه الزيادة إن صحَّ ما سمعته ؛ هل هي ربا أم هي أجر على هذه المعاملة ؛ فإن كان الأمر الأول فهو حرام واضح ؛ لأنه يُقابل باسم الربا ، وان كان مقابل تيسير معاملات وإجراء معاملات لها وقت ولها قيمة ؛ فهي مباحة ، والله أعلم .
  • رحلة النور - شريط : 70
  • توقيت الفهرسة : 00:08:21
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة