إذا تساوى الجرح والتعديل في إمام اشتهر ؟ وهل تساوى في الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
إذا تساوى الجرح والتعديل في إمام اشتهر ؟ وهل تساوى في الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - ؟
A-
A=
A+
السائل : الجرح والتعديل في إمام اشتهر ، وكانت ... في الجرح والتعديل متساوية ، فما الذي يُقدَّم ؟ ... .

الشيخ : هنا مسألتان : إذا تساوى الجرح والتعديل هي المسألة الأولى ، المسألة الأخرى هل تساوى الجرح والتعديل في الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - ؟

الجواب عن القسم الأول : أنه إذا تعارض جرحٌ مع تعديل بغضِّ النظر عن التساوي فلا فرق فيما سيأتي بين أن يكون الجارحون أكثر أو الموثِّقون ؛ فالقاعدة أن الجرح مقدَّم إذا بُيِّن سببه ؛ أي : الجرح مقدَّم ولو بواحد على التوثيق ولو من جمع ؛ لأن الجرح مقدَّم على التعديل بالشرط ؛ وهو أن يكون جرحًا مُفسَّرًا مُبيَّنًا ، ثم لا يكفي أن يكون الجرح مبيَّنًا مُفسَّرًا ؛ بل لا بدَّ من أن يكون جرحًا مقبولًا ؛ لأنه ليس كل ما يُجرح به الراوي يكون جرحًا يسقط عدالته ، من أوضح الأمثلة على ذلك الجرح بالمخالفة في المذهب ؛ إذا ثبت أن راويًا ما توفَّرت فيه شرطا الثقة ، وهي أو وهما العدالة والضبط والحفظ ، حينئذٍ جاء الجرح يقول : كان - مثلًا - مرجئًا ، أو كان خارجيًّا ، أو نحو ذلك من المُخالفة المعروفة لأهل السنة ؛ فهذا جرح ؛ لكن ليس جرحًا يُسقط الاحتجاج برواية هذا الرواي وإن كان يكون مطعونًا في مذهبه ؛ لأن علم الحديث - كما يقول الحافظ ابن تيمية وابن حجر وغيرهما - إنما يقوم على العدالة والحفظ ، أما المذهب فله علاقة بالنجاة يوم القيامة ، أو بالهلاك - لا سمح الله - ، وذلك أمره إلى الله - تبارك وتعالى - .

فما دام أن هذا الراوي لا يزال في دائرة الإسلام وهو عدل - أي : غير فاسق - ، وهو ضابط حافظ - أي : ليس سيِّئ الحفظ - ؛ فحينئذٍ لا يضرُّ جرحه بمخالفته للمذهب الصحيح ، هذا مثال ، وهناك أمثلة كثيرة لأنواعٍ من الجرح لا يعتبر ذلك طعنًا في الراوي مُسقطًا للاحتجاج بحديثه ، وذلك كما لو كان له رأي يُخالف الرأي الصحيح في بعض المسائل الفقهية ؛ كأن يكون - مثلًا - ممن يرى إباحة الملاهي أو الأغاني والموسيقى ؛ فهذا مذهب قديم كان معروفًا في أهل الحجاز أنهم كانوا يترخَّصون في سماع آلات الطرب ، مع أن الراجح عند جماهير العلماء أن آلات الطرب كلها منهيٌّ عنها بأحاديث معروفة ، وقد جمع في ذلك بعض علماء الحديث رسائل ، منهم أبو بكر بن أبي الدنيا ؛ حيث له رسالة اسمها " ذم الملاهي " ، كذلك الإمام أبي بكر الآجري له - أيضًا - " رسالة في تحريم الشطرنج والملاهي " ، وهذه الرسالة مطبوعة ، لكن كان هناك ... الحجَّة المُقنعة له لتحريم آلات الطرب ، فبقي على الأصل ، وهو ثقة حافظ عدل صادق ... هذا إذا توفَّرت فيه شروط الراوي الثقة لا يُطعن فيه بسبب أنه كان يتعاطى مثل هذه الملاهي سماعًا أو عملًا ، وهكذا ، فيشترط لتقديم الجرح على التعديل أن يكون أولًا جرحًا مبيَّنًا ، وأن يكون ثانيًا هذا الجرح جرحًا حقيقيًّا وليس جرحًا مرفوضًا بسبب من تلك الأسباب التي تجمعها المخالفة في المذهب ؛ سواء كانت هذه المخالفة في العقيدة أو في بعض الأحكام الفقهية .

وقد قلت آنفًا حتى يكون مفهومًا جيدًا ما دام أن هذا الراوي بمخالفته تلك سواء كانت في العقيدة أو كانت في بعض الأحكام لا يزال في دائرة المسلمين ، أما إذا خرج عن دائرة الإسلام فحينئذٍ انتفت العدالة التي هي الشرط الأول في قبول رواية الراوي ، هذا هو الشرط الأول من الكلام الذي جاء في السؤال ، حينما كان مثَّل السائل بأبي حنيفة ؛ حيث ذكر أنه تناسب الجرح والتعديل أو المجرِّحين والمعدِّلين ، لكن الواقع - مع الأسف - بالنسبة للإمام أبي حنيفة - رحمه الله - أن الذين وثَّقوه من القلة حيث لا يذكرون بالنسبة للذين ضعَّفوه قديمًا وحديثًا من المتقدمين أو من المتأخرين ، لا يوجد أحد من الأئمة المشهورين يُروى عنه توثيق أبي حنيفة سوى يحيى بن معين - رحمه الله - ، وهو له فيه روايتان ، إحداهما توثيقه ، والأخرى تضعيفه ، في هذه الحالة يُؤخذ من قوليه القول الذي وافق فيه جمهور العلماء الذين ضعَّفوا أبا حنيفة - رحمه الله - ، وبخاصة أن الذين ضعَّفوه معهم الجرح المبيَّن من جهة ، والذي هو جرح يُسقط الاحتجاج بحديثه ؛ ذلك لأنهم وصفوه بأن حديثه مضطرب ، وأنه يرفع بعض الأحاديث أو يسندها وهي مرسلة .

ومن الأمثلة على خطئه في وصفه لبعض الأحاديث أنه روى بإسناده عن تابعي مشهور ابن الهاد ، وهذا عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ) ، أبو حنيفة روى هذا الحديث عن ابن الهاد عن جابر مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وقد خالفه مَن هو معروف بأنه جبل في الحفظ والضبط والإتقان ؛ ألا وهو السفيان بن سعيد الثوري ، رواه عن ابن الهاد مُرسلًا قال : قال رسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فاختلف هنا سفيان وأبو حنيفة في طريقة رواية هذا الحديث ، وأبو حنيفة أسنده عن ابن الهاد عن جابر ، وسفيان أرسله عن ابن الهاد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لم يذكر بين ابن الهاد والرسول جابرًا ، فقال الإمام الدارقطني في " سننه " : هذا الإسناد الذي رواه أبو حنيفة ضعيف بضعف أبي حنيفة ، أي : ... بحفظه ، فلذلك فهنا في خصوص التمثيل بأبي حنيفة فيه نظر من حيث أن الذين جرحوه هم كثر ، والذين وثَّقوه هم قلة ؛ مع أن التوثيق مُعارض بالجرح مبيَّن سببه .

هذا جواب ذاك السؤال .
  • رحلة النور - شريط : 19
  • توقيت الفهرسة : 00:31:45
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة