ما هو المفهوم الصحيح لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ليصلِّ الرجل في المسجد الذي يليه ولا يتتبَّع المساجد ) ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما هو المفهوم الصحيح لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ليصلِّ الرجل في المسجد الذي يليه ولا يتتبَّع المساجد ) ؟
A-
A=
A+
السائل : يقول السائل : ما هو المفهوم الصحيح لحديث النبي - عليه السلام - : ( ليصلِّ الرجل في المسجد الذي يليه ولا يتَّبع المساجد - أو لا يتتبَّع المساجد ) ؟

الشيخ : يعني لا داعي للمبالغة بتقصُّد المساجد البعيدة من أجل تكثير الأجور لكثرة الخُطى ؛ فإن الإسلام كما جاء في بعض الأحاديث عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : ( أنا وأمَّتي براء من التكلُّف ) ؛ فمن كان يسكن في دار بجانب مسجد فلا يُؤثر الصلاة في مسجد بعيد عنه من أجل إكثار الخطى إلى ذلك المسجد البعيد ؛ فإن هذا من التكلُّف الذي لا يسمح به الشارع الحكيم ، مثل هذا تمامًا إذا كان رجل باستطاعته أن يحجَّ إلى بيت الله الحرام راكبًا ؛ ومع ذلك فهو يقول : أنا أريد أن أحجَّ ماشيًا ؛ لماذا ؟ لأن الأجر على قدر النَّصَب والتعب والمشقَّة ، فيقال له هذا تكلُّف بارد قد يسَّر الله لك وسيلة ركوب ؛ فلا تحمِّل نفسك المشقَّة بدعوى المبالغة بالأجر ؛ لأن هذا لو كان خيرًا لَمَا حجَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - راكبًا على ناقته ، ولَحَجَّ ماشيًا على قدميه وهو أعبد الناس ، حتى قيل له لما قام الليل إلى أن تفطَّرت قدماه ، قيل له : قد غفر الله لك يا رسول الله ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر ! كأنهم يقولون : لماذا تُتعب نفسك وقد غفر الله لك ؟ كان جوابه كما ... .

... كما يتوهَّم بعض الناس ، وكما جاء في الأحاديث التي لا تصح لَكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حجَّ ماشيًا ، لكن الواقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حجَّ راكبًا ؛ فعلى ذلك من لم يتيسَّر له الحج راكبًا ويستطيع أن يحجَّ ماشيًا يجب عليه الحج ، ويكون أجره أكثر من أجر الراكب ، ولكن العكس ليس كذلك كما ذكرنا آنفًا ؛ من استطاع الحجَّ راكبًا ، ثم تكلَّف الحج ماشيًا حرصًا منه على زيادة الأجر لا زيادة له ؛ لأنه متكلِّف ، أما الذي لا يجد مركوبًا يركبه فحجَّ على قدميه ؛ فحجُّه - والحالة هذه - أفضل من حجِّ الراكب ؛ لأن الثواب على قدر المشقة كما قال - عليه الصلاة والسلام - للسيدة عائشة - رضي الله تعالى عنها - بقصَّة حجرها وهي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ؛ حيث كانت قد نوت التمتُّع بالعمرة إلى الحج ، فلما نزل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قريبًا من مكة في مكان يعرف بسَرِف ، دخل عليها فوجدها تبكي ، قال لها : ( ما لك ؟ هل نفست ؟ ) قالت : نعم ، يا رسول الله . قال : ( إن هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدم ؛ فاصنعي ما يصنع الحاجُّ غير ألَّا تطوفي ولا تصلي ) ، فجاءت المناسك كلها ولم تدخل الكعبة المسجد الحرام لتطوفَ حول الكعبة ؛ لأن الرسول نهاها ، قال : ( اصنعي ما يصنع الحاج غير ألَّا تطوفي ولا تصلي ) ، فأتت المناسك كلها وطهرت وهي في عرفات . ثم أتمت المناسك ، وطافت طواف الإفاضة ، ولما أعلن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الرجوع بأصحابه إلى المدينة دخل عليها وهي في خيمتها فوجدها - أيضًا - تبكي ، قال : ( ما لك ؟ ) . قالت : ما لي ؟ يعود الناس بحجٍّ وعمرة وأعود بحجٍّ دون عمرة ؟!! فقال لها - عليه الصلاة والسلام - : ( اذهبي إلى التنعيم ) ، وأمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أن يردفها خلفه على الناقة ، وقال لها : ( إنما أجرك ) - هنا الشاهد - ( على قدر نصبك ) .

هنا الآن بينما كانت ما بينها المسجد الذي هو سَرِف ودخول مكة إلا مسافة قريبة ، فتؤدِّي طواف القدوم وتتحلَّل ؛ فهذا هو العمرة ، لكن حالَ بينها وبين إتمام العمرة بين يدي الحج أنها حاضت ، عوَّضها الرسول - عليه السلام - بما سمعتم أن أمرها أن تخرجَ إلى التنعيم ، وقال لها في هذه الحالة : ( إنما أجرك على قدر نصبك ) .

فإذا فُرِضَ على الإنسان قدرًا لا يملك التصرف فيه مشقَّة ما فيؤجر على ذلك ، أما أن يتكلَّف الإنسان المشقة بحجة أن الثواب على قدر المشقة ؛ فهذا خطأ في فهم الشريعة ، لذلك من كان بجوار مسجد فلا يتقصَّد الذهاب إلى المسجد البعيد بحجَّة أن خُطى أكثر والأجر أكثر ، صحيح إذا كان المسجد بعيدًا عنه ، أما إذا كان المسجد قريبًا فلا ينبغي له أن يتكلَّف بذلك التكلُّف ، كثير من الناس لا يفرِّقون بين هذا وهذا ، والتفريق هو الفقه ، يغترُّون بمثل ما جاء في " صحيح مسلم " أن بعض الأنصار كانوا في منازل بعيدة عن المسجد النبوي ، فأرادوا الاقتراب من المسجد ليكونوا قريبين منه ، فلما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم : ( ديارَكم تكتَبْ آثاركم ) ، دياركم ؛ أي : الزموا دياركم تُكتَبْ آثاركم ، كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أنَّ في كل خطوة كتب حسنة ، ورفع درجة ، ومحو سيئة ، لكن هذا يجب أن يقيَّد بعدم التكلف ، فمن كان بعيدًا عن المسجد فعزاؤه هذا الأجر كبير ، أما من كان قريبًا من المسجد فلا يجوز له أن يتكلَّف ، هذا هو العدل في هذه المسألة .

نعم .
  • رحلة النور - شريط : 48
  • توقيت الفهرسة : 00:42:14
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة