ما حكم وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع ؟
A-
A=
A+
السائل : ما حكم وضع اليدين على الصدر بعد الركوع ؟

الشيخ : وضع اليدين بعد الركوع في القيام القصير هذا لم يرد حديث صحيح صريح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه وضع اليمنى على اليسرى بعد أن رفع رأسه من الركوع ، ولذلك فهذا القول لا يُعرف ، أو بالأحرى لا يثبت عن أحد من السلف الصالح ولا التابعين ولا أتباعهم ، وفيهم الأئمة الأربعة المجتهدون ، لا يُعرف عنهم رواية ثابتة ومُتداولة في كتب أتباعهم الذين يروُون عنهم أقوالهم وفتاويهم أن أحدًا منهم قال بأن وضع اليدين بعد الركوع سُنَّة ، كما هو الشأن في وضعهما قبل الركوع ، ليس هناك أيُّ حديث ، ولو جاء الحديث صحيحًا وصريحًا لَسارعنا إليه ؛ لأن الأئمة كلهم أجمعوا على قولهم : " إذا صح الحديث ؛ فهو مذهبي " ، ولكن بعض العلماء المتأخرين يتمسَّكون بحديث في " سنن النسائي " من حديث وائل بن حجر قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا قام في الصلاة وضع اليمنى على اليسرى " ، فأخذوا من قول الراوي في هذا الحديث : " إذا قام في الصلاة " ، قام في الصلاة بلا شك من الناحية العربية يشمل القيام الأول والقيام الثاني ؛ لأنه حينما يرفع رأسه من الركوع يظلُّ قائمًا ، ففهمَ من هذا الحديث أن هذا القيام الثاني فيه وضع - أيضًا - لليدين كما هو الشأن في القيام الأول .

ولكن هناك من علماء الأصول - أصول الفقه - قواعد وضوابط وضعوها لكي لا يلتبسَ الأمر على طالب العلم ، إذا جاء حديث بتعبير - بدنا نتكلَّم الآن يعني ببعض المصطلحات الفقهية ، ولا بد أنُّو فيكم - إن شاء الله - طلَّاب علم أقوياء ، فسيفهمون علينا - بإذن الله - ما نقوله من هذه الحيثيَّة - ، إذا جاء حديث مطلق في بعض الروايات ثم جاء مقيَّدًا في رواية أخرى ؛ فلا يجوز أن نأخذ من الحديث الأول المطلق على إطلاقه ، وإنما نأخذه مقيَّدًا بالحديث الثاني الذي فيه تقييد للحديث الأول ، هذا بلا شك من قرأ علم أصول الفقه يفهمه منِّي ، ولكن سأوضِّحه ببعض الأمثلة ، وبما يتعلق بنفس الصلاة ، بل ما يتعلق بنفس وضع اليدين ، لاحظوا أنُّو هنا حديث وائل " كان إذا قام في الصلاة " ، فذكر القيام في الصلاة ، انظروا الآن في حديث آخر في " صحيح البخاري " من حديث سهل بن سعد الساعدي قال : " كانوا يُؤمرون بوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة " ، ما ذكر القيام ؟ فهنا الصلاة مطلقة ، فيدخل فيها غير القيام - أيضًا - ، مثلًا أنت جالس بين السجدتين ، فأنت في صلاة ، وحديث البخاري يقول : " كانوا يُؤمرون بوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة " ، فأنت جالس بين السجدتين في الصلاة ؛ فهل تضع اليدين هكذا بين السجدتين ؟ الجواب لا ، لم ؟ مع أنَّ الحديث مطلق ، يشمل القيام ، ويشمل القعود الذي ليس فيه سنة ، أنا ما قلت التشهد ؛ لأنُّو في التشهد في عنَّا أحاديث أن الرسول كان إذا جلس للتشهد وضع اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى ، لكن أقول : بين السجدتين ليس هناك سنَّة نصَّت على هيئة خاصة لليدين ؛ فلماذا لا يضعون اليمنى على اليسرى بين السجدتين إعمالًا لمطلق قوله في حديث سهل " في الصلاة " ؟ ما ذكر القيام !

كذلك في حديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في " صحيح ابن حبان " : ( إنا - معشر الأنبياء - أُمرنا بثلاث ؛ بأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ) ، كمان ما ذكر القيام ، قال في الصلاة ، ( وبتعجيل الفطور ، وتأخير السحور ) ، هذه ثلاثة أشياء ، أُمرنا بوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ، ما أحد يقول أنه يُشرع أن نضع اليدين في الصلاة ونحن في غير القيام . كذلك مثلًا في هناك سجدة - عفوًا - جلسة هي التي يسمِّيها فقهاء الشافعية وغيرهم بجلسة الاستراحة ، يعني إذا انتهيت من السجدة الثانية في الركعة الأولى ، وأردت أن تنهضَ إلى الركعة الثانية لا تنهض فورًا ، وإنما تجلس جلسة خفيفة ، فلا تفعل هكذا ثم تقوم ، مع أنُّو الحديثين هدول بيقولوا في الصلاة ، ما قالوا في القيام ، ما هو جوابهم عن هذين الحديثين ؟ قالوا : نقول في الصلاة يعني في قيام الصلاة ؛ ليه ؟ لأنه قيِّدت الصلاة بأحاديث الوضع الأخرى بالقيام ، وهذا هو الجواب العلمي الصحيح .

إذًا لنقول ، فلنقل في حديث وائل بن حجر : " كان إذا قام في الصلاة " نقول القيام الأول ، مُش هذا قيام مطلق ؛ لم ؟ لأنه جاء بيانه في حديث وائل بن حجر في " صحيح مسلم " ، روى مسلم في " صحيحه " عن وائل بن حجر أنه لما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه والوقت بارد في الشتاء ، فرأى الرسول - عليه السلام - يصلي وعليه ثوب ، ويرفع يديه حينما دخل في الصلاة قال : الله أكبر ورفع يديه تحت الثوب ، ووضع اليمنى على اليسرى ، ثم ذكر ، ثم ركع ، ثم رفع رأسه من الركوع ، وقال سمع الله لمن حمده ، ثم سجد ، فنجد في هذا الحديث وهو يتابع وصفَ صلاة الرسول - عليه السلام - ، فنجد في هذا الحديث أمرين اثنين :

أولًا : قيَّد القيام الذي ذكر في الحديث الأول بأنه القيام الأول . ثانيًا : لما جاء لذكر القيام الثاني بعد الركوع ، ما ذكر هذاك الوضع الذي فهموه من الحديث المطلق في لفظة القيام .

إذًا قوله - عليه الصلاة والسلام - ، قول الراوي عن الرسول - عليه السلام - أنه " كان إذا قام في الصلاة " قام هنا يعني القيام الأول ؛ ليه ؟ لأنُّو الأحاديث يفسِّر بعضها بعضًا ، فكما فسرنا حديث سهل بن سعد أنهم كانوا يؤمرون بوضع اليمنى على اليسرى ، وحديث الأنبياء أمروا بوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ، فسَّرنا الصلاة هنا في القيام ؛ أي في الصلاة قيامًا ، كذلك نفسِّر القيام المذكور في حديث وائل كان إذا قام في الصلاة بالقيام الأول ، يُفسِّر بعضها بعضًا ، وهذا له أمثلة كثيرة جدًّا في الأحاديث النبوية .

أنهي الكلام بمثال أخير ، هناك حديث في " سنن أبي داود " و " مسند الإمام أحمد " وغيره عن أنس بن مالك قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُشير في الصلاة " ، إذًا ممكن أنا أجمع فأقول هذه سنة ، ثم أعمل هكذا أشير ، ما أحد يقول بهذا ؛ لم ؟ لأن هذا الحديث جاء بيان الإشارة وين ، وهذا ما سأتابعه ، جاء حديث عبد الله بن عمر في " صحيح مسلم " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في الصَّلاة أشار بإصبعه ، جلسنا في الصلاة - مثلًا - بين السجدتين ، يشير ؟ لأ ، جلسة الاستراحة يشير ؟ لأ ، مع أنه يقول إذا جلس في الصلاة ، فالجلوس هنا مطلق ، ما أحد يقول بهذا ، لم ؟ لأنه جاء بيان هالإشارة في روايات أخرى في " صحيح مسلم " وغيره قال : كان إذا جلس في التشهد في الصلاة ، فقيَّد الجلسة بالتشهد .

إذًا الإشارة وين تكون ؟ في التشهد ، ماذا فعلنا بالأحاديث التي لم تذكر جلسة التشهد ، وإنما أطلقت الجلوس ، حملنا المُطلق على المقيَّد ، كذلك نحمل مطلق القيام في حديث وائل : " كان إذا قام " على القيام المقيد في حديث مسلم ، وبذلك يتبيَّن أن الذي ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو الوضع في القيام الأول ، وهذا هو السبب أنَّه لا نجد في بطون علماء المسلمين قاطبة من الأئمة الأربعة وغيرهم رواية ثابتة عن أحدهم ؛ أن من السنة وضع اليمنى على اليسرى في القيام الثاني .

مواضيع متعلقة