أقسام البدعة الحقيقية والإضافية ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
أقسام البدعة الحقيقية والإضافية ؟
A-
A=
A+
الشيخ: ... علمه أو ثقافته باللغة العربية ، وأعرضوا عن خطبة الحاجة التي هي قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ) إلى آخرها ، فإذا التزم الإنسان ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلتزمه فهذا هو السنة ، وهذا هو الذي يدخل تحتها عموم قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ) ، أما إذا التزم افتتاحية اخترعها من عنده فهذا كختم الخطبة بتلك الآية أو بغيرها ، المهم موضوع الالتزام بشيء بغض النظر عن مكانه هو في وسط الخطبة في آخرها في أوَّلها ؛ هذا الالتزام وفي أيِّ باب من أبواب الشريعة لا يجوز ، ولو كان له أصل في السنة ، فإذا كان له أصل في السنة أو في الشريعة فيُعمل به على ما تقتضيه الشريعة ، أما أن يُلتزم ونحن نعلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يلتزمه فهذا داخل في عموم قوله - عليه السلام - : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) .

ونحن - مثلًا - حينما ننكر ما نراه في بعض البلاد الإسلامية من اعتياد عادتهم أنَّ المسلم إذا مرَّ بأخيه المسلم وقد رآه توضأ قال له - مثلًا - : من زمزم ، أو صلى قال له : تقبَّل الله ؛ لا شك أنُّو هذا داخل في عموم الدعاء للأخ المسلم ، فمن هذه الحيثية الدعاء جائز ، ولكن من الحيثية الأخرى وهو التزام ما لم يكن مُلتزمًا في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي عهد السلف الصالح يدخل حين ذاك في العموم المُشار إليه : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، فإذا فعلَ المسلم أحيانًا وقال لأخيه : " تقبَّل الله " ، أو قال له : " من زمزم " أو " من الكوثر " ، أو نحو ذلك من الأدعية ؛ لا مانع من ذلك ، لكن هذا الالتزام هو المشكلة ؛ لأنه إحداث في دين الله ، والعادات والتقاليد تختلف من بلاد إلى أخرى ، فيجب على المسلم أن يكون حذرًا من أن يدخل في عموم ذاك الحديث وغيره كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( وإياكم ومحدثات الأمور ، فإنَّ كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) .

فالإمام الشاطبي - رحمه الله - ذاك الكتاب العظيم المعروف بـ " الاعتصام " ، وقد قسم البدعة إلى قسمين : القسم الأول : البدعة الحقيقية . والقسم الآخر : البدعة الإضافية .

البدعة الحقيقية - في اصطلاحه - : هي التي لا أصل لها مطلقًا في السنة أو في القرآن الكريم ؛ كالعقائد المنحرفة عن الكتاب والسنة كالاعتزال والجبر ونحو ذلك .

أما القسم الثاني - وهي البدعة الإضافية - : فهي التي إذا نُظر إليها من جانب وجدْتَها مشروعة ، وإذا نُظر إليها من جانب آخر وجدتها غير مشروعة ، ويضرب على ذلك بعض الأمثلة قد نبَّه لهذه المسألة الهامة ؛ لأننا نعلم في الواقع أن أكثر البدع المنتشرة اليوم وقبل اليوم في العالم الإسلامي هي من هذا القسم ، ولذلك يغترُّ بها ضعفاء العلم ، وهي البدعة الإضافية .

من الأمثلة على ذلك قوله - رحمه الله - : الاستغفار دبر الصلوات بصوت واحد ، هذا إذا نُظر إلى أصله وجدته سنة ؛ لأنه قد ثبت في " صحيح مسلم " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا سلَّم قال : أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله ، قيل لراويه سفيان الثوري لما روى هذا الحديث =

-- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته --

= كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا سلَّم استغفر ثلاثًا ، هكذا جاء الحديث ، قيل لسفيان : كيف الاستغفار ؟ فذكر ما ذكرته آنفًا ؛ " أستغفر الله ، أستغفر الله ، أستغفر الله " ، من البدع الإضافية الآن أن نقول : أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو إلى آخره ، هذا بهذا التمام لم يرد في هذا المكان ، وإنما جاء مختصرًا كما ذكرنا آنفًا ، فيقول الشاطبي - رحمه الله - : فالاجتماع بصوت واحد من المصلِّين دبر الصلاة هو من باب البدعة الإضافية ؛ لأنه أضيف إلى هذا الاستغفار المشروع إضافات لم تكن ، منها أنهم طوَّلوا الاستغفار وهو مختصر ، ومنها أنهم اجتمعوا عليه بصوت واحد وإنما كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يستغفر في نفسه ، وكذلك الصحابة ... من خلفه .

وأيضًا المثل الآخر يسمَّى في بعض البلاد بدعاء ختم الصلاة ، نعلم جميعًا أن من السنة بعد السلام الاستغفار ، واللهم أنت السلام ، والمعوذتين ، والتسبيح ، والتحميد ، والتكبير إلى آخره ، كل هذه الأشياء إنما يفعلها المصلون كلٌّ منهم على انفراد ، والدعاء بعد الصلاة لم يأتِ مطوَّلًا ، وإنما جاء ... مختصرًا ؛ كمثل ما سبق ذكره : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام ، وكمثل وصية الرسول - عليه السلام - لمعاذ : ( لا تدعنَّ أن تقول دبر كل صلاة : اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) ، فإنما هي كلمات يسيرات قليلات ، أما هذا الدعاء الطويل بعد الأذكار التي أشرنا إليها ، ثم دعاء الإمام للمصلين ، وتأمين هؤلاء على دعائه يقول الشاطبي : هذه الهيئة محدثة لم تكن في عهد الرسول - عليه السلام - ؛ مع أن أصلها ثابت ، الأذكار ، الدعاء مطلقًا ؛ فهذا يشرع لكن لمَّا انضم إلى هذا المشروع ما لم يكن مشروعًا دخل الأمر فيما يسمِّيه هو بالبدعة الإضافية .

والحقيقة أن البدعة التي لا يمكن إخفاؤها جلُّها من هذا القبيل ؛ أي : البدعة الإضافية ، وبعض الناس لا ينتبهون لهذه الدِّقَّة ، فيرون أنه لا بأس من اعتياد بعض الأدعية أو بعض الأذكار وهم يعلمون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن يفعل ذلك .

وبالأمس القريب نبَّهت على شيء الأمر ... وهو أنَّ عادة بعض الناس إذا دخلوا المجلس وكان المجلس فيه بعض الأفراد مما يمكن عادة تحقيق المصافحة لهم ، والمصافحة بلا شك مشروعة ، ولكن قبل ذلك السلام ، فبعض الناس اليوم في هذا العصر ولم يكن ذلك من قبل إذا دخل المجلس وفيه - مثلًا - خمسة أشخاص يقول : السلام عليكم ، السلام عليكم ، السلام عليكم ؛ يسلِّم خمس مرات ، لكلِّ فرد سلام خاص حينما يُصافح ، هذه الصورة هي - أيضًا - من البدع الإضافية ؛ لأننا لا نجد في السنة حينما نسمع أبا ذر - رضي الله عنه - يقول - فيما أذكر أنه أبو ذر - : " ما لقينا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا وصافحنا " ، لكن لا نجد في أثر من الآثار أو في حديث من الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا دخل على قوم قال : السلام عليكم لكلِّ واحد منهم يعطيه سلامًا ؛ هذا بلا شك من محدثات الأمور ، فالداخل يلقي السلام على الحاضرين سلامًا مرَّة واحدة ، بخلاف السلام بالاستئذان حينما يطرق الباب ، فالسنة هناك السلام ثلاث مرات ؛ لأن هناك غاية أخرى ، وهي التنبيه من كان داخل الباب لهذا الطارق ، إنما بحثنا في المجالس التي فيها عدد من الأشخاص فلا ينبغي أن يعطي كلَّ شخص سلامًا خاصًّا ، وإنما يدخل ويعمُّ الجميع بقوله : السلام عليكم ، ثم إن رآى أنه مما يتيسَّر له دون تكلُّف أو دون تحايل من المصافحة فعل ذلك ، وإلا سلَّم وجلس حيث انتهى به المجلس .

نعم .
  • رحلة النور - شريط : 27
  • توقيت الفهرسة : 00:00:00
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة