قال شيخ الإسلام في " الفتاوي " : ثبت عن الطحاوي حديث ابن عباس : " جمع - صلى الله عليه وسلم - من غير خوف ولا علَّة " ، وعن جابر ، لكن يُنظر في حال الأشناني هذا أحد الرواة ، وهو صدوق يَهِمُ ؛ فهل يكتب أن الحديث ثابت عن جابر ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
قال شيخ الإسلام في " الفتاوي " : ثبت عن الطحاوي حديث ابن عباس : " جمع - صلى الله عليه وسلم - من غير خوف ولا علَّة " ، وعن جابر ، لكن يُنظر في حال الأشناني هذا أحد الرواة ، وهو صدوق يَهِمُ ؛ فهل يكتب أن الحديث ثابت عن جابر ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الشيخ - حفظك الله - ، قال شيخ الإسلام في " الفتاوي " : ثبت عن الطحاوي حديث ابن عباس : جمع - صلى الله عليه وسلم - من غير خوف ولا علَّة ، وعن جابر ، لكن ينظر في حال الأشناني هذا أحد الرواة ، وهو صدوق يَهِمُ كما في التخريج ؛ هل يكتب أن الحديث ثابت عن جابر ، وجزاك الله خيرًا ؟

الشيخ : هذا الحديث من رواية جابر خاصَّة لا يحضرني الآن حال إسناده ، ولكن يُغنينا عنه ما أخرجه الإمام البخاري في " صحيحه " ، ويمكن أن يُعتبر هذا شاهدًا مُقوَّى بحديث جابر ، حتى لو فرضنا أن إسناده ضعيف ، حديث مسلم يرويه بإسناده الصحيح عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال : " جمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في المدينة بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ؛ بغير سفر ولا مطر " ، وفي رواية : " بغير سفر ولا خوف " ، قالوا : يا أبا العباس ، ماذا أراد من ذلك ؟ قال : " أراد ألا يحرجَ أمته " .

الحديث صريح الدلالة في أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جمع في المدينة وهو مقيم ، وأكد ذلك أنه بغير سفر ، وزاد : بغير مطر - أيضًا - ، وفي الرواية الأخرى : الخوف ، والجمع في المطر سنة معروفة ، ولذلك نفى أن يكون الجمع بسبب المطر الذي هو معروف كالسفر ؛ فإن الجمع فيه رخصة معروفة - أيضًا - ، فعجب بعض الحاضرين من خبره هذا ؛ لأن المعهود أن الجمع إنما يكون للمسافر فقط ؛ فكيف يروي ابن عباس - وهو صادق فيما يروى - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جمع في المدينة بغير عذر من الأعذار المسوِّغة للجمع وهنا يلتقي مع حديث جابر الذي فيه أنه جمع بغير علة ؛ فأجاب عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - عن الإشكال الذي ورد في ... بعض الحاضرين حين قالوا له : ماذا أراد بذلك ؟ قال : " أراد ألا يحرجَ أمته " ؛ أي : إنما جمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المدينة بدون عذر المطر ؛ فضلًا عن أنه كان مقيمًا غير مسافر ؛ ليسنَّ للناس المقيمين أنه يجوز لهم أن يجمعوا بين الصلاتين في حالة الإقامة ليس على الإطلاق كما يتوهَّم بعض الناس من هذا الحديث الذي فيه التصريح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جمع بغير عذر من الأعذار المعروفة ؛ ولذلك جاء السؤال : لماذا إذًا هو جمع ؟ قال : " لكي لا يحرج أمَّته " .

هذه الجملة التعليلية الصادرة من راوي الحديث يجب ألا تُهدر ، ويجب أن تبقى متمكِّنًا في بالنا حتى نفهمَ هذا الحكم فهمًا لا إفراط ولا تفريط ؛ أن الافراط والمبالغة فهو أن يترخَّص الإنسان وهو مقيم فيجمع من باب الرخصة فقط وليس من باب رفع الحرج ؛ هذا تضييع لواجب المحافظة على الأوقات كما قال - تعالى - : (( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا )) ، أما التفريط فهو إذاعة هذا الحكم فهو من الذين يقولون أن الجمع لا يجوز إلا في حالة السفر ، وهذا حديث صحيح ؛ قد جمع الرسول - عليه السلام - في حالة الإقامة ، لكن هذا الجمع ليس على الإطلاق وليس رخصة كما هو الشأن بالنسبة للمسافر ، وإنما لعلَّة رفع الحرج ؛ فكلُّ من تعرَّض للوقوع في الحرج إذا ما أراد أن يحافظ على أداء صلاة الظهر - مثلًا - في وقتها ، وصلاة العصر في وقتها ؛ فالحرج مرفوع بنصِّ القرآن الكريم ؛ حيث قال ربُّ العالمين : (( وما جعل عليكم في الدين من حرج )) ، فحينما توجد هذه العلة فهناك جواز الجمع بين الصلاتين للمقيم ، أما ليس هناك حرج وإنما هو التشهي والترخُّص كما هو الشأن في السفر هذا لا يجوز في حالة الإقامة ؛ إذًا هذا الحديث يعطينا أن الجمع في حالة الإقامة تارةً يجوز وتارةً لا يجوز ، الوقت الذي يجوز فيه هو لرفع الحرج ، والوقت الذي لا يجوز فيه هذا الجمع فهو إذا لم يكن هناك حرجٌ في المحافظة على الصلوات في أوقاتها .

نعم .

سائل آخر : فضيلة الشيخ - حفظكم الله - .

السائل : نريد أمثلة على الحرج ؟

الشيخ : أمثلة للحرج ؟ هذه ممكن أن نقدم بعضها ، ولكنها تختلف من شخص إلى آخر ؛ مثلًا إنسان يريد أن يسافر من بلده إلى بلد آخر في السيارة مثلًا ، وهو ويعلم عادةً أن هذه السيارة تسافر ما بين صلاتين ؛ الظهر والعصر ، ثم لا تقف بحيث يتمكن من أن يصلي الصلاة المشروعة من وضوء وقيام وركوع وسجود ؛ فله أن يصلي الظهر في بلده قبل أن يركب السيارة وأن يجمع إلى صلاة الظهر صلاةَ العصر جمع تقديم وهو مقيم ، هذه صورة ، وأكثر من هذه الصورة مما يتعرَّض لها بعض المسلمين من كان مكلَّفًا بأداء الوظيفة ؛ كـ - مثلًا - الجندي قائم على الحراسة من وقت إلى وقت لا يستطيع أن يفلت الحراسة في وقت صلاة من الصلوات التي يُمكن جمعها بما قبلها أو بما بعدها ؛ فحينئذٍ هو يقدِّر الوضع ؛ فإما أن يجمع جمع تقديم كما ذكرنا آنفًا في صورة المسافر ، أو جمع تأخير ، وهكذا العسكري الذي لا يتيسَّر له أن يؤدي الصلاة في المسجد إلا أن يصلي وحدَه ، فيجوز له أن يصلي إحدى الصلاتين في المسجد مع جماعة ، ثم يضيف إليها الصلاة الأخرى إما جمع تقديم أو جمع تأخير ، وجماع الأمر أن الحرج يختلف من شخص إلى آخر ؛ فمن شعر بوقوعه في شيء من الحرج جاز له الجمع ، وإلا فلا ، أما أن يوصف لكل إنسان ما هو الحرج ، أو أن يوصف لكل إنسان ما هي الاستطاعة التي رُبطت بها الكثير من الأحكام الشرعية فهذا تحصيل المحال ، لا سبيل إلى ذلك ؛ لاختلاف الناس في تقدير هذه الأمور ، فكلٌّ يتَّقي ربَّه ويلاحظ الحكم الشرعي في تطبيقه تطبيقًا دقيقًا لا يتَّبع هواه ولا يتنطَّع في دينه ؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( هلك المتنطِّعون ، هلك المتنطِّعون ، هلك المتنطِّعون ) .

نعم .
  • رحلة النور - شريط : 41
  • توقيت الفهرسة : 00:02:50
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة