الرَّدَّ في إطلاق كلمة الشهيد . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الرَّدَّ في إطلاق كلمة الشهيد .
A-
A=
A+
السائل : السائل يسأل : هل يُطلق على فلان شهيد أو استشهد في سبيل الله ؟

الشيخ : الشهيد في الإسلام - يا إخواننا الكرام - له حالتان ، إما أن تكون شهادته حقيقية ، وإما أن تكون شهادته حُكميَّة وليست حقيقية ، الشهادة شهادتان ، الشهادة الأولى هو القتيل من المسلمين يقع شهيدًا في المعركة وهو يقاتل في سبيل الله ، فهذا هو الشهيد حقيقة ، وهذا له أحكام معروفة في الإسلام ؛ فهو لا يُغسل ولا يُكفَّن ، ويُدفن في ثيابه التي تضمَّخت بالدماء الزكية ، ويُدفن في المكان الذي وقع فيه صريعًا ، هذه أحكام خاصة بالشهيد في المعركة .

ثم هناك شهادة حكميَّة ، ولا يترتَّب من ورائها شيء من هذه الأحكام المتعلقة بالشهادة أو الشهيد الحقيقي ، هذا النوع من الشهادة - وهي الشهادة الحكمية - إنما تُؤخذ بطبيعة الحال من ما حكم الشارع الحكيم بأن من اتَّصف بكذا ؛ فهو شهيد ، مثلًا يقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - : (من مات دون ماله ؛ فهو شهيد ، ومن مات دون دمه ؛ فهو شهيد ، ومن مات دون أرضه ؛ فهو شهيد ) ، (من قتله بطنه ؛ فهو شهيد ) ، (من قُتل بالغرق أو الهدم ؛ فهو شهيد ) ، ( من قتل بداء السِّلِّ ؛ فهو شهيد ) ، (المرأة الجمعاء تموت في نُفاسها ؛ فهي شهيدة ) ، هذه بعض النماذج مما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أطلق عليه اسم شهيد ، ومع ذلك فالعلماء مُجمعون على أن هذا الإطلاق لا يُعطيه فضيلة الشهيد حقيقةً الذي مات في المعركة ، وإنما هو من باب التَّقريب في الفضل ؛ يعني هؤلاء الذين أطلق عليهم الرسول - عليه السلام - أنهم أو أن كل واحد منهم شهيد له فضل لا يساويه في ذلك سائر الناس ، الذين لا يموتون في حالة من هذه الأحوال ، لكن في الوقت نفسه لا يأخذون حكم الشهيد الحقيقي الذي مات في ساحة المعركة .

إذا أخذنا رجلًا انكبَّ في خدمة الإسلام منذ نعومة أظفاره إلى أن جاءه اليقين من ربِّه فمات ، لا شك أنُّو هذا مات في نوع من الجهاد في سبيل الله ، ولكن هل جاء في الإسلام إطلاق اسم شهيد على مثل هذا الإنسان ؟ الجواب لأ ، على الرَّغم من عظمة عمله ؛ لأنو الرسول - عليه السلام يقول - مثلًا - : ( جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم ) ، ( جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم ) ، فهذا الذي يؤلِّف المقالات ، أو يطبع الرسالات في الرد على الكفار المشركين ؛ هذا نوع من الجهاد بلا شك ، هذا الذي يُساعد هؤلاء بماله ؛ فهو - أيضًا - نوع من الجهاد في سبيل الله - عز وجل - ، لكن لا يُسمَّى شرعًا إذا مات - والحالة هذه - إنه شهيد ، ذلك لأن الشهادة حكم شرعي لا يجوز إطلاقه على كلِّ من جاهد في سبيل الله نوعًا من أنواع الجهاد ، وإنما هو الوقوف مع النص .

نحن نضرب لكم - مثلًا - برجل قلَّما ولدت النساء مثله في الجهاد بالمعنى العام ؛ ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية ، ويكفيكم أنه مات في السجن محبوسًا ظلمًا وعدوانًا ؛ لأنه كان يصدع بالحق ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، فأرونا أيَّ كتاب من كتب علماء المسلمين الذين يُترجمون لهذا الرجل ويبيِّنون أنه كان أمة واحدة وصفوه بابن تيمية الشهيد ، الشهيد ابن تيمية !

الحق - والحق أقول - إن هذه الكلمة أصبحت اليوم مُبتذلة ، إلى درجة نَضحك نحن من بعض الناس أنُّو رجل قتل آخر ظلمًا وبغيًا وعدوانًا ، فيأتي أخر فيقتل القاتل ، وإذا بهذا القاتل الذي صار قتيلًا ، وأخذ جزاءه في الدنيا حينما يُحمل على النعش وعلى الرؤوس ؛ تسمع الناس يقولون : " والشهيد حبيب الله " ! فأصبحت الشهادة كلمة مبذولة . عنَّا في سوريا كان شاعت قصة رجل في الحرب مع اليهود اسمه " جورج جمال " ، يمكن سمعتم باسمه ، هذا رجل نصراني ، وأصبح بين الناس حتى المسلمين لجهلهم وضلالهم وبُعدهم عن الإسلام ، الشهيد جورج جمال ، وحتى أُطلق اسمه على مدرسة ولافتة كبيرة " مدرسة الشهيد جورج جمال " ؛ ما الذي سوّغ هذا الانحراف البالغ في إطلاق هذا الاسم حتى على الكافر ؟ تساهلنا نحن في استعمال هذه الكلمة ، حتى أدخلنا فيها أو تحتها أيَّ معنًى له يعني منزلته في الإسلام ، هذا لا يجوز إسلاميًّا ، يجب أن نقف كما قال - تعالى - : (( وتلك حدود الله )) فلا تتعدُّوها ، مش كدا الآية ؟

السائل : (( فلا تعتدوها )) .

الشيخ : (( فلا تعتدوها ومن يتعدَّ حدود الله فأولئك هم الظالمون )) .

فنحن إذًا - خاصة الكلام - لا نُطلق لقب أو اسم الشهيد إلا على ما جاء في السنة بأنه شهيد مهما كان عمله عظيمًا ، كما ضربنا لكم مثلًا بهذا الرجل العظيم ؛ ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية الذي مات وهو سجين ، لا نقول عنه إنه شهيد ، وإن كنَّا نريد أن نُطلق هذه الكلمة على بعض الناس من الأبطال الذي أبلوا بلاء حسنًا في سبيل خدمة الإسلام ومحاربة أعداء الإسلام ؛ لَقلنا الشهيد ابن تيمية ، ولكن حاشا لله أن نعظِّم الناس بألفاظ ما جاء الإذن لنا في شريعة الله - عز وجل - أن نستعملها ! وفي ذلك عبرة لمن يعتبر وذكرى لمن يتذكَّر .

مواضيع متعلقة