ما حكم ما يفعله كثير من المؤذِّنين حيث يلحِّنون أصواتهم ويمدُّونه مدًّا طويلًا ، خاصَّة في الأذان في صلاة الفجر عند قولهم : الصلاة خير من النوم ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم ما يفعله كثير من المؤذِّنين حيث يلحِّنون أصواتهم ويمدُّونه مدًّا طويلًا ، خاصَّة في الأذان في صلاة الفجر عند قولهم : الصلاة خير من النوم ؟
A-
A=
A+
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : فضيلة الشيخ - حفظكم الله - ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ما حكم ما يفعله كثير من المؤذِّنين حيث ... أصواتهم ويمدُّونه مدًّا طويلًا وفي الأذان في صلاة الفجر يُقال فيه : الصلاة خير من النوم ؟

الشيخ : من البدع التي نبَّه عليها الأئمة السابقون وعلماء الحديث والفقه وفي مقدِّمتهم إمام السنة أحمد بن حنبل - رحمه الله - التلحين والتطريب في الأذان ؛ ذلك لأن أذان المؤذنين في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن فيه تطريب أو تلحين ، فقد توارث السلف عن الصحابة أذانهم عن مثل بلال وعمرو ابن أمِّ مكتوم وأبي محذورة الكلام باللهجة العربية التي لا تطريب فيها ولا تلحين ، وواضح - فيما أعتقد - لدى الجميع ما هو المقصود بالتلحين والتطريب ؛ وهو مدُّ الصوت حيث لا يجوز المدُّ فيه لغةً ولا شرعًا ، وقصره حيث يُشرع المدُّ ، كل ذلك مراعاةً للقواعد الموسيقية التي يقوم عليها نظام التطريب والتلحين ، وقد جاء عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - ... رجلًا جاء إليه ، فقال : يا ابن عمر ، إني أحبك في الله . فقال له : أما أنا فأبغضك في الله . قال : لِمَ ؟ قال : لأنك تُلحِنُ في أذانك وتأخذ عليه أجرًا . تُلحن : تطرِّب في الأذان ، وتأخذ عليه - أيضًا - أجرًا .

ففي هذا الأثر الثابت عن ابن عمر تنبيه صريح على أنَّ المؤذن لا يجوز له أن يطرِّب في أذانه ، وقد عرفتم التطريب ، بل لستم بحاجة لأنكم مع الأسف تسمعون الأذان من مصر ومن بعض الدول العربية - أيضًا - هذا الأذان الذي أبغض ابنُ عمر صاحبَه لأنه كان يلحن فيه ويُطرِّب فيه .

الشيء الثاني - وهذا مهم جدًّا - : حيث ذكر له أن مما حمل ابن عمر على ألَّا يحبَّه في الله بل على أن يبغضه أنه يأخذ على أذانه أجرًا ، ولا شكَّ ولا ريب أنه لا يجوز عند علماء المسلمين قاطبةً دون أيِّ خلاف يُذكر منهم أنه لا يجوز أخذ الأجر على أيِّ نوع من أنواع العبادات ؛ ذلك لأن الله - تبارك وتعالى - قد ذكر في غير ما آية من القرآن الكريم أن العبادة لا تكون مقبولةً إلا إذا كانت خالصة لوجهه - تبارك وتعالى - ، كما قال - عز وجل - : (( وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )) ، وكما قال - تبارك وتعالى - : (( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )) ، قوله : (( وما أنا من المشركين )) يشمل الشرك بكل أنواعه ، ومن ذلك الشرك في الإخلاص لله - عز وجل - ، فإذا أتى الإنسان بعبادة ليس لوجه الله وإنما بقصد الأجر الدنيوي العاجل ، فذلك نوع من الشرك كما قال - تبارك وتعالى - في آية أخرى : (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بربه أحدًا )) .

(( فمن كان يرجو لقاء ربه فيعمل عملًا صالحًا )) قال أهل التفسير : أي : فليعمل عملًا موافقًا للسنة ؛ فإن أيَّ عمل أيَّ عبادة لا توافق السنة فلا تكون عملًا صالحًا ، وفي ذلك أحاديث كثيرة ، حسبنا حديث واحد ؛ ألا وهو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه هذا ؛ فهو ردٌّ ) ، فإذًا العمل الصالح يجب أن يكون على السنة ، هذا هو الشرط الأول الذي ذُكر في هذه الآية : (( فمن كان يرجو لقاء ربه فيعمل عملًا صالحًا )) .

والشرط الثاني : (( ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا )) أي : لا يبتغي بعبادة ربه أجرًا دنيويًّا ، وعلى هذا فينبغي التنبيه أن من كان مؤذِّنًا وله راتب فلا ينبغي أن يأخذ هذا الراتب على أنه أجرٌ على أذانه ؛ لأنه قبل كل شيء خالف الله في أمره إذ أن يكون في عبادته خالصًا لوجهه - تبارك وتعالى - ، ثم يخسر فضيلة المؤذِّن التي جاء ذكرها في بعض الأحاديث الصحيحة ، فما يأخذه من الراتب يأخذه راتبًا ، ولا يأخذنَّه أجرًا لما سمعتم من أثر ابن عمر حيث قال له : أبغضك لأنك تأخذ على أذانك أجرًا وتلحن فيه ، والشطر الأول من هذه الجملة قد جاء الحديث الصريح الصحيح ؛ لذلك حينما أرسل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عثمان بن أبي العاص أميرًا على قبيلته بني ثقيف قال له - عليه الصلاة والسلام - : (( أنت إمامهم ، واقتد بأضعفهم ، واتَّخذ مؤذِّنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا ) ؛ فإذًا لا يجوز للمؤذن أن يُلحِنَ في أذانه ، وإنما يرفع صوته به دون تمديد ودون تنقيص .
  • رحلة النور - شريط : 32
  • توقيت الفهرسة : 00:23:58
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة