الرَّدُّ على من يعيبون الإسلام بأنه غير صالح للوقت الحالي ، وهل يتجدَّد الإسلام مع تجدد العصور ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الرَّدُّ على من يعيبون الإسلام بأنه غير صالح للوقت الحالي ، وهل يتجدَّد الإسلام مع تجدد العصور ؟
A-
A=
A+
السائل : يقول : نجد بعض من الناس يعبِّرون أو يعيبون الإسلام بأنه غير صالح للوقت الحالي ، فهل يتجدَّد الإسلام مع تجدد العصور ؟ وهل يحتاج الى مجدِّدين ؟

الشيخ : الإسلام لا يصحُّ أن نعبِّر عنه بأنه يتجدَّد مع العصور ، ولكن العصور تتمشَّى مع الإسلام الثابت على الأصول ؛ ذلك لأنه تنزيل من حكيم عليم ، فهو - تبارك وتعالى - أنزل القرآن ، وجعله خاتم الكتب ، وجعل دينه خاتم الأديان ، فجعله بطبيعته - إذا صحَّ التعبير - صالحًا لكل زمان ومكان ، فالإسلام ثابت والعصور هي التي تتطوَّر مع الإسلام ، أو هي التي يجب أن تتطوَّر مع الإسلام ، ويستحيل أن يبقى شيء في هذه الدنيا لا يمكن تطويره مع حكم الإسلام الذي جاء في الكتاب أو في السنة ، وما يصرِّح به بعض الناس أو بعض الكُتَّاب اليوم من أن الإسلام تتطوَّر وتتغيَّر أحكامه مع تغيُّر الزمان والمكان ؛ فهذا يجب أن نعلمَ قبل كلِّ شيء أنه ليس حديثًا نبويًّا ، ثم ليست قاعدة فقهية قديمة ، وإنما هي حديثة ، ثم هي مع ذلك ليست على إطلاقها وعمومها وشمولها ، أحكام الإسلام تتغيَّر مع الزمان والمكان ؛ هذا الكلام بهذا الإطلاق العام ما أنزل الله به من سلطان ، وإنما إذا أردنا أن نُوجد له معنًى صحيحًا ؛ فإنما يكون ذلك بتقييده بأن نقول : الأحكام التي جاء بها العلماء استنباطًا منهم واجتهادًا منهم من القرآن والسنة ؛ هذه الأحكام هي التي يمكن أن تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان ، وهذا معناه أن الزمن يأتي فيما بعد فيكشف أن ذلك الحكم الذي صدر اجتهادًا من بعض العلماء سابقًا ، دلَّ الواقع الآن أنه لا يصلح تطبيقه ، ولا يجوز الأخذ به ؛ لأن الزمان اختلف .

ولعل من المفيد أن أقصَّ لكم هذه القصة التي وقعت لي في بعض تجوالاتي في سبيل الدعوة في شمال سوريا ؛ لما فيها أوَّلًا من صلة قوية بهذا الموضوع ؛ من أنَّ الأحكام التي تتغيَّر هي التي قالها بعض العلماء باجتهادهم ، ولما فيها - أيضًا - من بيان لصلاحية الدعوة السلفية ، وأنه لا حياة للأمة الاسلامية إلا على ضوئها وعلى منهجها ، سافرت سفرةً فنزلت بلدةً ، واجتمع فيها يعني حشد كبير من أهل العلم والفضل ، وفيهم مفتي تلك البلدة ، وبلا شك كان اسمي سبق شخصي إلى تلك البلدة ، ولكن هذا الاسم يأتي إلى الناس مقرونًا بكثير من الأكاذيب والافتراءات ، هذا إذا قلنا بأن الناس يكذبون عمدًا ؛ هنا اعرف أن بعضهم يسيئون فهمًا ، فيكون بعض الناس ينقلون عنَّا خلاف ما نقول بسوء فهمهم ، المهم بعدما استقرَّ بنا المقام قام المفتي ، ورحَّب وسهَّل ، ونحو ذلك من الكلمات التي يتعاطاها الناس عادةً مجاملةً وترحيبًا بالقادم ، ثم قال : بلغنا أنك تدَّعي الاجتهاد ، وهنا بقى القصة تقريبًا معروفة عندكم ، فقلنا له : نحن لا ندَّعي الاجتهاد ، وإنما ندَّعي الاتباع لكل إمام من أئمة المسلمين من كان معه الدليل من الكتاب والسنة ، فنحن معه لا نتعصَّب لواحد منهم دون الآخرين ، فنحن لسنا مقلِّدين ، ولا نحن مجتهدين الاجتهاد الذي اجتهدَه الأئمة ، لأنهم أغنونا عن ذاك الاجتهاد ، ثم جرى النقاش والحديث سجالًا بيننا وبينه ، أخيرًا - وهنا الشاهد - قلت له - وهو مفتي البلدة - : ما رأيكم بالنسبة للأحكام التي تحدث في هذا الزمن ولا نجد عليها جوابًا من الفقهاء المتقدمين ، قال : مثلًا ؟ قلت له : ما قولك بالصلاة بالطائرة وهي طائرة ما بين السماء والأرض ؛ تجوز ؟ قال : تجوز . قلت له : ما الدليل ؟ قال : قياسًا على الصلاة في السفينة . هذا كلام علمي صحيح لكن خلاف مذهبه ، ولذلك قلت له : قولك - يا فضيلة الشيخ - قياسًا على السفينة هذا هو الاجتهاد الذي أنت تنهى عنه ، وأنت تعلم بأن الأدلة عند علماء الأصول ؛ القرآن ، والسنة ، والاجماع ، والقياس ، والقياس آخر الأدلة الثلاثة ، آخر الأدلة الأربعة ، وهو أدقُّها وأكثرها خطرًا وزحلقةً عن الصواب ؛ فكيف أنت استطعتَ أن تقيس وأنت تدَّعي أوَّلًا تحريم الاجتهاد ، والمنع من الاجتهاد ، ثم تُلزم الناس أن يتقيَّدوا بفتاوى العلماء وها أنت خالفت المنهجين ؟! خالفت الاجتهاد الذي تُحاربه ، ثم خرجت عن التقليد الذي تؤيِّده ، فمن سبقك بهذه الفتوى ؟! قال : ما سبقني أحد ؛ لأن هذه مسألة جديدة . قلت : هذا الذي أريده ؛ كلمة جديدة ؛ لا بد إذًا من الاجتهاد . لسَّا بعد ما جاء الشاهد ! وهناك العبرة ! قلت له : ومن العجب أنك أصبت الصواب في قياسك الصلاة في الطائرة على السفينة من حيث أخطأت المذهب ! قال : كيف ذلك ؟ - هنا انتبهوا بقى كيف تتغيَّر الأحكام ! - . قلت : جاء في " شرح الرافعي الكبير " : " لو أن رجلًا صلى في أرجوحة " معروفة الأرجوحة عندكم ؟

السائل : نعم .

الشيخ : الذي تذهب وتجيء هكذا الأطفال الصغار بالأعياد . قالوا : " لو أن رجلًا صلى في أرجوحة ليست معلَّقة بالسقف ، ولا مدعمة من الأرض ؛ فصلاته باطلة ! " . قلت له : هذ الطيارة بعينها ! " أرجوحة لا هي معلَّقة بالسقف ، ولا مدعمة من الأرض ، تخيَّلوا الفقهاء سابقًا من جملة ما تخيَّلوا ، ففرضوا هذه الصورة ، وأجابوا بأنَّ من صلَّى بمثل هذه الأرجوحة ؛ أن الصلاة باطلة ؛ فكيف أنت تقول بأن الصلاة في الطائرة صحيحة ؟ وهَيْ هَيْ الأرجوحة التي يعني تخيَّلوها في أذهانهم ، قال : أنا ما رأيت هذا النص . قلت : عليك به في " شرح الرافعي الكبير " المطبوع مع كتاب " المجموع " للإمام النووي .

الشاهد هنا ؛ انظروا لو أنَّ هذا الفقيه وقف على هذا النَّصِّ المتعلِّق بالأرجوحة الخياليَّة لَما استطاع أن يُفتي بتلك الفتوى ، بصحة صلاة المصلي بالطائرة ، ولَقال أن هذه الصلاة باطلة ، لكن لا يستطيع أن يقول بهذا إطلاقًا ، لأن الزمن يفرض عليه أن يقول بالقياس الذي ذهب إليه ، وهذا هو الحق ، ... لكم أن الإسلام لا يمكن أبدًا أن يتماشى مع الزمان ومع المكان إلا بنصوصه وأصوله ، وليس بآراء المجتهدين ، هذه الآراء هي التي يمكن أن يُقال فيها تتغيَّر حسب الزمان وحسب المكان .

السائل : جزاك الله خير .

مواضيع متعلقة