يرى الحافظ ابن حجر أن رواية مجهول العين لا تتقوَّى ، أما الحديث المرسل فيتقوى ؛ فما الفرق بينهما ؟ لأن المرسل سقط منه راوٍ ، وهو غير معروف عينًا ولا حالًا ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
يرى الحافظ ابن حجر أن رواية مجهول العين لا تتقوَّى ، أما الحديث المرسل فيتقوى ؛ فما الفرق بينهما ؟ لأن المرسل سقط منه راوٍ ، وهو غير معروف عينًا ولا حالًا ؟
A-
A=
A+
السائل : شيخنا الفاضل ، يرى الحافظ ابن حجر أن رواية مجهول العين لا تتقوَّى ، أما الحديث المرسل فيتقوى ؛ فما الفرق بينهما ؟ لأن المرسل سقط منه راوٍ ، وهو غير معروف عينًا ولا حالًا ؟

الشيخ : نعم ، المرسل يلتقي مع الحديث الذي فيه راوٍ مجهول ، ويختلف عنه في ناحية ، يلتقي معه في ناحية ويختلف عنه في ناحية أخرى ، يلتقي في الناحية التي أشار إليها السائل ؛ أن المُرسِل حينما يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يقينًا لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو بلا شك - والحالة هذه - لا بدَّ أن يكون بينه وبينَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - واسطة أو أكثر من واسطة واحدة ، أما المجهول فهو عين شخص واحد لم تُعرف هويته ولم تثبت عدالته ؛ ولذلك سقط الاحتجاج بل الاستشهاد بحديث هذا الرجل المجهول ، أما المرسل وإن كان فيه كما ذكرنا رجل مجهول أو أكثر فيختلف عن المجهول من ناحية أخرى ؛ وهي أنَّ كثيرًا من علماء الحديث والفقه احتجُّوا بالحديث المرسل ؛ لأن بعضَهم أرسل في باله أنَّ هذا التابعي الذي أرسل الحديث إنما يغلب على الظَّنِّ أنه تلقَّاه عن صحابي من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة ؛ فلا يضرُّ عدم تسميتهم ، ولذلك فقد اتفق هؤلاء العلماء جميعًا ما بين محتجٍّ بالمرسل وما بين غير محتجٍّ بالمرسل ؛ اتَّفقوا جميعًا أن التابعي الذي يُرسل الحديث عادةً إذا قال : حدَّثني رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يكون حديثه صحيحًا ؛ لأن هذا الرجل الصحابي وإن لم يسمَّ فالصحابة عدول .

ولمَّا كان يتردَّد الظن بأن التابعي الذي أرسل الحديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يحتمل أن يكون أَخَذَه عن صحابي ، ويحتمل أنه أخذه عن تابعي ، وهذا التابعي ليس كذاك الصحابي ، فالصحابة - كما ذكرنا - كلهم عدول ، أما التابعون فلا يُوصفون بأنهم كلهم عدول ؛ لهذا الاحتمال قال بعض علماء الحديث بأن المرسل لا يُحتجُّ به ؛ لاحتمال أن يكون أخذه عن تابعي وليس عن صحابي ، أما المجهول فمعروف أنه لم يأخذه إلا عمَّن هو سيقرِّر ... حديثه ، فقد يكون تابعيًّا وقد يكون دون ذلك ؛ أي : إذا كان المجهول هو تابعي ، الآن نصوِّر صورة أخرى ؛ إذا قال سعيد بن المُسيَّب أو المُسيِّب - والأول هو الأصح لغةً - ، إذا قال سعيد بن المُسيَّب : حدَّثني رجل عن أبي هريرة ؛ هذا مجهول لا يُحتجُّ به إذا أدخلناه في قاعدة عدم الاحتجاج بل عدم الاستشهاد بالحديث المجهول ، هنا قد يأخذ حكمًا آخر ؛ لماذا ؟

لأن هذا المجهول تابعي ، فكل مجهول حكمه ما سبق ذكره ، أما إذا كان هذا المجهول من التابعين ففي التابعين لم يكن الكذب مشهورًا فيهم ، كما أنه لم يكن قد تسرَّب إليهم سوء الحفظ ، ولذلك فنادرًا ما نجد أحدًا من التابعين ذُكِرَ بسوء الحفظ ، هذا موجود ، ولكنه نادر بالنسبة للذين جاؤوا من بعدهم . إذا لاحظنا طبقة المجهول والفرق بين التابعي المجهول والتابعي الذي دونه حينئذٍ يتبيَّن لنا وجه مَن قال بالاحتجاج بالحديث المرسل ؛ لأنه - كما ذكرنا - إما أن يكون عن صحابي لم يسمَّ ، فهو في هذه الحالة حديث صحيح ، وإما أن يكون عن تابعي ؛ فالتابعون المجهولون ليسوا بإسقاط الاستشهاد بهم كالذين جاؤوا من بعدهم ، هذا هو الفرق الذي يُمكن ملاحظته في تفريق العلماء بين المجهول علمًا وبين المجهول عينًا إذا كان تابعيًّا ، وبين احتجاجهم بالمرسل من بعض العلماء ، ومنهم - مثلًا - الإمام مالك إمام دار الهجرة ، فقد كان يحتج بالحديث المرسل مع احتمال أن يكون قد أخذه عن تابعي ، وما وجه ذلك إلا ما ذكرناه آنفًا من تغليب حسن الظَّنِّ بالتابعي ؛ من حيث عدالته ومن حيث حفظه .

هذا ما يمكن ذكره جوابًا عن هذا السؤال .
  • رحلة النور - شريط : 14
  • توقيت الفهرسة : 00:18:33
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة