المسح على الخفين والجوارب وما يدل على صحتهما . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
المسح على الخفين والجوارب وما يدل على صحتهما .
A-
A=
A+
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا و من سيِّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمَّدًا عبده ورسوله .

(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) ، أما بعد :

فإن خير الكلام كلامُ اللهِ ، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشرَّ الأمور محدثاتُها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار . وبعد :

فقد أُلقي سؤال آنفًا عن رجل لبس جوربيه ، وصلى ما صلى من الصلوات بعد أن مسح عليهما ثم خلعهما ، ولم ينتقض وضوؤه بناقض من نواقض الوضوء المعروفة ؛ فهل خلعه لجوربيه ينقض وضوءه ويمنعه من مباشرة الصلاة ؛ مع أنه لم ينتقض وضوؤه بناقض من تلك النواقض ؟

... أنه لا جديد في الكتاب ولا في السنة أنَّ خلع الممسوح عليه كالجوربين ينقض الوضوء مطلقًا أو مؤقَّتًا ، أقول مطلقًا أو مؤقَّتًا ؛ لأن بعض العلماء يقولون بالنقض مطلقًا كما لو خرج منه ناقض للوضوء ، فاعتبروا خلع الخفَّين أو الجوربين ناقضًا للوضوء ، وبعضهم قال ينقض الوضوء نقضًا مؤقتًا ؛ بحيث أنه لو غسل رجليه بعد أن خلع خفَّيه أو جوربيه صحَّ وضوؤه ، وبالتالي صلاته .

والصحيح أن خلع الممسوح عليه لا ينقض الوضوء مطلقًا ، كلُّ ما في الأمر أنه بذلك لا يستطيع أن يعود إلى المسح عليهما لو عاد إلى لباسهما ، فإن من شروط المسح على الجوربين أن يمسحَ عليهما وهو على طهارة كاملة ؛ كما جاء في حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - في قصة سفره - عليه الصلاة والسلام - ، لمَّا خرج صباح يوم لقضاء حاجته ، ثم جاء ليتوضَّأ ، فصبَّ المغيرة بن شعبة وضوءه عليه ، فلما جاء دور غسل الرجلين همَّ المغيرة بن شعبة لأن يخلعَ الخفَّين من قدمي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : ( دعهما ؛ فإني أدخلتهما طاهرتين ) ؛ أي : طهارة كاملة ؛ أي : إنه توضَّأ - عليه السلام - وضوءًا غَسَلَ فيه رجليه ، ثم لبس عليهما الخفَّين ، ولذلك جاز أن يمسح في تلك الساعة عليهما .

فأخذ علماء الحديث من هذا الحديث الصحيح وهو في البخاري أنه يُشترط للمسح على الخفَّين أن يلبسَهما على وضوء كامل ، وفي صورة السؤال السابق خلعَهما ، وذكرنا أن خلعهما لا ينقض وضوءه ، ولكن ما دام أنه كان قد مسحَ عليه فلا يجوز له أن يعودَ إلى لبسهما ثم المسح عليهما ؛ لأنه في هذه الحالة يكون لم يلبسهما على طهارة كاملة ، وإنما لبسَهما وقد مسح على قدميه بواسطة المسح على الجوربين .

هذا ما يمكن أن يُذكر في هذه المناسبة مما يتعلق بأن خلع الممسوح عليهما لا ينقض الوضوء ، ويذكر بعض العلماء تقريبًا لهذه المسألة شيئين اثنين :

الأول : وهي قاعدة معروفة ؛ أن الاصل في الأحكام الشرعية البراءة الأصلية ؛ فلا يجب على المسلم شيء ولا يُحكم بفساد أو بطلان عبادة من عباداته إلا بنصٍّ من الشارع الحكيم ، ولما لم يكن هناك نصٌّ في السنة فضلًا عن القرآن الكريم بأنَّ خلع الممسوح عليهما ينقض الوضوء بقينا على الأصل ، وهو براءة الذمة .

الشيء الثاني : وهو أمر مُجمع عليه بين علماء المسلمين ؛ لو أن رجلًا توضَّأ ومسح على شعر رأسه ، ثم حلق شعره ؛ فلا يكون هذا الحلق مُبطلًا لوضوئه ، كما يفعل بالنسبة للحجَّاج والمعتمرين ، حيث يطوفون ويسعون طاهرين متطهِّرين ، ثم ينفِّذون قوله - تبارك وتعالى - : (( محلِّقين رؤوسكم ومقصِّرين )) ، فهذا الحلق وذاك القصُّ للشعر لا يبطل وضوءهما ، بل بإمكانهم - أي : الحاج أو المعتمر - أن يباشر الصلاة فور حلقه لشعر رأسه ، فقد كانوا ... ، فبالأَولى إذا كان على وضوء ثم قصَّ أظافره فما يضرُّ هذا القصُّ بأظافره نقضًا لوضوئه ، بل يبقى وضوؤه على صحَّته وسلامته ، وهذا القول هو الذي يترجَّح من بين القولين السابقين ؛ أحدهما أن الوضوء يبطل ، والآخر يبطل مؤقتًا حتى يغسل رجليه ، فهذا هو القول الصحيح إن شاء الله - تعالى - .

نعم .
  • رحلة النور - شريط : 19
  • توقيت الفهرسة : 00:17:47
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة