ما حكم الطواف بالقبور ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم الطواف بالقبور ؟
A-
A=
A+
السائل : ما حكم الطواف بالقبور ؟

الشيخ : الطواف في القبور شرك ، لا شك في ذلك ولا ريب ، إذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد قال كما في " صحيح مسلم " : ( لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ) ، وهذا نصٌّ صريحٌ أنه لا يجوز اتخاذ القبر قبلة ؛ لأن قبلة المسلم إنما هي بيت الله الحرام أو الكعبة المشرفة ، فإذا طاف الطائف حول القبر فمعنى ذلك أنَّه نقل عبادةً هي لله وحده لا شريك له إلى ذاك المقبور الذي يُعتقد بأنه من الأنبياء أو الأولياء أو الصالحين ، ولا شك أن مثل هذا الارتكاب هو إخلال بحقِّ لا إله إلا الله ؛ لأن معنى هذه الكلمة الطيبة : لا معبود بحق في الوجود إلا الله - تبارك وتعالى - ، فربُّنا - عز وجل - يقول : (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )) ، فأيُّ عبادة تُوجَّه لغير الله - عز وجل - فهو شرك بالله في توحيد العبادة ؛ لأنكم تعلمون فيما أعتقد أن العلماء المحقِّقين قسموا التوحيد الذي ينجي يوم القيامة يوم رب العالمين ينقسم إلى ثلاثة أقسام ، فإذا أخلَّ المسلم بواحد منها لم يكن موحِّدًا حقًّا :

القسم الأول : توحيد الربوبية .

والقسم الثاني : توحيد الألوهية ؛ أي : توحيد العبادة .

والقسم الثالث : توحيد الأسماء والصفات .

فمن وجَّهَ عبادةً من العبادات التي تعبَّد الله - عز وجل - بها عباده إلى غيره - عز وجل - فقد اتَّخذه معه إلهًا ؛ ولذلك نجد في القرآن الكريم أن النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لما كان يدعو المشركين من قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له بالكلمة الطيبة : (( إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) ، وأيضًا حكى عنهم أنهم قالوا : (( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) ، المشركون لم يكونوا يُنكرون التوحيد الأوَّل وهو توحيد الربوبية وتوحيد الخالقية ، وإنما كانوا يعترفون بذلك تمامًا ، وإنما أنكروا توحيد العبادة ؛ لذلك قالوا : (( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) ، فأنكروا على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما أَمَرَهم بأن لا يذبحوا إلا لله ، وأن لا يحلفوا إلا بالله ، وأن لا ينذروا إلا لله ؛ استنكروا ذلك عليه ، وجعلوا ذلك علامةً منهم على كفرهم وشركهم للألوهية وتوحيد الله - عز وجل - في العبادة ، فقول المسلم أيَّ مسلم كان : لا إله إلا الله محمد رسول الله هذا بلا شك يُنجيه من عذاب الدنيا ؛ ألا وهو القتل كما قال - عليه السلام - : ( أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، فإذا قالوها فقد عصموا منِّي دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها وحسابهم على الله ) ، فمن قال : لا إله إلا الله نجا بنفسه من الموت ، لكن لا ينجو أمام الله - عز وجل - من الخلود في النار إلا إذا قام بحقِّ هذه الكلمة ، وأوَّل حقِّها هو عبادة الله - عز وجل - وحده لا شريك له ، فمن طاف إذًا حول القبور فمعنى هذا أنَّه عظَّمه بعبادة جعلها الله - عز وجل - عبادةً له ، فنقلها هذا الضَّالُّ من عبادته لله إلى عبادة مقبور ، وهو شرك لا شك ولا ريب فيه .

هل هناك شيء آخر ؟

السائل : بس يا شيخ ، هل هون مسألة الطائف هل هو يعتقد أم لأ ؟ أم ظاهرًا ... ؟

الشيخ : آ ، هذا السؤال حينما يُراد إقامة الحدِّ عليه ؛ لأن هذا بهذا العمل يرتدُّ ، فإذا كان هناك من يقيم الحد ؛ أي : القتل على المرتد ؛ حينذاك هذا الإنسان يُؤتى به فيُستتاب ، لا يُسأل : تعتقد أو لا تعتقد ؟ لأن عمله برهان على عقيدته ، إنما يُستتاب بعد أن تُقام عليه الحجة ، أنُّو هذا الطواف هو لبيت الله فقط عبادة وخضوع لله كالسجود لا فرق ، فلو أن إنسانًا سجد لشيخ له أو أمير له ؛ فهذا لا يُسأل لماذا أنت تسجد ؟ وهل تعتقد أن هذا يستحقُّ التعظيم ؟ لأن فعله يدل على التعظيم ، لكنه يُستتاب ؛ فإن تاب وإلا قتل ، فالرسول - عليه السلام - قال كما تعلمون : ( لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لَأمرت الزوجة أن تسجدَ لزوجها لعظم حقِّه عليها ) ، فالسجود علامة تعظيم ، ما في حاجة يُسأل : لماذا أنت تسجد ؟ لكن نحن بحاجة أن نُفهمه أن هذا السجود إشراك مع الله لمن تعظِّمه بنفس الوسيلة التي تعظِّم بها ربَّك ، فإما أن ترتدع وإما أمامك - لا سمح الله - القتل .

وسبب هذا الحديث الأخير أن معاذًا - رضي الله عنه - أتى الشام في زمن النبي - عليه الصلاة السلام - ، وغاب ما غاب عنه - صلى الله عليه وسلم - ، ثم لما جاء إلى المدينة ووقع بصره على النبي - صلى الله عليه وسلم - أرادَ أن يسجد له ، فقال له : ( مَهْ يا معاذ ! قال : يا رسول الله ، إني أتيت الشام ، فوجدْتُ النصارى يسجدون لقسِّيسيهم وعلمائهم ؛ فرأيتك أنت أحقُّ بالسجود منهم ، فقال - عليه السلام - الحديث السابق : ( لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقِّه عليها ) ، ولكن لا يصلح السجود إلا لله - تبارك وتعالى - ، إذًا سواء من سجد لغير الله أو طاف بغير بيت الله لا حاجة بنا أن نسألَه ماذا تعني ؟ أتعتقد أن هذا يستحقُّ العبادة ؟ حيقول لك : لا ، ما أعتقد ؛ لأن هو مش فهمان شو العبادة ، لكن نحن نُقيم الحجة عليه ونفهمه أن هذا إشراك في قسم من التوحيد ، الأول : قلنا الربوبية ، والثاني : العبادة أو الألوهية ، فإن استجاب - وذلك ما نبغي - فَبِهَا ونعمت ، وإلا قُتل كفرًا ، ولا يُدفن في مقابر المسلمين .
  • رحلة النور - شريط : 4
  • توقيت الفهرسة : 00:05:20
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة