تتمة صلاة الجنازة وتسوية الصفوف . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
تتمة صلاة الجنازة وتسوية الصفوف .
A-
A=
A+
الشيخ : عن الشفاعة في الحديث الأول من أحاديث هذا الباب في الدرس الماضي ، وأن عدد الأربعين هو أقل من عدد المئة ، وأن الله - عز وجل - تفضَّل على عباده ، بينما كان قبل ذلك ربط مغفرة الله عن الميت أو للميت بأن يشفع وأن يدعو لهم مئة زاد في فضله فقال : لو كان هؤلاء أربعين فدعوا له وشفعوا فيه مخلصين له فالله - عز وجل - يغفر له ، إلا أن هنا في هذا الحديث لفت نظر إلى شيء ينبغي التنبيه عليه ... إهمال أئمة المساجد التنبيه على ذلك ؛

فهو يقول هنا صلى بنا أبو المُلَيح وهو تابعي ابن صحابي على جنازة ، فظنَنَّا أنه قد كبَّر ، فأقبل علينا بوجهه ، فقال : " أقيموا صفوفكم ، ولتحسُنْ شفاعتكم " ، فنبَّه هنا على شيئين :

الأول : وهو الذي أهمله اليوم الناس كأنَّهم ينظرون إلى صلاة الجنازة أنه لا قيمة لها ، ولذلك حينما تُقام الصفوف خلف الجنازة تجدها مضطربة أشدَّ الاضطراب ليست مستوية على الأقل كما يسوُّون الصفوف للصلوات الخمس ، مع أنهم يُخلُّون - أيضًا - بتسوية الصفوف في الصلوات الخمس ، ولكن يحسِّنونها ؛ لا سيما حينما قيَّدوا أنفسهم بالخيط الذي يمدُّ من الشرق إلى الغرب ، وقد يظنُّ بعض الناس أن هذا الخيط من المصالح المرسلة ، والحقيقة أنه من البدع الضالة ، وهذه من دقائق المسائل التي لا ينتبه لها إلا من عرف أضرار البدع في الدين وآثارها من قريب أو من بعيد ، فها أنتم الآن أمام مثل واقع ، الذين يصلون الصلوات الخمس على الخيط لا يستطيعون أن يُحسنوا الصف بدون خيط ، وهذا مثاله لما يقيمون الصلاة على الجنازة تجد الصَّفَّ مضطرب أشد الاضطراب ، مع هذا تجد الإمام الذي يصلي ولا يتكلم ولو بكلمة ، ولو على طريقة بعض الأئمة في البلاد السعودية ، لا يحسنون إلا أن يقولوا استووا استووا ، أما السنة فقد ماتت ، ماتت في كل بلاد الله - عز وجل - إلا في بعض الأماكن التي فيها بعض الغرباء ؛ فإننا نقرأ في السنة في الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان لا يكبِّر للصلاة إمامًا بالناس إلا بعد أن يقول : ( استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ) ، ويقول تارةً : ( لتسوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين قلوبكم ) ، ويقول لهذا تأخَّر ولذاك تقدَّم وهكذا ، كل هذه الأمور أصبحت ميِّتة حتى في المدينة المنورة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها في يبثُّ هذا النور إلى أصحابه ، وأولئك بدورهم نقلوه إلى مَن بعدهم حتى وصل إلينا وعمَّ مَن رَغِبَ في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعضَّ عليها بالنواجذ ؛ فلذلك يسر الإنسان القصير النظر والبصر حينما يجد الخيط ممدودًا في المسجد ، فالناس مربوطين في الخيط ولذلك ما بيرضوا يتقدموا أو يتأخروا ، لكن إذا فلت الخيط أو فُقِدَ فِلِت الصَّف واضطرب الصَّفُّ ، هكذا ينبغي أن يكون المسلم ؟! أبدًا ، المسلم وازعه من قلبه ينبع ، ليس هو يرتبط بخيط بسيط ، قد يكون هذا الخيط أحيانًا - أيضًا - مثل بعض الجدر القبلية في المساجد منحرفة عن سمت القبلة ، فيصلي عامة الناس إلى هذا الجدار متَّجهًا إلى القبلة أو منحرفًا عنها ، هذا كله من شُؤم الركود العقلي والفكري بسبب الجمود المنهجي التقليدي .

إذًا يجب أن لا نفرِّق في تسوية الصفوف بين الصلوات الخمس وبين صلاة الجنازة ؛ فإنها صلاة ، ولذلك هذا التابعي الفاضل أبو المليح نبَّه الناس ، بينما ظنَّ الراوي للحديث أنه كبَّر وإذا به يلتفت إليهم ويقول : " أقيموا صفوفكم ، سوُّوا صفوفكم " ، هذا هو الأمر الأول .

الأمر الثاني : قال منبِّها إلى ما كنتُ ذكرته لكم في الدرس الماضي من وجوب الإخلاص في الدُّعاء للميت حتى ينتفع الميت ، وحتى ربنا - عز وجل - يقبل دعاء وشفاعة الشافعين فيه الذين يصلون عليه ويدعون له ، هذا الدعاء كما فصَّلنا القول في الدرس الماضي من شروطه الإخلاص ، فهو يقول هنا : " ولتحسُنْ شفاعتكم " ، ما يكون ذلك كلامًا يخرج من أفواهكم ولمَّا يصل هذا الكلام إلى قلوبكم ويخرج من طريق أفواهكم ، هذه فائدة في هذا الحديث والحمد لله .

الحديث الذي بعده وهو الخامس حديث حسن ؛ قال : وعن مالك بن هبيرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( ما من مسلمٍ يموت فيصلِّي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب ) ، وكان مالك - يعني هذا الصحابي مالك بن هبيرة - إذا استقبل أهل الجنازة جزَّأهم ثلاثة صفوف لهذا الحديث . رواه أبو داود - واللفظ له - وابن ماجه والترمذي ، وقال : حديث حسن .

قوله : ( أوجب ) ؛ أي : وجبت له الجنة ، وهذا معنى معروف في الأحاديث كذاك الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : مرَّت جنازة برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فأثنوا عليها خيرًا ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( وجبت وجبت وجبت ) ، ثم مرَّت جنازة أخرى فأثنوا عليها شرًّا ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( وجبت وجبت وجبت ) . قالوا : يا رسول الله ، مرَّت الجنازة الأولى فقلت : ( وجبت وجبت وجبت ) ثلاثًا ، ثم مرَّت الأخرى فقلت : ( وجبت ) - أيضًا - ثلاث مرات ؛ يعني يسألون عن الفرق أو السبب لهذا القول قال : ( مرَّت الأولى فأثنيتم عليها خيرًا ؛ فوجبت لها الجنة ) ، من هنا جاء هذا المعنى الذي سمعتموه من المؤلف ، ( فوجبت ) الكلام الموجز ؛ أي : وجبت له الجنة ، الجنازة الأولى ( مرَّت فأثنيتم عليها خيرًا فوجبت لها الجنة ، ومرَّت الجنازة الأخرى فأثنيتم عليها شرًّا فوجبت لها النار ، أنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض ) ، وهذا الحديث له بحثٌ خاصٌّ كنا ذكرناه في بعض دروسنا السابقة ، إنما الشاهد الآن هنا : أن هؤلاء الذين قاموا بتشييع الجنازة ، ثم حضروا للصلاة عليها مهما كان عددهم قليلًا أو كثيرًا ؛ فينبغي أن يُجزَّؤوا إلى ثلاثة صفوف ، فالجنازة التي تُطبَّق فيها هذه السنة تستحقُّ بفضل الله - عز وجل - وتشريعه الخيِّر تُوجب الجنة لهذا المتوفى ، في هذا الحديث تعبير لطيف ؛ قال مالك قال : " وكان مالك إذا استقبل أهل الجنازة " قد يتبادر إلى الذهن المقصود بالأهل هنا الأقارب ، لكن لا ؛ المعنى أوسع من ذلك ؛ يعني القائمون بتشييع الجنازة سواء كانوا أقارب أو أباعد ؛ فهذول هنّ أهل الجنازة ، فمالك بن هبيرة هذا - رضي الله عنه - كان يجزِّئهم ثلاثة صفوف ، وكان يسوِّيهم تمامًا كما يسوُّون الصفوف لصلاة الفريضة ، هذا حديث حسن كما قلنا .

أما الحديث السادس وهو الرقم الأخير عندي ، وكذلك الحديث السابع في بعض الطبعات ؛ فكلاهما ضعيف .

بقي الحديث الأخير وهو قوله : روى ابن ماجه ، وهذا الحديث هو الحديث الوحيد الثابت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من قوله في الحضِّ على التعزية ، ولا يصح أيُّ شيء آخر في هذا الباب من قوله - عليه السلام - ، لكن هناك حديث آخر فيه تعزية من الرسول - عليه السلام - لرجل من الصحابة مات ابنٌ له ، سأذكر ذلك لكم - إن شاء الله - إن لم أنسَ كما نسيت هذه الأحاديث في هذه الليلة ، سأذكر لكم ذلك - إن شاء الله - في الدرس الآتي ، ونتعرَّض - أيضًا - لبعض الأحكام في التعزية وما دخل فيها من البدع المخالفة للسنة ، وبهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .

مواضيع متعلقة