بالنسبة للشهادة هل يجوز أن نقول فلان شهيد بعينه إذا مات في المعركة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بالنسبة للشهادة هل يجوز أن نقول فلان شهيد بعينه إذا مات في المعركة ؟
A-
A=
A+
السائل : بالنسبة سبعة ... هل يجوز أن نُلقي هذا أو نقول فلان شهيد بعينه إذا مات في المعركة كما يحدث في هذا الزمان ؟

الشيخ : نعم ، الحقيقة أن الناس في هذا الزمن سامحوا وتوسَّعوا كثيرًا في إطلاق لفظة الشهادة ، حتى على مَن مات غدرًا مثلًا ، وهذا في بلادنا السورية كانت ظاهرة عجيبة جدًّا ؛ يعني في ليلة كما يقال لا قمر فيها يقتل إنسان ، فحينما يشيِّعون جنازته يقولون : الشهيد حبيب الله والقاتل عدو الله !! فجعلوا هذا الذي قُتل شهيدًا ، وربما يكون من أفسق الفُسَّاق ، ولذلك فإطلاق الشهادة على جنس من الأجناس هو أمر توقيفي ، يعني نقف عند الشرع ولا نزيد عليه كما ضربنا مثالًا آنفًا بالنسبة لمن قُتل بحادث بالسيارة .

أما بالنسبة للسؤال هذا الأخير فالحقيقة أن الحكم للشهادة لإنسان مات في ساحة المعركة أو مات بمرض من تلك الأمراض التي سبق ذكرها ؛ فنحن نرجو أن يكون شهيدًا ، ولا نقطع بذلك على الله - تبارك وتعالى - ؛ لأن الشهادة لا يخفاكم جميعًا فيُشترط أن يكون جهاده في سبيل الله - تبارك وتعالى - ، وكما جاء في بعض الأحاديث لكن فيه ضعف لأنه من رواية عبد الله بن لهيعة المصري ، رواه بإسناده إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( ربَّ قتيلٍ بين الصَّفَّين الله أعلم بنيَّته ) ، هذا الحديث وإن كان في سنده ذاك الضعف لكن معناه صحيح ، وقد وقع في عهد الرسول - عليه السلام - أن أحد الصحابة شُوهد في بعض المعارك والغزوات يقاتل المشركين قتالًا شديدًا عَجِبَ منه أصحاب الرسول - عليه السلام - ، وكلهم شجعان وأبطال ، مع ذلك فيما رأوا من استبسال ذلك الرجل في مقاتلته المشركين دعاهم إلى أن ينقلوا ذلك الاستبسال أمام الرسول - عليه السلام - فقالوا : يا رسول الله فلان كذا وكذا ، فكان جوابه - صلى الله عليه وآله وسلم - رهيبًا جدًّا ؛ حيث قال : ( هو في النار ) ، ثم رأوه في المعركة التالية لا يزداد إلا قتالًا واستبسالًا ، وذكروا - أيضًا - للرسول فقال : ( هو في النار ) هكذا ثلاث مرات ، راوي هذا الحديث الإمام البخاري في " صحيحه " من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - ، قال أبو هريرة : لما قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في المرة الثالثة : ( هو في النار ) كدنا أن نشكَّ ؛ كدنا أن نشكَّ لأن ... من ... ما يأخذه من ... هذه ، كدنا أن نشكَّ لأن خبر الرسول - عليه السلام - في الظاهر ينافي استبسال هذا الصحابي ، لكن والحمد لله ما كان لأصحابه أن يشكوا ، ولكن هو قال : كدنا أن نشكَّ ؛ أي : ما شككنا لكن لقوة التنافر بين جهاد هذا الإنسان وبين شهادة الرسول له في النار قال : كدنا أن نشك ، فما كان من أحد الصحابة إلا أن قال : أنا أتولَّى أمر هذا الرجل ، فكان كلَّما هجم هجمةً على المشركين ، ظاهر الرجل الثاني معه ليرى مصيره ؛ لأنه متأكِّد من صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهادته عليه بأنه في النار ؛ لأن الله - عز وجل - قال في حقِّه - عليه الصلاة والسلام - : (( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى )) ، فكان يعني كما يقال أتبع له من ظلِّه ، وين ما هجم ... معه إلى أن رآه ورأى مصيره ونهايته ؛ أنَّ الجراحات تكاثرت عليه فلم يصبر عليها ، فوضع ذؤابة سيفه - أي : رأس السيف - في بطنه ، واتَّكأ عليه فخرج من ظهره فمات ، ركض الرجل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليقول له : يا رسول الله ، فلان الذي قلنا لك كذا وكذا ، وقلت أنت : ( هو في النار ) فعل كذا وكذا ؛ أي : قتل نفسه ، - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( الله أكبر ، صدق الله ورسوله ، إن الله لَينصر هذا الدين بالرجل الفاجر ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس هو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة ) ، ولذلك قال - عليه السلام - في بعض الأحاديث : ( إنما الأعمال بالخواتيم ) .

هذا الرجل مثال صالح في تنبيه المسلم أنه لا يجوز أن يجزم بأن فلان شهيد عند الله - تبارك وتعالى - ؛ لأن لنا الظاهر والله يتولى السرائر ، وإنما نقول نرجو أن يكون مات شهيدًا ؛ لأن هذا هو الظاهر ، وهذا مثله تمامًا قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( المدح هو الذِّبح ، المدح هو الذِّبح ، المدح هو الذِّبح ) ... ، ( إن كان أحدكم لا بدَّ مادحًا أخاه فليقل : إني أحسبه كذا وكذا والله حسيبه ، ولا أزكِّي على الله أحدًا ) ، وحينما يمدح المسلم أخًا له مسلمًا فإنما يمدحه على ما ظهر له من صلاحه ، كما يظهر من صلاح ذاك الرجل الذي يجاهد في سبيل الله ، ولكن لا ندري ماذا ينطوي هذا الإنسان الذي يزكِّيه؟ هو ذاك الذي مات في ساحة القتال ، والضمائر والقلوب بيد الله ؛ لا سيَّما وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : ( قلوب العباد بين أُصبعين - أو إِصبعين - من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء ) ، ولذلك كان من دعائه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه يقول : ( يا مقلِّب القلوب ؛ ثبِّت قلبي على دينك وطاعتك ) .

فإذًا نرجو أن يكون فلان مات شهيدًا إذا مات في ساحة المعركة أو مات بوصف من الأوصاف التي جاءت دليلًا على أنه شهيد حكمًا في السنة كما ذكرنا آنفًا ، أما الجزم والقطع للذي مات في ساحة المعركة بأنه شهيد فهذا لا يجوز ؛ لأنه غيب ، ولا يعلم الغيب إلا الله ؛ فضلًا عن أنه لا يجوز إطلاق لفظة الشهادة ولو حكمًا على من لم يأت فالشهادة بذلك لهذا الرجل وأمثاله من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .
  • رحلة النور - شريط : 20
  • توقيت الفهرسة : 00:04:47
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة