حكم من ينكر الأسماء والصِّفات ويزهد في تعلُّمها . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
حكم من ينكر الأسماء والصِّفات ويزهد في تعلُّمها .
A-
A=
A+
السائل : إن شاء الله نبدأ في نقاش ... - إن شاء الله - في هيك موضوع ، ثم بعد ذلك نترك النقاش إلى الإخوة .

السؤال الذي أودُّ أن أطرحه : قبل شهور - شيخ - وقفَ رجلٌ في أحد مساجد الكويت فقال : إن توحيد الأسماء والصفات قال لم يكن موجود في القرون الثلاثة الأولى الفضيلة ، وقال - أيضًا - : إن قضيَّة الأسماء والصفات لا ينبني عليها أيُّ أعمال ، وقال - أيضًا - : أنها قضايا فلسفية بحتة ، وعلم كلام ، وحمل حملة شديدة على دعاة التوحيد ، وزعم أنهم يأخذون ردود أهل السنة والجماعة على الفلاسفة ويجعلونها هي التوحيد ، وضرب مثال على ذلك " العقيدة الواسطية " لابن تيمية و " شرح العقيدة الطحاوية " ؛ فقال : هذه ردود أهل السنة والجماعة على الفلاسفة ، وهي لا يُمكن أن يتعلَّمها الإنسان ببساطة ، وتحتاج إلى مدرِّس ، بينما كان الصحابي يأتي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيتعلم منه العقيدة الإسلامية في خمسة دقائق ، فقال : لا أدري كيف أوحِّد أن لله يد ؟!

الشيخ : نعم .

السائل : قال : الله خبير لطيف نعم ، لكن له يد ، لا أدري كيف أوحِّد الله في اليد ؟ ماذا يهمُّني الله في السماء أو في كل مكان ؟ فقضيَّة الأسماء والصفات ، توحيد الأسماء والصفات ؛ هل عرفه السلف الصالح - الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن معه - كما نعرفه اليوم بهذه الدِّقَّة ، أو أنه - كما يزعم هذا المحاضر - يمرُّونها - هذه النصوص - كما جاءت ؛ أي : لا يقفون عليها ويتأمَّلون معانيها ؟

الشيخ : إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) ، (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالًا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا )) ، (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا )) ، أما بعد :

فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه و آله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :

فالذي ينبغي أن نُلاحظه بالنسبة لهذه المشكلة التي أثارها ذلك المحاضر المشار إليه ، هي الوقوف نصوص الكتاب والسنة على الوجه الذي فهمه السلف الصالح - رضي الله عنهم - أم على الوجه الذي فهمه الخلف ؟ إن هذا المحاضر لا يقول قولًا لم يُسبقه إليه - فيما أعتقد وأجزم به - رجلٌ من علماء السلف ولا من علماء الخلف ، ذلك لأنَّ الفريقين كلاهما متَّفقٌ على أن آيات الله - تبارك وتعالى - يجب أن نفهمَها ، سواء ما كان منها متعلِّقًا بالله - تبارك وتعالى - أسمائه وصفاته ، أو ما كان منها متعلِّقًا بأحكامه وآياته ، أو غير ذلك من أمور الشريعة التي اجتمعت في كتاب الله وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - . ليس هناك من أهل العلم من يقول بأنه ينبغي ألَّا نفهم آيةً من آيات الله ! كيف وربنا - عز وجل - يقول : (( أفَلا يَتَدَبرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )) ؟ فإنَّ محاولة فهم القرآن وبالتالي فهم سنَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه لا خلاف فيه بين الفريقين السلف منهم والخلف ، وإنما الخلاف هل تُفهم نصوص الكتاب والسنة على ظاهرها دون تأويلٍ وتشبيه ، أم تُفهم على طريق التأويل مع التَّنزيه المُجمع عليه بين الفريقين ؟ هذا هو الخلاف ، ولذلك فالرجل حينما يقول ما أشار إليه حضرة السائل إنما يكون قولًا لم يقله من قبله رجلٌ عالمٌ مسلم ، وحسبه - في اعتقادي - وعيدًا قول ربنا - تبارك وتعالى - : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )) . هذا الوعيد الشديد ينصبُّ على كلِّ من يسلك سبيلًا في الشَّرع يخالف سبيل المؤمنين ، ولا شك أن سبيل المؤمنين هذا هو سبيل السلف الصالح ، لإجماع الأمة على أن السلف الصالح هم الذين أثنى الله - تبارك وتعالى - ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - عليه بالخيرية ، ولذلك هؤلاء السلف جَرَوا على فهم آيات الله وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلِّها ، ومن ذلك ما يتعلَّق بصفات الله - عز وجل - وأسمائه الحسنى . أما أنَّ السلف هم خير القرون ؛ ما أظنُّ أنَّ أحدًا بحاجة إلى أن يُذكَّر بشيء من ذلك ، ولكني أريد أن أذكِّر بأن السلف الصالح - رضي الله عنهم - قد فهموا الآيات والأحاديث الواردة في أسماء الله وصفاته كما يفهمها معشر السلفيين الذين ينتمون إلى هذا السلف الصالح ، فسَّروها وفهموها على ظاهرها ، مع التنزيه الذي يفرضه ربنا - عز وجل - في مثل قوله : (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )) .

كلُّ أحدٍ يعلم أن هذه الآية ، أن هذه السورة ، وفيها هذه الآيات القصار المباركة الطيبة فيها توحيد لله - عز وجل - في أسمائه وفي صفاته ، فمن ذا الذي يجرُؤ أن يقول إن السلف الصالح لم يفهموا معنى الله أحد ، الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوًا أحد ؟ بطبيعة الحال سيكون الجواب لا ، ما أحد يدَّعي هذه الدعوى ، لكني أتَّخذ هذه الكلمة مقدمةً لأقول : من الذي يجرؤ أن يقول بأن السلف لم يبحثوا هذه السورة مطلقًا ، ومرُّوا عليها هكذا مرَّ الكرام ولم يقفوا عندها ، ولم يبنوا عليها عقيدةً صادقةً صحيحة ، وهي أن الله - عز وجل - أحدٌ لا شريك له ، وهو أحدٌ في ذاته ، وأحدٌ في أسمائه ، وأحدٌ في صفاته وفي عبادته - تبارك وتعالى - ؟

هذه السورة جاء القرآن الكريم في بيان مفردات هذه الآيات جملةً جملةً ، فالقول بأن السلف الصالح ما وقفوا عند هذه الآيات إن كان المقصود بها ما وقفوا عنده لظهور معناها ، ولوضوح المقصود منها ؛ فهذا أمرٌ لا شك فيه ولا ريب ، وكذلك نقول في كلِّ الآيات التي قام الخلاف في تفسيرها بين الَّذين ينتمون إلى السلف الصالح أمثالنا ، وبين الآخرين الذين ينتمون إلى الخلف ، والذين يقولون - مع الأسف الشَّديد بكل صراحة - : " إن مذهب السلف أسلم ، ومذهب الخلف أحكم وأعلم " .

لكن هناك طائفة أخرى ليسوا من هؤلاء ولا من هؤلاء ، وقد كثرت أتباع هذه الطَّائفة في الزمن الحاضر فرارًا من قيام الحجَّة عليهم ، هذه الطائفة سمَّاها أتباع السلف بـ " الواقفة " ، وهم الذين يقفون عند آيات الصفات وأحاديث الصفات ، لا يصرِّحون بأنهم مع السلف في تفسيرها تفسيرًا واضحًا دون تأويل مع التَّنزيه ، ولا يصرِّحون بأنهم مع الخلف على طريقتهم في التأويل ، أما عدم وقوفهم مع السلف الصالح ؛ فذلك لغلبة التحزُّب عليهم ، ولاستكبارهم عن اتِّباع الحق بعد وضوحه مع الذين يدعون المسلمين إلى اتباع السلف الصالح في كل شيءٍ ، وبخاصَّةٍ منها ما كان متعلقًا بأسماء الله وصفاته - تبارك وتعالى - ، ولا يقولون ولا يذهبون إلى ما ذهب إليه الخلف ؛ لأنهم قد اتضح لهم أن هذه الكلمة - " أن مذهب الخلف أعلم وأحكم " - كلامٌ باطل وزور لا يقولوه ذو عقلٍ ولبٍّ ؛ لأننا نعلم جميعًا سلفًا وخلفًا أن على رأس قائمة السلف الصالح هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكيف يُمكن لمسلم يدري ما يخرج من فمه أن يقول : " إن طريقة السلف وعلى رأسها محمد - صلى الله عليه وسلم - أسلم ، لكن طريقة الخلف أعلم وأحكم " ؟!

في ذلك تصريح بتفضيل ما عليه الخلف على ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم من السلف الصالح - أعني القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية - .

لقد جاء في كتاب " الأسماء والصفات " للإمام أبي بكر البيهقي ؛ روى عن أم سلمة تلك العبارة التي اشتهرت فيما بعد منسوبةً إلى الإمام مالك بن أنس - إمام دار الهجرة - أنَّه لما سُئل - رحمه الله - عن قوله - تبارك وتعالى - : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ )) ، كيف استوى ؟ قال : " الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنده بدعة " . قال مالك : " أخرجوا الرجل - يعني السائل - ؛ فإنه مبتدع " ، أصل هذه الكلمة التي صحَّت عن إمام دار الهجرة إنما هي عن أمِّ سلمة - رضي الله تعالى عنها - ؛ فقد روى البيهقي - كما قلت آنفًا - أن أم سلمة قالت : " الاستواء معلوم ، والكيف مجهول " ، فإذًا كيف يجوز لإنسان عنده علم - أما من لا علم عنده ؛ فيقول ما شاء له هواه ونفسه الأمَّارة بالسوء - ؛ كيف يمكن لإنسان عنده شيء من العلم ، ويخشى الله - عز وجل - ، ولا يقف ما ليس له بعلم أن يقول : إن السلف لم يفسِّروا هذه الآيات ، وإنما مرُّوا بها مرَّ الكرام - كما يقال - ؟!

هذا مع ما فيه - مما أشرت إليه آنفًا - من نسبة عدم تفكُّر الصحابة وتدبُّرهم للقرآن ، وبخاصَّة ما يتعلق من هذا القرآن بالذي أنزل القرآن - سبحانه وتعالى - ، كيف يقال بعد ثبوت مثل هذه الروايات عن السلف عن أم سلمة ، وعن الإمام مالك ، فضلًا عن غيرهم ممن ساق أقوالهم الحاكم المشهور ؛ ألا وهو الإمام الذهبي في كتابه الذي سمَّاه " العلو للعلي الغفار " ، أو للعلي العظيم ، الذي كنت اختصرتُه منذ بضع سنين ، فقد ذكر هناك الآثار - بعد أن ذكر الآيات والأحاديث - الآثار عن الصحابة ، ثم عن التابعين ، ثم أتباعهم ، ثم هكذا ، ثم العلماء الذي جاؤوا من بعدهم إلى عصر الإمام الذهبي ، وهو أول القرن الثامن الهجري ، ذكرَ الآثار ، وكلُّهم فيها يذهبون إلى تفسير الآيات وتفسير الأحاديث تفسيرًا لا غلوَّ فيها إطلاقًا ، مع التمسك بمبدأ قوله - تبارك وتعالى - : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) ، من تلك الآثار الأثرين الذين ذكرناهما آنفًا عن أم سلمة ، وعن الإمام مالك - رحمه الله - ؛ أن الاستواء معلوم - أي : لغةً - ، لكن الكيف مجهول ، وهذا هو مذهب السلف ، وهذا ما أقول من نفس الآية السابقة : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) ، هذا ينكر كيفية ، (( وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) معلوم السمع والبصر عند كلِّ رجلٍ عربي .

ومن عجائب تناقض هؤلاء الواقفة - الذي هم ليسوا من السلف ولا من الخلف - ؛ أنهم يقفون عند بعض النُّقاط التي كانوا يُرى فيها الخلاف بين أهل الحديث والسنة من جهة ، وبين المعتزلة من جهة أخرى ، ثم تأسَّى بهؤلاء المعتزلة بعض المنتمين إلى أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية ؛ نسوا أن السلف قالوا بالتنزيه وبالإثبات ، إعمالًا لهذه الآية ، إنما نَسُوا أنَّه لا فرق بين إثبات الصفات التي وقع الخلاف بين أهل الحديث والأشاعرة ، وبين الصفات الأخرى التي اجتمع الفريقان أهلُ الحديث والأشاعرة وأمثالهم على إثباتها ؛ كمثل صفة السمع والبصر ، لا يتحرَّجون ، وحُقَّ لهم ذلك ، وهذه عقيدة السلف من أن يقولوا إن لله - عز وجل - صفة السمع ، وصفة البصر ؛ فما الفرق بين هاتين الصفتين الثابتتين في الآية وبين أيِّ صفةٍ أخرى من الصفات الواردة في القرآن الكريم ؟ كاليد مثلًا التي ذكرها على سبيل المثال الأخ السائل ، وبين استواء الرحمن على عرشه - تبارك وتعالى - ، وبين صفة المجيء ((وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا )) ، ما الفرق بين الإيمان بهاتين الصفتين - صفة السمع والبصر - ، فضلًا عن الصفات الأخرى ؛ صفة الحياة ، وصفة الإرادة ، والقدرة ، ونحو ذلك ، يؤمنون معنا نحن - معشر السلفيين - ، ونحن تبعًا للسلف الصالح ، يؤمنون بهذه الصفات ، ولا يجدون في ذلك حرجًا في نفوسهم ، وهو الإيمان حقًا ، ولكن لا لماذا لا يطرِّدون هذا المبدأ من الإيمان بكلِّ صفةٍ جاء ذكرها في الكتاب أو في السنة بدون تكييف ؟ فهم حينما آمنوا بصفة السمع والبصر ؛ قالوا سمعًا ليس كسمعنا ، وبصرًا ليس كبصرنا ، فما الذي حالَ بينهم وبين أن يقولوا استواءً ليس كاستوائنا ، ونزولًا ليس كنزولنا ، ويدًا ليس كيدنا ، وهكذا يقال طردًا لكل آيات وأحاديث الصفات ، نؤمن بها كما جاءت دون تكييف ودون تأويل ، نؤمن بها كما جاءت لا جهلًا بها ، وإنما نؤمن بها علمًا بها ؛ لأن الله - عز وجل - أنزل هذه الآيات بلغة القرآن ، هذه اللغة التي أنزل بها كلَّ أحكام الشريعة ، وبها فهمناها ، كذلك نفهم أمور الغيب كلَّها بهذه اللغة ، ولكن دون تشبيه أو تمثيل .

أما القول إن البحث في ذات الله - عز وجل - صفات وأسماء أن هذا من الأمور التي حدثت فيما بعد ، وأنما ذلك من فلسفة علماء الفلسفة ؛ فهذا أمرٌ عجيب جدًّا ، ربنا - عز وجل - يقول : (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )) ، فسَّر العلماء كلمة يعبدون بالمعنى الظاهر ؛ ليقوموا بحقِّ عبادته وحده لا شريك له ، لكن بعضهم ذكر تفسيرًا آخر فقال : ليعرفوني ، وما خلقت الجن والإنس إلا ليعرفوني ، وهذا المعنى لا يُخالف بوجهٍ من الوجوه معنى الأول ؛ لأن عبادة الله - تبارك وتعالى -حقًّا لا يمكن أن يتحقَّق بها في نفس المؤمن إلا إذا عرف الله - عز وجل - حقَّ معرفته ، وذلك بطبيعة الحال لا يُمكن الوصول إلى هذه المعرفة إلا بطريق الكتاب والسنة ، ذلك لأن الله - عز وجل - ذكر في أوَّل سورة البقرة الشرط الأول بالنسبة للمؤمنين حقًّا حينما قال : (( الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )) ، بعد الإيمان بالغيب ذكر الصلاة والزكاة ونحو ذلك ، فقال : (( الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )) ، ونحن إذا رجعنا إلى كتب التفسير لَوجدناهم مُجمعين على تفصيل الغيب هنا بأنه كلُّ ما غاب عن عقلك ؛ أي عن أن يدركه عقلك ، فذلك هو من الغيب الذي يجب الإيمان به بشرطٍ واحد ، وهو أن يكون ممَّا جاء في كتاب الله ، أو ممَّا جاء في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا صحيحًا .

ومما لا شك فيه أن الله - تبارك وتعالى - هو غيب الغيوب ، ولذلك يقول العلماء : إن كل ما خطر في بالك فالله - عز وجل - بخلاف ذلك ، يقولون هذا ؛ لأنه غيب لا ندركه ، كما قال - تعالى - : (( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ )) ، ولما كان الأمر كذلك ؛ فلا يجوز أن نقفَ عند الإيمان بهذا الغيب - الذي قلنا عنه تقريبًا للأذهان بأنه غيب الغيوب - إلا في حدود ما عرَّفنا الله - عز وجل - به بنفسه في آيات كتابه ، وفي أحاديث نبيِّه - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وممَّا لا شكَّ فيه ولا ريب أن تعريف الله - عز وجل - لعباده لنفسه كان بهذه اللغة - كما أشرت آنفًا - التي بها فهمنا شريعة الله كلَّها ، فيجب أن نفهم كذلك الله - عز وجل - في صفاته كما فهمنا بنفس الطريقة آيات الأحكام والأخلاق ونحو ذلك .

