الفرق بين المتَّبع والمقلِّد والمجتهد . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الفرق بين المتَّبع والمقلِّد والمجتهد .
A-
A=
A+
السؤال : أجيب عن هذا السؤال وبس ؛ لأن الوقت تأخَّر .

قال - تعالى - : (( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا )) هل يعني اتباعه تقليد الأعمى هنا ؟ إذا كان كذلك إذًا فما الفرق بين المتَّبع والمقلِّد والمجتهد ؟ وهل المجتهد يلزم الناس باتباعه ، أم أنه لنفسه فقط ؟ وهل بمقدرتنا أن نجتهد حتى نستغني عن المذاهب ونكتفي إلى ذلك ؟

الشيخ : أوَّلًا : الاتباع من حيث اللغة أعمُّ من أن يكون في الخير أو في الشر ، فيأتي في الخير ويأتي في الشر ، هنا كما ترون جاءت في الشر : (( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا )) ... لكن كون الاتباع هنا جاء في الشر لا يعني أنه يأتي دائمًا في الشر ، فهناك آيات كثيرة يأتي فيها الاتباع بمعنى الاتباع في الخير ، وأشهر آية وأقرب تناولًا إلى أفكارنا وأذهاننا قوله - تبارك وتعالى - : (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )) .

إذًا الاتباع من حيث اللغة ليس خاصًّا لا في الخير ولا في الشر ، فالاتباع يُفسر في بالنظر إلى الموضع الذي جاءت فيه هذه اللفظة ، ففي الآية التي تخالف ... واضح أن الاتباع كان في الشر ، والآية التي تلوتُها عليكم واضح الاتباع في ذلك هو في الخير ؛ لأن الله - عز وجل - يجعل دليل محبَّتنا له ومحبَّة الله لنا اتباع منهاج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فهذا اتباع في الخير .

إذًا القضية من حيث اللغة ليس لها دلالة خاصة بالخير أو بالشر ، لذلك لما قال السائل : هل يعني الاتباع التقليد الأعمى هنا ؟ إذا كان كذلك إذًا فما الفرق بين المتَّبع والمقلِّد والمجتهد ؟

نقول : الفرق هنا اصطلاحي ، بعد أن عرفنا أن الاتباع في اللغة أعمُّ من أن يكون في الخير أو في الشر ، حينما يقال مجتهد ، وحينما يقال متَّبع ، وحينما يقال مقلِّد ؛ هذا اصطلاح ، لأنُّو كلمة " مقلِّد " شو معنى كلمة " مقلِّد " من حيث اللغة ؟ المقلد هو الذي قلَّد غيره القلادة ، لكن استُعير هذا المعنى إلى المسلم الجاهل الذي يقلِّد بدينه غيره ... .

كذلك الاتِّباع أو المتَّبع ، فميَّز في عرف العلماء المحقِّقين الذين يدعون إلى تنوير الأذهان بإبقاء باب الاجتهاد مفتوحًا لأهله ، وليكذب بعد من شاء وليفتر علينا بالقول أنو منقول بالاجتهاد حتى للعوام ، هذا كذب وبهت افتراء ، نقول : أولئك العلماء الذين يرون بأنه من الخير بل من الواجب بقاء باب الاجتهاد مفتوحًا لأهله ، هؤلاء باجتهادهم وفهمهم وجدوا أن الناس ليسوا بمثابة واحدة من غير المجتهدين ليسوا بمثابة واحدة ، يعني رأوا من الظُّلم جعل غير المجتهدين مقلدين ؛ لأن التقليد معناه في الاصطلاح العلمي هو الذي يدلُّ عليه أصل الاشتقاق اللغوي هو التقليد الأعمى ؛ دون أن تعرف وجهة نظر هذا العالم الذي يقول هذا حرام ، أو هذا حلال ، أو هذا فرض ، أو هذا سنة ، هو يقول لك كذا وأنت بتقول له بلسان الحال : آمين ، صدقت .

هذا التقليد الأعمى وليس كل الناس هكذا ، فناس عندهم شيء من العلم وشيء من الفهم والإدراك ؛ بحيث أنه إذا عرض عليه قولان لعالمين جليلين من علماء المسلمين دليل هذا كذا ودليل هذا كذا ، يعمل عقله وفهمه دون ما يجتهد هو ، دون ما يبحث في بطون الكتب والآيات والأحاديث ، وصحيح وضعيف ، ومؤول وغير مؤول وإلى آخره ، لأ ، إنما يسمع يعرض عليه رأيان أو أكثر بأدلة كل رأي ، فيميِّز هذا على هذا ، ويرجح هذا على هذا .

لكن إذا عرضت مثل هذا العرض على عامة الناس ، شو بيعرفهم عامة الناس ؟ ... حيارى كما سيأتي ، إن شاء الله الدرس الآتي أو اللي بعده أنُّو سائل بيسأل احترنا ؛ كل واحد بيدّعي أنُّو الحق معه ، هو معذور تمامًا ، لكن هو اللي عاش في الدعوة السلفية برهة من الزمن ، وعرف كيف ينبغي أن يعيش العامي السلفي ما بيقع في هذه الحيرة ، هو لا يزال في الحيرة لأنو بعيد عن المنهج السلفي .

الخلاصة : هل يستوي عندنا - مثلًا - بعض إخواننا الأفاضل من الأساتذة ؛ هل هذا الإنسان نعامله كمعاملة رجل من عامة المسلمين لا يعرف الألف المطوية - كما يقول العامة هنا - بينما هذا دارس علم اللغة وعلم الحديث ، وآخذ شهادة كمان كلية شريعة ، هل هذا كهذا ؟ لا يستويان مثلًا ؛ لذلك هذا الواقع جعل هؤلاء الأئمَّة المحققين أن ينصفوا اللي هم فوق مستوى عوام المسلمين وجهلتهم ومقلدتهم ، فأطلقوا عليهم متبعين ؛ كي ... بين المقلد الذي لا يعرف إلا قال الشيخ وبس ، لكن الثاني بيقول لك : قال الشيخ وعلته كذا ، ورد عليه فلان وحجته كذا ، لكن هذا حديث ضعيف ، لكن هذا تأويل ، وهذا خلاف الأمر ، إلى آخره ، فنميز ... الإنسان وننزِّله بالمنزلة التي وضعه الله فيها ، لا ... مع عوام المسلمين ؛ هذا ظلم مبين .

لذلك اقترح العلماء فجعلوا مراتب العلم ثلاثة :

الاجتهاد ، وهو أرقى المراتب ، وهو الذي يتمكن من فهم المسألة مباشرة من الكتاب والسنة .

مرتبة ثانية : الاتباع ، يتمكن من فهم كلام المصيبين وأدلتهم بعد عرضها ويستبين ... الأقوى ممن دونه .

المقلد ، مثل العامي تمامًا ... هذا بيقول له حرام ، بيقول له : آمين ، هداك بيقول له : حلال ، بيقول له : آمين ، ما بيعرف أن ... .

لذلك فمن الجهل بل من الغباوة أن نسوِّي بين متخرِّج من كلية الشريعة ، فضلًا عن مدرِّس في كلية الشريعة ، وبين الرجل الجاهل الذي لا يعرف من العلم من الفقه من الحديث شيئًا أبدًا ، الذي يقول هذا يظلم نفسه قبل أن يظلم غيره ، وذلك هو الظلم المبين .

هنا سؤال مهم : هل المجتهد يلزم الناس باتباعه أم أنه لنفسه يجتهد فقط ؟

الجواب : مثل هذا السؤال يدفع إليه أمران متناقضان في هذا الزمان : الأمر الأول : إن المقلد اليوم والمتمذهب جميعهم يتوهَّمون أن الأئمة الأربعة دعوا الناس إلى اتباع مذاهبهم ، هذا خطأ وهذا افتراء عليهم ، ما من إمام من أئمة المسلمين أبدًا لا هؤلاء الأربعة ولا من قبلهم ولا من بعدهم يدعو الناس جميعًا إلى اتباعه في الفرد الواحد منهم ، حاشاهم من ذلك ! كيف وابن مسعود كان يقول : " هذا رأيي فمن كان عنده خير منه فليأتنا به " ؟

كيف يقال أن الإمام المجتهد ألزم أتباعه باتباعه ؟! هنا يصدق هَيْ الآية نفسها : (( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا )) ، لا يقولنَّ منحرف عن السنة : هذه الآية نزلت في الكفار .

صح نزلت في الكفار ؛ بس الله نزَّلها بالقرآن منشان إيش ؟ منشان نحن ما نعمل عمل الكفار ، ما نتبع أئمتنا على عمى وإنما على بصيرة ، ومن هذا العمى أن ننسبَ إليه شيئًا ما قالوه ، هم ما فرضوا على أحد من أتباعهم الأولين فضلًا عن الآخرين أن يتَّبعوهم ، وإذًا إذا زعمنا هذا ؛ إذًا هم جماعة - لا سمح الله لا سمح الله لا سمح الله - طواغيت ، يدعون الناس إلى اتباعهم من دون اتباع الإسلام ، فهل يظنُّ المسلم شيئًا من هذا في أئمة المسلمين ؟!

لا أحد ! لكن لازم هؤلاء أن يقولوا هذا ؛ حينما يقولون : دعوا أتباعهم لاتِّباعهم ، لَزِمَهم أن هؤلاء طواغيت ، ونحن نبرِّئهم مما هو دون ذلك بكثير ، هذا الفهم الخاطئ نتج منه فهم خاطئ جديد ؛ وهو هؤلاء المتبعون أمثالنا ندعو المسلمين إلى اتباع الكتاب والسنة ، وعلى منهج سلف الأمة ، يقولون عنَّا بأنَّنا مجتهدون ، ونحن لا ننكر ولا نهاب ولا نخاف ، نحن نجتهد في كثير من المسائل التي تحدث اليوم حيث لا يستطيع المقلدون أن يجتهدوا فيها ، ونحن نقول على عين بصيرة : ... المسائل التي اختلفوا فيها ، وكل إمام وكل أتباعه مع الزمن يبيِّن ما عندهم من أدلة شي صحيح وشي مو صحيح ، هذه تعرض أمامنا ونحن ليس لنا إلا الاختيار .

مواضيع متعلقة