ما حكم الصلاة خلف بعض الأئمَّة الذين تقع منهم أعمال شركيَّة ، كسؤال الله بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما شابه ذلك ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم الصلاة خلف بعض الأئمَّة الذين تقع منهم أعمال شركيَّة ، كسؤال الله بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما شابه ذلك ؟
A-
A=
A+
سؤال : فضيلة الوالد - حفظكم الله - ، ما حكم الصلاة خلف بعض الأئمَّة الذين تقع منهم أعمال شركيَّة ، كسؤال الله بجاه النبيِّ ، وما شابه ذلك ، وجزاكم الله خيرًا ؟

الشيخ : تكلَّمنا عن هذه المسألة في بعض المجالس ، ولا أدري الآن الوقت قارَبَ التاسعة فيكفينا الخمس دقائق نتكلَّم فيها حول هذا السؤال .

أولًا : لا يجوز المبادرة إلى تكفير بعض أهل البدع لمجرَّد وقوعهم في شيء منها قبل أن تُقامَ حجَّة العلماء عليهم ؛ لما عُرِف من قواعد الشريعة أن الكفار كفرًا بواحًا لا نحكم لهم بنارٍ إلا بعد أن تقوم حجَّة الله عليهم ، كما في قوله - تعالى - : (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا )) ، وكما في قوله - عليه الصلاة والسلام - كما رواه الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( ما من رجلٍ من هذه الأمَّة من يهوديٍّ أو نصرانيٍّ يسمع بي ، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار ) ؛ فإذًا : الذي يدخل النار هو الذي تبلغه الحجَّة برسالة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم لا يُؤمن بها ، على هذا علماء المسلمين قاطبة ، ولذلك فالسلف الصالح في عقائدهم التي وَرِثَها الخلف عنهم يقولون بصحة الصلاة وراء كلِّ برٍّ وفاجر ، وبالصلاة على الميِّت سواء كان برًّا أو كان فاجرًا ، ولا يكفِّرون مَن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله إلا بعد أن تقوم أو تُقامَ حجَّة الله عليه ، إذا عرفنا هذه الحقيقة ، ورأينا بعض الطوائف الإسلامية قد وقعوا في بدع شركيَّة محضة لا مجال لأن تُفسَّر بغير الشرك ؛ فلا يجوز المبادرة إلى التكفير إلا بعد إقامة الحجة ، وأنا أعتقد أن الحجَّة بالنسبة لكثير من الناس وبخاصَّة منهم الأعاجم الذين لا يفقهون اللغة العربية ، وبخاصَّة منهم الذين لم يسبق أن هُدُوا هم أو آباؤهم إلى الإسلام ؛ كالأوروبيين والأمريكيين ونحوهم ؛ فهؤلاء ليس من السَّهل أن يُقال : قد أُقيمت حجَّة الله عليهم ، فهذا هو كلام الله يُتلى عليهم ليلًا نهارًا .

أنتم تعلمون أن كثيرًا من العرب المسلمين لا يفهمون كلامَ ربِّ العالمين ؛ فكيف نظنُّ بالأعاجم الكفار ؟ أما هم فهموا القرآن وقامت حجَّة الله عليهم ، هذا أولًا . وثانيًا : أن بعض البدع ليست شركًا ، وإنما يُمكن اعتبارها خطأً أو ضلالًا أو بدعة ؛ لأن الشرك أمر عظيم كما قال ربُّنا في القرآن الكريم : (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) ، والمثال السابق الوارد في السؤال وهو : يتوسَّلون بجاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ هذا بلا شك خطأ مخالف للسنة ، وهذا له بحث طويل ، وقد جاوز ... .

... بالمخلوق كما كنا نسمع هذا كثيرًا في بلادنا السورية ، ولنا مجادلات ومناقشات مع بعض المبتدعة الضالة ، فكان أحدهم يعالج القضية بعقله الأعرج المنحرف ، فيقول أنُّو : الإنسان إذا كان له حاجة عند أمير أو وزير ، هل يأتيه ويطلب منه حاجته أن يقضيها أم يُدخل بينه وبين ذلك الأمير واسطة ؟ فكنا نقول لهم : إي نعم ، لا بد من واسطة ، لكن إيش رأيك الأمير الذي ليس بحاجة لواسطة ، ويقبل ويفتح بابه لكلِّ الناس أن يخاطبوه وجهًا لوجه ، وألَّا يُدخلوا واسطة بينه وبينهم ؛ هل هذا أفضل عندك أم الأمير الذي لا بدَّ من واسطة ؟

يفكِّر قليلًا المسكين ويتَّبع لضلاله على تردُّد ، لكن لا يسعه أن يقول خاصة حينما أُذَكِّره بعمر بن الخطاب الذي أطلق عليه بعض المعاصرين وكذبَ : إنه أول ديمقراطي في الإسلام ! وهم يعنون بالديمقراطية - كما تعرفون - العدالة ، عمر بن الخطاب هو أول ديمقراطي بزعمهم ، أما أبو بكر وأما الرسول الذي ربَّاهم فلم يكن أول ديمقراطي في حدِّ تعبيره . الشاهد : فحينما نُذَكِّر هؤلاء الضالين بأن عمر بن الخطاب كان يأتيه البدوي ويقول له : يا عمر ، حاجتي كذا وكذا ؛ ماذا ترى ؟ هذا أفضل وإلا هذا الأمير الذي ضربتَ به المثل ؟ فلا يسعه إلا أن يقول : إن عمر أفضل ، فنقول لهم : يا مساكين ، يا ويلَكم ! لقد شبَّهتم ربَّ العالمين بالأمراء الضَّالين ، وأبيتم أن تشبِّهوه بعمر العادل الحكيم ، ولو أنكم شبَّهتموه لَكنتُم في ضلال مبين ؛ لأن الله يقول (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) ، فكيف وأبيتم أن تشبِّهوه بعمر وشبَّهتموه بالضلالة ؟ أَلَا يكفيكم هذا تنبيهًا في ضلالكم في توسُّلكم إلى الله بالنبيِّ - عليه الصلاة والسلام - ؛ فضلًا عن توسُّلكم بِمَن دونه مقامًا ومنزلًة ؟ فيُسقط في أيديهم كما يقال .

هذا النوع لا شك فيه أنه شرك أكبر ، لكن هناك نوع من التوسُّل ليس من هذا القبيل إطلاقًا ، فقد جاء عن بعض المعروفين بتمسُّكهم بالكتاب والسنة أنهم جوَّزوا التوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقط دون كلِّ الأنبياء ، دون كلِّ المخلوقات ، تمسَّكوا بحديث الضرير ، منهم العز بن عبد السلام ، منهم الإمام الشوكاني الذي خالف مذهبَه مذهب الزيدية وارتمى إلى الكتاب والسنة ، ولم يرضَ بديلهما شيئًا آخر ، بل قد روي عن الإمام أحمد إمام السنة أنه قال بالتوسُّل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقوفًا منه عند حديث أو ظاهر حديث الضرير ؛ فهل نقول في هذا النوع الثاني ممَّن أجاز التوسل وإن كنَّا لا ندين الله به أنهم ... الشرك أو وقعوا فيه ؟ الجواب : لا ، إذًا : التوسُّل بالمخلوقات له حالتان : من توسَّل مشبِّهًا الخالق بالمخلوق فهو الكفر بعينه ، ومن توسَّل ظانًّا منه أن هذا عليه دليل هو حديث الأعمى ؛ فيخطَّأ ولا يُضلَّل ، فكيف يُكفَّر ؟!

نسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا هادين مهتدين ، غير ضالِّين ولا مفتونين . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
  • رحلة النور - شريط : 57
  • توقيت الفهرسة : 00:40:25
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة