ما حكم نتف شعر اليدين والساقين بالنسبة للنساء ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم نتف شعر اليدين والساقين بالنسبة للنساء ؟
A-
A=
A+
السائل : ما حكم نتف الشعر لليدين والسَّاقين بالنسبة للنساء ؟

الشيخ : هذه مشكلة العصر الحاضر ، الأصل في هذه المسألة آية وحديث صحيح ، أما الآية فما حكاه ربنا - تبارك وتعالى - في قصة إبليس وطرد الله إيَّاه من رحمته إلى يوم الدين بسبب وسوسته لأبينا آدم - عليه السلام - ؛ حكى عن إبليس أنه قال انتقامًا من آدم وذريته : (( وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ )) ، في هذه الآية الكريمة تصريح أن من أعمال إبليس الرَّجيم أن يُوحي إلى عدوه الانسان أن يغيِّر خلق الله ، فتغيير خلق الله إنما هو إطاعة للشيطان ومعصية للرحمن ، هذه الآية نصٌّ صريح في هذه القضية ، ولذلك نقول حتى يكون الموضوع أو تكون المسألة واضحة في الأذهان : كل تغيير لخلق الله بغير إذنٍ من الشرع فهو إطاعة للشيطان وتنفيذ وعيده ومعصية للرحمن ، وتأكَّد هذا في الحديث الذي أشرت إليه ؛ ألا وهو ما جاء في " الصحيحين " من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( لَعَنَ اللَّهُ النَّامصات والمتنمِّصات ، والوَاشِمَاتِ وَالمستوشِمَاتِ ، وَالفالجاتِ الْمُغَيِّرَاتِ لخَلْق اللَّهِ للحُسن ) ، في رواية جملة أخرى وهي قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( والواصلات والمستوصلات ) ، ( لعن الله النَّامصات والمتنمِّصات ، والوَاشِمَاتِ وَالمستوشِمَاتِ ، والواصلات والمستوصلات ، وَالفالجاتِ ) .

اللَّعن انصبَّ في هذا الحديث على هذه الأنواع ، في آخره جملة هامَّة جدًّا كأنها جواب لسؤال قد يرد في بعض الأذهان ، فيقول البعض : لماذا هذا التشديد وهذا الوعيد في أمر سهل كالأخذ لبعض الشعر في الوجه أو في أيِّ مكان من البدن لم يأذن به الله - تبارك وتعالى - ؟ جاء الجواب في آخر الحديث : ( المغيِّرات لخلق الله للحُسن ) ، فخرج بهذه الجملة التي يمكن أن نسمِّيَها بالجملة التعليلية ، خرج بها أن شيئًا من هذا التغيير لو وقعَ للمسلم أو للمسلمة في بدنه للمعالجة وليس للتجمُّل والحُسْنِ فلا بأس عليه في ذلك ؛ لأنه لم يفعل ولم يرتكب هذا التغيير ( للحُسن ) كما قال - عليه الصلاة والسلام - في آخر الحديث ، وإنما هو للتداوي وللمعالجة .

إذا عرفنا هذه الجملة عُدْنا إلى تفصيل القول إلى مفردات هذه الجمل :

أولها : ( النامصات ) ، النَّمص في اللغة فيما علمت من كتب اللغة كـ " القاموس المحيط " للفيروز آبادي وغيره هو النَّمص على وزن النَّتف وزنًا ومعنًى ، النَّمص النَّتف هما بمعنى واحد ، فإذا كان الأمر كذلك وضمَمْنا إلى هذا المعنى العام لغةً التعليل المذكور في آخر الحديث : ( المغيِّرات لخلق الله للحُسن ) فحينئذٍ نعلم أن حصرَ معنى النَّتف في الحاجبين فقط فهو ينافي أولًا عموم معنى النَّمص ، كما ينافي عموم الجملة التعليلية في آخر الحديث : ( المغيِّرات لخلق الله للحُسن ) ، فإذا المرأة - مثلًا - لم يكن في حاجبيها غِلَظٌ ، فلم تحتج إلى نتفهما أو نتف بعض جوانبهما ، وإنما رأت أن على خدَّيها بعض الشعر فنتفَتْه ؛ فهذا يسمَّى نمصًا أولًا ؛ أي نتفًا ، ثم هو داخل في عموم قوله - عليه السلام - : ( المغيِّرات لخلق الله للحُسن ) ، فعلى ذلك فلا فرق بين نتفِ الحاجبين ونتف ما ينبت من الشعر على الخدَّين بالنسبة للنساء ؛ فضلًا عن الرجال ، وهذه النقطة لا بد من العَود إليها إن ساعدنا الوقت ، فنتف ما على الخدَّين من أجل التزيُّن والتجمُّل هو أولًا نتف ، وثانيًا داخل في سوء القصد الذي ذكرناه في الآية : (( وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ )) ، فهذا تغيير لخلق الله - تبارك وتعالى - ، ثم داخل في عموم قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( المغيِّرات لخلق الله للحُسن ) .

بعد هذا نمشي في تمام الحديث : ( النَّامصات والمتنمِّصات ) ، النامصة هي المزيِّنة ، والمتنمِّصة هي المفعول بها النَّمص ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كما هي عادته في كثير من الأحكام الشرعية من باب تحقيق : ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) لعنَ المرأة التي تنتفُ أختَها ، كما لعن الأختَ المنتوفة ؛ لأنهما تتعاونان على المنكر ؛ ألا وهو تغيير خلق الله - عز وجل - .

ثم قال - عليه الصلاة والسلام - : ( والوَاشِمَاتِ وَالمستوشِمَاتِ ) ، الوشم في اعتقادي أنه معروف عندكم ؛ وهو غرزُ الحبر الأزرق في مكان من البشرة ، فهنا يبدو تلاعبَ الشيطان ببني الإنسان في كل هذا التغيير ، يقول الله - تبارك وتعالى - : (( خلق الانسان )) في بشرة بيضاء ساذجة جميلة ، فلا يعجبه ، فيتصنَّع تشويهَ ما خلق الله بغرز الإبرة والحبر في البشرة ، وفي كثير من البلاد عندنا سوريا خاصة الفلاحين منهم تجد البشرة كلَّها يُغيَّر البياض بالحبر الأخضر هذا أو الأزرق ، ويتفنَّن بعضهم فيصوِّرون أسدًا حاملًا السيف ، جهالات وظلمات بعضها فوق بعض ، فلا جرم أن قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( والوَاشِمَاتِ وَالمستوشِمَاتِ ) ؛ لماذا ؟ تأتي جملة أخيرة : ( المغيِّرات لخلق الله للحُسن ) .

ثم قال في تلك الزيادة الأخرى : ( والواصلات والمستوصلات ) ، الواصلة هي كما قلنا المزيِّنة التي تصل شعر أختها بشعر غيرها ، والمُستوصلة هي التي تطلب أن يُفعل بها هذا الوصل ، - أيضًا - شرَّكَ الرسول - عليه السلام - الواصلة بالمستوصلة في الإثم ؛ لأنها تعاونا على تغيير خلق الله - تبارك وتعالى - ، وفي اعتقادي لو كان شيء من هذه الأشياء يجوز فعله لَكان وصل شعر المرأة الذي تساقط أقرب إلى الجواز منه إلى المنع ، ولكن لما جاء هذا الحديث وجاء تعليله بآخر الحديث : ( المغيِّرات لخلق الله للحُسن ) لم يجُزْ للمرأة أن تصل شعرها بشعر غيرها حتى لو كان تساقَطَ شعرها بعد أن كان مضربَ مثلٍ في جماله وتزيُّن المرأة به ، وقد وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنَّ امرأة تزوَّجت فتساقطَ شعرُ رأسها ، وجاءت أمُّها إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تستأذنه في أن تصل شعر ابنتها ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( لعن الله الواصلة والمستوصلة ) .

ومن هنا يبدو لنا أنه لا يجوز من باب أولى هذه البدعة التي عمَّت في كثير من بلاد الإسلام الرجال فضلًا عن النساء ؛ حيث أخذوا يستعملون قلنسوة الشعر المسمَّى بـ " الباروكة " ، لا شك أن هذا الاستعمال محرَّم من باب أولى ؛ لأنه تغيير لخلق الله - تبارك وتعالى - ، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنكر خصلات من شعر تُضيفها المرأة المسلمة إلى شعرها المتهافت جعل ذلك تغييرًا لخلق الله ؛ بل جعل تضخيم المرأة لشعرها أو لضفائرها بدكِّ أو لفِّ بعض الخرق في ذلك الشعر حتى يظهر كثيفًا وكثيرًا لم يجز الرسول ذلك ، بل سمَّاه بالزور ، وقد جاء في " صحيح مسلم " أن معاوية - رضي الله عنه - لما جاء المدينة وصعد منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فخطب الناس فقال : " أين أنتم معشر أهل المدينة أو علماء أهل المدينة ؟ وفي يده قبَّة من قماش تضعه النساء يومئذٍ وتلفُّه على شعرها ، فقد سمعت رسول الله - عليه السلام - يسمِّي هذا بالزور " .

وحقيقة إنه اسم على مسمَّى ؛ لأن المرأة التي تتَّخذ ذلك ... أي : من خرق أنكرها الرسول - عليه السلام - أشدَّ الإنكار ، وقال : ( لعن الله الواصلات والمستوصلات ) ، أفلا يُقال أن اتخاذ الباروكة هذه صاحبتها ملعونة من باب أولى ؛ وبخاصة بعد أن تفنَّنت النساء بشراء عدَّة باروكات ؛ ففي كلِّ يوم تظهر بمظهر في رأسها جديد تارةً بالشعر الأسود ، وتارةً بالشعر المذهَّب ، وتارةً بالشعر الذي لا أصل له في خلق الله ؛ حيث يكون مركَّبًا من ألوان شتَّى إلى آخره ؛ كل هذا وذاك تغيير لخلق الله من أجل ماذا ؟ للحُسن ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( لعن الله الواصلات والمستوصلات ) .

ثم قال : ( والفالجات ) ، هذا النوع من التغيير يظهر أنه كان قديمًا ، ولا أعلم أنه أُحيِيَتْ هذه المعصية من جديد ؛ تكون المرأة - وهذا من تلاعب الشيطان ببني الإنسان - تكون المرأة قد خلقها الله - تبارك وتعالى - بأسنان كاللؤلؤ المرصوص ما أجمل منه ؛ لأنه خلق الله : (( فأرُوني ماذا خلق الذين من دونه )) ، فلا يعجبها خلق الله ، كانت قديمًا تأخذ المبرد فتوسِّع ما بين السِّنِّ والسِّنِّ حتى يصبح السِّنُّ هكذا وكأنه نابُ كلب ، وهذا هو الذي يعجبها ، أما خلق الله فلا يعجبها ، فاستحقَّت هذه الأنواع لعنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ سواء من فُعل بها أو مَن فعل ذلك بها ، وبعلة (( المغيِّرات لخلق الله للحُسن )) .

لذلك أقول : أن ... المذكور في أول هذا الحديث يشمل كلَّ تغيير لخلق الله بدون إذن من الشارع ، وذلك بالنسبة للسؤال إذًا ؛ فإذا كان الله خلق للمرأة ذراعًا كله ممتلئ شعرًا ، أو ساقًا هي فيه مشعرانية ؛ فلا يجوز أن تغيِّر ذلك ؛ لأن الله - عز وجل - ما خلق شيئًا عبثًا (( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ )) ، ولعلكم تذكرون معي حديثًا رواه بعض أصحاب السنن أو المسانيد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى رجلًا قد أطال إزاره ، فناداه فقال : ( ارفَعْ إزارك ؛ فإنه أتقى وأنقى ) . فقال : يا رسول الله ، إني أحنف . والأحنف : هو المعوجُّ الساقين تعرفون هذا ، عادةً ربنا - عز وجل - خلق كل إنسان بساقين مستقيمتين ، أما ذاك الرجل فاعتذر لسبب إطالته لإزاره أنه يريد أن يسترَ هذا الاعوجاج الذي لا يملكه ؛ لأن الله خلقه كذلك ، فلما اعتذر للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بإطالته إزاره سترًا لاعوجاج ساقيه قال له - عليه الصلاة والسلام - - وهنا موضع الشاهد - : ( يا فلان ، كلُّ خلق الله حسن ) .

وهذه حقيقة غفلَ عنها عامة الناس مع الأسف ؛ مع الأسف الكثير حتى بعض أهل العلم ، نحن نرى في البشر الأبيض والأسود والأسمر والأصفر و و إلى آخره ؛ هل هذا خلق الله عبثًا ؟ حاشاه ، فإذا وجدنا رجلًا مشعرانيًّا أو امرأة مشعرانية فهذا خلق الله ، إذا وجدنا امرأة لها لحية - ونضربها كما يقولون في الشام : علَّاوية - ؛ امرأة لها لحية ؛ إيش الغرابة في ذلك ؟ ربنا - عز وجل - يريد أن يذكِّر الغافلين أنه كما قال في القرآن الكريم : (( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )) ، فخلق هذه الصور أشكالًا وألوانًا ، خلق الرجال وميَّزهم على النساء باللحى ، لكن قد يخلق رجلًا دون لحية ؛ تُرى هل كانت هذه كما يقول الطبائعيُّون أو الدهريُّون خلقة طبيعية أم كان أمرًا مقصودًا من الله - تبارك وتعالى - كما نعتقد نحن معشر المسلمين ؟ الأمر كذلك بلا شك ؛ لأن الناس عادةً إذا اعتادوا على شيء غفلوا عن حكمته وعن القدرة التي خلقته على هذا الشيء ، فربنا - عز وجل - يريد أن يذكِّر عباده بأن يخلق لهم أشياء ما اعتادوا عليها ، فيخلق رجلًا كوسَج لا لحية له ، ويخلق امرأة لها لحية ؛ تُرى أيجوز للرجل الكوسَج أن يتَّخذ لحيةً مستعارةً على طريقة اللوردات الإنجليز البريطانيين حيث من تقاليدهم الباطلة أنهم يحلقون لحاهم التي زيَّنهم الله - تبارك وتعالى - بها ، ثم إذا جاء وقت انعقاد البرلمان ... اتَّخذوا لحًى مستعارة ودخلوا بها برلمانهم ، هذا منتهى الحماقة والجهل ، فلا غرابة في ذلك؛ لأنه كما يقال ما بعد الكفر ذنب ، لكن لو أن رجلًا خلقه الله كوسَج كالمرأة ليس في ذقنه لحية ؛ هل يجوز له أن يتَّخذ لحيةً مستعارةً ويعيد صورة الرجل أمام الرجال ؟ الجواب : لا ، لماذا ؟ لأنه يغيِّر خلق الله ، وكذلك إذ أرانا الله - عز وجل - تغيير المُعتاد بين الرجال لهم لحى خلق رجلًا أو أكثر من رجل دون لحية كوسجًا كما قلنا آنفًا ؛ كذلك الله - تبارك وتعالى - بقدرته وحكمته يريد أن يُظهر للنساء أنه فعَّال لما يريد ، فها هو خلق امرأةً بلحية ، سبحان الله ! إي بصير ؟ صار ، هل هذا خلقكم أم خلق ربكم ؟ إذًا يجب كل مسلم أن يرضى بما خلقه الله عليه ، ولا يغيِّر شيئًا من خلقه إلا بإذن ربِّه ، ماذا تقولون لو أن رجلًا قال : ليتني كنت امرأة ، أو امرأة قالت : ليتني كنت رجلًا ؟ أليس هذا يريد أن يغيِّر سنة الله - عز وجل - في خلقه وهو القائل : (( سُنَّةَ اللَّهِ ... وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا )) ، (( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا )) ؟

وبهذا القدر كفاية .
  • رحلة النور - شريط : 41
  • توقيت الفهرسة : 00:30:10
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة