قلت في كتابك " صفة صلاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - " أن وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع بدعة ، وبعض العلماء يقول : إنه سنة ، ويستدلون بحديث ابن حجر - رضي الله عنه - وحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - ؛ أرجو توضيح ذلك ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
قلت في كتابك " صفة صلاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - " أن وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع بدعة ، وبعض العلماء يقول : إنه سنة ، ويستدلون بحديث ابن حجر - رضي الله عنه - وحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - ؛ أرجو توضيح ذلك ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الشيخ ، قلت في كتابك " صفة صلاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - " أن وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى بعد الرفع من الركوع بدعة ، والبعض من العلماء يقول أنه سنة ... ويستدلون بحديث وائل بن حجر - رضي الله عنه - وحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - ؛ أرجو توضيح ذلك ؟

الشيخ : وحديث إيه ؟

سائل آخر : سعد .

الشيخ : سعد ، الجواب (( ولكلٍّ وجهة هو مولِّيها فاستبقوا الخيرات )) ، وهذا البحث في الحقيقة يحتاج إلى تفصيل وإلى ترتيل القاعدة هي : أن كلَّ نصٍّ عامٍّ يشمل أكثر من جزء واحد ، ثم لم يأتِ العمل بجزء من هذا الجزء العام ، فذلك مما لا يسوِّغ ... .

أن حديث وائل بن حجر الذي يستدل بعض الأفاضل به على شرعيَّة الوضع بعد رفع الرأس من الركوع هو من هذا القبيل ؛ حيث كان نصُّه : " كان رسول الله - صلى الله عليه و آله وسلم - إذا قام في الصلاة وضع اليمنى على اليسرى " ، فقوله : " إذا قام في الصلاة " يشمل كلَّ قيام ؛ سواء كان القيام الأول أو القيام الثاني الذي بعد الركوع ، ولكن هل ثبت عمليًّا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يضع يده اليمنى على اليسرى بعد رفع الرأس من الركوع بنصٍّ خاصٍّ لا بنصٍّ عامٍّ كما ثبت بوضعه الأول بنصٍّ خاصٍّ ؟

الجواب : لا وجود لهذا النص إطلاقًا ، فالاستدلال بالعموم حين ذاك فيه نظر واضح عندي ، أنا أضرب لكم مثالًا كيف لا يصحُّ الاستدلال بالنَّصِّ العام على جزءٍ لم يجرِ العمل به ؛ إذا دخل جماعة المسجد بوقت الظهر - مثلًا - وأراد كل منهم سنة الوقت السنة القبلية ، ومعلوم حتى اليوم أن السنن تُصلى فرادى ، فبدا لأحدهم أن يجمع هؤلاء المتفرِّقين لما دخلوا المسجد ، وكل واحد انتحى ناحية يريد أن يصلِّي سنة الظهر القبلية ، فقال : يا إخوانا ، تعالوا فلنصلِّ جماعة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( يد الله مع الجماعة ) ، ( يد الله مع الجماعة ) نصٌّ عامٌّ ، بل قال - عليه الصلاة والسلام - : ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاة الثلاثة أزكى من صلاة الرجلين ) ، وهكذا إلى آخر الحديث ، هل يكون استدلاله صحيحًا ؟ أنا أدري أن لا أحد يقول أن استدلاله صحيح ، بل هذا استدلال خطأ إن لم نقل خاطئ ، ما دليل الخطأ ؟ الدليل أن هذا الاستدلال هو من باب الاستدلال بالنَّصِّ العام على جزءٍ لم يجرِ عمل المسلمين عليه ، لا أعني المسلمين المتأخِّرين ؛ لأنهم يعلمون ببدع كثيرة وكثيرة جدًّا ، ومستندهم في هذه البدعة يشبه هذا الاستدلال تمامًا ، فأنتم تعلمون - مثلًا - في بعض البلاد العربية حتى اليوم يُزاد في الأذان بأوله وفي آخره ؛ ما يسمُّونه بالتذكير بين يدي الأذان ، وبخاصة يوم الجمعة ، وبالزيادة بعد الأذان الصلاة على الرسول - عليه السلام - .

السائل : جهرًا يعني ؟

الشيخ : نعم ؟

السائل : جهرًا تقصد ؟

الشيخ : مش مهم جهرًا أو سرًّا ، المهم أنها زيادة ، والجهر مطلوب ؛ هو يؤذِّن ؛ لأن هذا يفتح مجالًا آخر لا أريد الولوج فيه وبخاصة جاء التبليغ أنك تشرح وتطيل في النفس والكلام ، والإخوان عندهم أسئلة كثيرة ، لكن أنا بقول : أنتم تسألون أسئلة ما تتحمَّل الإيجاز ، لأن هذا السؤال أنا أقول : قلت هذا في الكتاب فارجعوا إليه انتهى الأمر ، ... إلى تفصيل ... أنُّو في جواب على هذا ؛ لكن هل هذا يقنع الحاضرين ؟

فالشاهد : أن هذا المثال يجب أن تتفقَّهوا فيه فعلًا لأنه هامٌّ جدًّا ؛ ( صلاة الرجل مع الرجل أفضل وأزكى من صلاة الرجل وحده ) ؛ لماذا لا نصلي السنن جماعة ؟ لأن الرسول لم يفعل ذلك ؛ إذًا إذا أردنا أن نثبت شرعية جزء معيَّن كهذا المثال صلاة السنن جماعة ما دام أن ... للعمل ولم يأتِ نصٌّ يبيِّن شرعية هذا العمل ... ؛ فالاستدلال بالعموم لا يصح والحالة هذه ؛ لأننا نقول : لو كان هذا الاستدلال صحيحًا لَفُعِلَ ، فكيف جرى عمل المسلمين في القرون الأولى - نحن نحتج بالقرون الأولى فقط - كيف جرى عمل المسلمين دون تطبيق يلازم هذا الاستدلال ؟ لازم الاستدلال أن نصلي السنن الرَّوافد القبلية والبعدية جماعة ؛ لأن الرسول قال : ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته ) إلى آخر الحديث ؛ إذًا ليس الاستدلال بالنصِّ العام بالموضوع الخاصِّ بالذي يستوضح هذا الموضوع الخاص إذا لم يكن عندنا عليه دليل خاص ، وهذا بحث يطول .

أرجع الآن لأقول : حديث وائل بن حجر : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام في الصلاة " ، أولًا : نلاحظ أن هذا العموم ليس قد صدر من الرسول ؛ خلاف حديث قوله - عليه السلام - السابق : ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته ) هو يصلي ، أما هذا الحديث حديث وائل بن حجر هو من قول وائل وليس من قول الرسول - عليه السلام - ، فما الذي أعنيه هذا التفصيل ؟ أعني أن مدلول الرسول ليس دقيقًا للتعبير عن حادثة ما أو عن حكم ما ليس هو في دقَّة إخبار الرسول وتعبير الرسول - عليه السلام - ، فالآن قد يرد سؤال : لما قال وائل بن حجر : " كان رسول الله إذا قام في الصلاة وضع اليمنى على اليسرى " تُرى هل كان في ذهنه أن هناك وضع ثانٍ هو بعد الركوع ؟

هذه المسألة تحتاج إلى إعمال الفكر ، فإذا رجعنا إلى بعض روايات وائل بن حجر هذا انكشف لنا الجواب بوضوح وذلك في " صحيح مسلم " ؛ حيث وصف صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وائل هذا نفسه قال : إنه لما صلى الرسول - عليه السلام - رفع يديه وكبَّر ، ووضع اليمنى على اليسرى - هذا ملخَّص الحديث - ووضع اليمنى على اليسرى ، ثم لما ركع رفع رفع يديه ، وقال : الله أكبر ، ثم رفع رأسه من الركوع ، فرفع يديه كما فعل من قبل وقال : الله أكبر ، ثم رفع رأسه من الركوع فقال : سمع الله لمن حمده ربَّنا ولك الحمد ، ثم سجد وقال : الله أكبر ، هكذا وصف هذا الرسول - عليه السلام - ، في هذا التفصيل لصلاته - صلى الله عليه وآله وسلم - نجده يكرِّر قوله بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبَّر ورفع يديه مثلما فعل من قبل ، لكن لما ذكر الوضع الأول ، وذكر أنه لما رفع رأسه من الركوع وقال : سمع الله لمن حمده لم يذكر هذا الوضع الثاني ، وعلى ذلك جاءت الأحاديث كلها ، لا يوجد ولا حديث واحد عن صحابي ينبئنا بأنه رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وضع يده اليمنى على اليسرى لرفع الرأس من الركوع ، ليس هناك إلا استدلالات بالعمومات ، وإذا عرفنا القاعدة السابقة أنَّ الاستدلال بالعام في موضع في جزءٍ معيَّن ليس عندنا أنه جرى العمل عليه فعلًا هذا استدلال يفتح علينا كثيرًا من البدع التي لا قِبَلَ لنا بردِّها إلا بهذا الطريق الذي ذكرته آنفًا ؛ جزء من أجزاء النَّصِّ العامِّ لم يجرِ العمل عليه هو خلاف السنة ، هذا ما يمكن قوله الآن .

نعم .
  • رحلة النور - شريط : 36
  • توقيت الفهرسة : 00:30:52
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة