حكم الحلف بغير الله - عز وجل - . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
حكم الحلف بغير الله - عز وجل - .
A-
A=
A+
السائل : هذه يعني كانت خلاصة الأسئلة حول الموضوع ، في أسئلة يعني فرعية كثيرة ، حنحاول - إن شاء الله - يعني نسأل الشيخ ما نستطيع .

في أحد الإخوة يقول : يزعم بعض الناس أن الحلف بغير الله جائز ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال للصحابة عندما انصرف أحد الصحابة بعد أن سأله عن الإسلام فقال الرسول : ( أفلح - وأبيه - إن صدق ) ، فاحتجوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني أنه حلف بغير الله ؛ فما رأيك في هذا ؟

الشيخ : هذا بالحقيقة من الناحية العلمية سؤال مهم من ناحيتين ؛ الأولى حديثيَّة ، والأخرى فقهيَّة . الناحية الحديثية أنُّو هذا الحديث جاء بعدة روايات ، جلُّها ليس فيها ( وأبيه ) ، إحداها فيها هذه الزيادة ( وأبيه ) ، ولما تتبَّعنا طرق هذا الحديث وجدنا أن زيادة ( وأبيه ) شاذَّة ، والحديث الشاذ عند علماء الحديث نوع من أنواع الحديث الضعيف ، والحديث الشاذ هو ما يرويه الثقة الضابط الحافظ مخالفًا لمن هو أحفظ منه وأوثق منه ، أو مخالف لمن هو أكثر عددًا منه ، وقد وجدنا في كثير من الأحاديث مثل هذه الزيادة يحكم عليها أهل العلم والنقد والمعرفة بعلم الجرح والتعديل بالشُّذوذ والمخالفة ، فيردُّون الزيادة ولو كانت من ثقة ؛ لأنه خالف من هو أوثق منه ، أو أكثر عددًا منه ، وهذه الزيادة من هذا القبيل ، ولها أمثلة كثيرة ، لا أطيل في ذكرها ، لكن لا بدَّ لي من ذكر أخرى منها من أجل الفائدة ، هذا الحديث في " صحيح مسلم " أو في " صحيح البخاري " - أنا أشك الآن - ، لكن هو في أحد " الصحيحين " ، وفي " الصحيحين " بدون ( وأبيه ) ؛ ( أفلح الرجل إن صدق ) ، ( دخل الجنة إن صدق ) ، ليس فيه : ( أفلح - وأبيه - إن صدق ) ، هذه كلمة ( وأبيه ) شاذَّة كما قلنا .

مثال آخر حديث : (( يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب ، وجوههم كالقمر ليلة البدر )) ، تحدَّث الرسول - عليه السلام - بهذا الحديث ، ثم دخل حجرته ، فأخذ الصحابة يتحدثون بعضهم مع بعض ، يتساءلون مَن يكون هؤلاء السَّبعون ألف الذين يدخلون الجنة بدون حساب وبدون عذاب ووجوههم كالقمر ليلة البدر ؟ منهم من يقول : مَن يكون هؤلاء إلا نحن الأنصار ، نحن المهاجرين ، الذين هاجروا في سبيل الله من مكة للمدينة ؟ منهم من يقول : نحن الأنصار الذين نصروا رسول الله في ساعة العسرة ، منهم من يقول : لا هؤلاء ولا هؤلاء ، وإنما هم أبناؤنا الذين يأتون من بعدنا ، يؤمنون بنبيِّنا ولم يروه ، وإذا بالرسول يخرج عليهم فيقول : ( هم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيَّرون ، وعلى ربهم يتوكَّلون ) ، هكذا جاء الحديث في " الصحيحين " من طرق كثيرة تنتهي إلى ابن عباس - رضي الله عنه - ، تفرَّد مسلم برواية زاد فيها ونقَّص فقال : ( هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ) ، الرواية الأولى : ( هم الذين لا يسترقون ) ، ولا يخفى عليكم معنى لا يسترقون ؛ أي : لا يطلبون الرقية من غيرهم ، أما لا يرقون بمعنى هم لا يرقون غيرهم ، مع أنُّو هذا ثابت في السنة ، الرسول كان يرقي الناس ، والرقية هذه هي يعني إنسان موجوع ، فيقرأ عليه الرجل الطَّيِّب الصَّالح آية من آيات الله ، أو دعاء من أدعية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيشفى أو قد يشفى بإذن الله ، وهذا أمر طيِّب ، وقد قال - عليه الصلاة والسلام - : ( من استطاع منكم أن ينفع أخاه ؛ فليفعل ) يعني بالرُّقية ، من لسعة أو لدغة العقرب أو نحو ذلك ، فجاء هذا الحديث سهوًا فيها هذه الزيادة ، قوله : ( الذين لا يرقون ولا يسترقون ) ، أما اللفظ الصحيح : ( الذين لا يسترقون ) ؛ أي : لا يطلبون الرقية من غيرهم ، وإنما يتوكَّلون على الله ، ( لا يسترقون ، ولا يكتوون ) - بالنار - ، ( ولا يتطيَّرون ، وعلى ربهم يتوكلون ) . الذي زاد كلمة ( يرقون ) مع ( لا يسترقون ) حذف كلمة : ( لا يتطيَّرون ) ، فتبيَّن من متابعة طرق هذا الحديث أن زيادة : ( لا يرقون ) في هذا الحديث زيادة شاذَّة ، إذا عرفنا الناحية الأولى في حديث : ( أفلح وأبيه ) من الناحية الحديثية أن هذه الزيادة ، أو هذا الحذف ، هذا القسم لم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، هذا هو ما يتعلَّق بالناحية الحديثية .

أما الناحية الفقهية ؛ فلو صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه حلف بغير الله ، وقد جاءت الأحاديث تترى يتابع بعضها بعضًا في النهي عن الحلف بغير الله ، فإذا جاءنا حديث صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وفيه أنه حلف بغير الله ؛ فالجواب - حينذاك - كما قلنا قريبًا في بعض البحوث العلمية : " إذا جاء حديثان صحيحان عن رسول الله أحدهما من فعله ، والآخر من قوله ؛ قُدِّم القول على الفعل " ، فلو صحَّ حديث ( وأبيه ) قُلنا : هذا فعل ، وهذا يمكن أن يكون خاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أما نحن فنأخذ تعليمه إيَّانا ؛ حيث قال : ( لا تحلفوا بآبائكم ، من كان منكم حالفًا ؛ فليحلف بالله أو ليصمت ) ، إذًا نأخذ بقوله الموجَّه الينا ، أما الفعل فنترك له لعل ذلك من خصوصياته - عليه الصلاة والسلام - .

ومثال واضح جدًّا لهذه القاعدة ؛ كلنا يعلم أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مات وتحت عصمته تسع نسوة ، تحت عصمته مات وتحت عصمته تسع نسوة ، بينما جاء في الحديث الصحيح أن رجلًا أسلم وتحته تسع نسوة ، فقال له : ( أمسك منهنَّ أربعًا ، وطلِّق سائرهنَّ ) ، الآن قد يُشكل الأمر على بعض الناس ؛ فيقول : كيف هذا والرسول مات وتحت عصمته تسع نسوة ؟ نقول : القاعدة إذا جاء فعل عن الرسول - عليه السلام - يخالف قوله ؛ فالقول تشريع للأمة ، والفعل قد يكون خصوصية له ، وفيما يتعلق بوفاة الرسول - عليه السلام - وتحته تسع نسوة أجمع العلماء على أنُّو هذه خصوصية له - عليه الصلاة والسلام - يتزوَّج من النساء ما شاء ، لما في ذلك من مصلحة نقل الدعوة من النساء من زوجات الرسول إلى نساء الصحابة ، وإلى الصحابة أنفسهم . هذه خصوصية .

كذلك يقال في كل حديث فيه أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - فعل كذا ، لكنه في حديث آخر نهى عن هذا الشيء الذي فعله ، نقول : نحن نأخذ بقوله ، وننترك فعله له ؛ لأنُّو هو له أحكام خاصة .

ومثال مشهور وعملي ويجب على الناس أن يكون على بيِّنة من أمره ؛ أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد جاء عنه في أكثر من حديث واحد ، " أنه شرب الماء قائمًا " ، شرب وهو قائم ، لكن جاء عنه في غير ما حديث صحيح ؛ " أنَّه نهى عن الشرب قائمًا " ، بل وفي رواية : " زجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الشُّرب قائمًا " ، بل جاء في حديث آخر أنه رأى رجلًا يشرب قائمُا قال له : ( يا فلان ؛ أترضى أن يشربَ معك الهرُّ ؟! ) ، قال : لا يا رسول الله . قال : ( فقد شرب معك من هو شَرٌّ من الهرِّ ؛ الشيطان ؛ قِئْ قِئْ ) ، إذًا هذا الحديث وذاك ينهى عن الشرب قائمًا ، مع أنه ثبت أنه شرب قائمًا ، هل هناك من تعارض ؟ الجواب : لا . خذ القاعدة وامشِ واسترِحْ ، القول تشريع لنا ، فعله إذا جاء مخالفًا لقوله ما يكون تشريعًا لنا ، يكون خصوصية له أو لعذرٍ له ، وهكذا الأمثلة في هذا المجال كثيرة وكثيرة جدًّا ؛ فإذًا الحلف بغير الله لا يجوز مطلقًا ، مهما كان المحلوف به عظيمًا ، وليس - بعد الله - عندنا أعظم من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ مع ذلك لا يجوز لنا أن نحلف به ، وإنما نحلف بخالقه وبربِّه - تبارك وتعالى - .

أما هذا الحديث ؛ فجوابه من الناحية الحديثية لا يصحُّ ؛ لأنه شاذ ، ولو صح ؛ فهو أمرٌ خاصٌّ ، ونحن نأخذ الحكم من قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لا تحلفوا بآبائكم ، من كان منكم حالفًا ؛ فليحلف بالله أو ليصمت ) .

مواضيع متعلقة