والسلف - كما قلنا - ما خرجوا عن هذه القاعدة ، إنهم فسَّروا القرآن على ما يفهمه كل عربي ، وهذا هو المقصود ببعض العبارات التي تُنقل عن بعض السلف كسفيان بن عيينة وغيره ؛ حينما يقولون : " أمرُّوها كما جاءت " ، لا يعنون أمرُّوها كما جاءت بدون فهم ، وإنما أمرُّوها كما جاءت بدون تأويل ؛ لأن المعنى فيها واضح كما ضربنا مثلًا آنفًا بصفة السمع والبصر ، فلا ينبغي أن نقف ههنا ونتأوَّل كما فعل بعض غلاة المعتزلة ، قد لا يعلم بعض هؤلاء المتأخرين ممَّن خرجوا عن السلف وعن الخلف في وقوفهم أمام الجهل المطبق تجاه آيات الله وأحاديث رسول الله المتعلقة بالصفات ، قد لا يعلم هؤلاء أن بعض المعتزلة فسَّروا الآية السابقة (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) ، قالوا : (( السَّمِيعُ البَصِيرُ )) يعني العليم ، وهذا المثال يوضِّح لإخواننا الحاضرين ما معنى كلمة تعطيل الصفات ؛ أي إنكارها ، ولا يكون إنكارها بطبيعة الحال إلا بطريق التعطيل ممن ينتمي إلى الإسلام ، وهو التأويل ، فلما قالت المعتزلة : (( وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) أي : العليم ؛ فقد وضح لكلِّ من كان عنده علم أن هذا إنكار لصفة السمع والبصر . ولماذا أنكر المعتزلة هاتين الصفتين ؟ للسبب الذي يُنكره المتأوِّلة بكثيرٍ من آيات الصفات ؛ كالاستواء ، واليد ، ونحو ذلك مما أشرنا إليه آنفًا ، ما هو هذا السبب ؟ قالت المعتزلة : إذا قلنا بأن لله سمعًا ؛ فقد شبَّهناه بنا ، وإذا قلنا بأن لله بصرًا فقد شبَّهناه بنا ، فلذلك نحن نقول - يعني المعتزلة - : أن الله لا يُوصف بأنه سميع ، وبأنه بصير ، وإنما المقصود من هذه الآية في هاتين الصفتين أنه عليم .

ما الذي استفاده المعتزلة بهذا التأويل ؟ هو نفسه الذي استفاده المتأوِّلة بتآويلهم الكثيرة ، وهو في الحقيقة لا شيء ، ذلك لأنهم حين قالوا (( السَّمِيعُ البَصِيرُ )) العليم ، فنحن اليوم نقول : فلان عليم ، والله - عز وجل - حكى عن يوسف - عليه السلام - حين قال لعزيز مصر : (( اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ )) ؛ فما الذي استفاده المعتزلة من هذا التأويل لتلك الآية المباركة (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) ، حينما قالوا لا سمع ولا بصر ، وإنما المعنى عليم ؟ ما استفادوا شيئًا ؛ لأن هذه الصفة - أيضًا - مما يُوصف بها المخلوق . إذًا ما المخرج ؟ المخرج هو التزام النَّصِّ القرآني بتنزيهه وإثباته ؛ (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) هذا هو التنزيه ، (( وَهُوَ السمِيعُ البَصِيرُ )) العليم في الآية الأخرى ، فنقول هو السَّميع ، لكن سمعه ليس كسمعنا ، البصير بصره ليس كبصرنا ، علمه ليس كعلمنا ، ويكفي أن نقول إنُّو هو الخالق لهذه المخلوقات بما فيها من سمع وبصر ، كما قال : (( فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا )) ، لكن كلُّ أحد يعلم أن سمع هذا المخلوق الأول - وهو آدم عليه الصلاة والسلام ، الذي وصفه الله نفسه بأنه جعله سميعًا بصيرًا - ؛ كلنا نعلم أن سمعه وبصره مُحدث ، وأن المحدث كلَّه لا يشبه الخالق - سبحانه وتعالى - ، ولذلك فالحقُّ الذي يجب على المسلم أن يُؤمن به أوَّلًا ، ويستريح به من فتنة التَّشبيه والتعطيل الذي وقع فيه المعتزلة قديمًا ، ثم تبعَه بعض مَن ينتمي إلى السُّنَّة من الأشاعرة والماتريدية ، هو الجمع بني التنزيه وبين الإثبات ، لأنه لا مفرَّ لأيِّ شخصٍ أو لأيِّ طائفةٍ من أن تُثبت لله - عز وجل - ولو بعض الصفات ، ومهما أثبت لله - عز وجل - من صفة ؛ فسيجد هذه الصفة موجودة في خلق الله - تبارك وتعالى - ، فنحن نقول دبر كل صلاة مثلًا آية الكرسي الحي القيوم ، وها نحن الآن أحياء ، هل إذا قلنا نحن أحياء ؛ معنى ذلك أننا شبَّهنا أنفسنا في صفة الحياة بحياة الله - عز وجل - ، وهي أزلية لا أوَّل لها ولا خالق لها ، بل هو كائن حيث لا شيء كما جاء في الأحاديث الصحيحة ؟ لا أحد يخطر في باله أبدًا مثل هذه الشبهة إلا على طريقة هؤلاء المعطِّلة التي أدَّت بهم إلى أن يُنكروا حقائق واقعية بسبب انحرافهم عن الشريعة الإسلامية كتابًا وسنَّة ، وبالأحرى انحرافهم عن منهج السلف الصالح . هؤلاء يلزمهم أن يقولوا أحد شيئين على طريقتهم في إنكار المعتزلة لصفة السمع والبصر ، وطريقة إنكار الأشاعرة وأمثالهم في صفة النزول والمجيء والاستواء ونحو ذلك ، يجب أن يقولوا عن شيئين :

- نحن الأحياء لسنا بأحياء ؛ لماذا ؟ لأننا إذا قلنا : أنا حيٌّ وأنت حيٌّ صار في مشاركة مع الحيِّ - سبحانه وتعالى - القيوم ، وهل يقول إنسان هذا ؟ لكي ينزِّه الله - عز وجل - عن مشابه للحوادث ، لا تلازم بين الأمرين أبدًا ، ولذلك هم لم يقعوا في هذه الطَّامَّة ، لم يقل أحدٌ منهم نحن لسنا أحياء ، وإنما يقولون حياتنا ليست كحياته - تبارك وتعالى - ، حياته ذاتيَّة ، وحياتنا مكتسبة بخلقه - تبارك وتعالى - .

- أو أن يقولوا - وهي أطمُّ - ما دمنا نحن أحياء ؛ فالله ليس بحيٍّ ؛ لأنُّو بصير في تشبيه ، لا هذا بالذي يلزم أن يقوله الإنسان ، وما وقعوا في مثل هذه الطامة الكبرى أبدًا ، لكن قالوا ما يُشابهها تمامًا ، وتأمَّلوا معي تجدون الأمر بهذا الوضوح التام ، ما الفرق بين أن نقول الإنسان حيٌّ ، والله حيٌّ ؛ لكن حياة الله ليست كحياتنا ، وهذه بدهية ، وما الفرق بين أن يقول الإنسان الله سميع وبصير ، لكن ليس كسمعنا وبصرنا ؟ هذا مثل هذا تمامًا ، لأنه وضعنا التنزيه ثم أثبتنا (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) ، ما الفرق إذًا بين أن نقول استوى لا كاستوائنا ، ويجيء لا كمجيئنا ، وينزل لا كنزولنا ؟! وما معنى حينئذٍ أن السلف لم يفهموا معنى ينزل الله في كلِّ ليلة في الثلث الأخير إلى السماء الدنيا ؟ من يقول أن السلف لم يفهموا هذا ؟ السلف فهموا وآمنوا كما قال - تعالى - : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) .

وانظروا ما فعل الأشاعرة والماتريدية في صفةٍ من هذه الصفات التي أثبتها السلف ، ونحن معهم في ذلك طبعًا ، إنهم فعلوا كما فعلت المعتزلة ، المعتزلة فسَّرت السمع والبصر بما علمتم أنه العلم ، فقيل لهم ما فعلتم شيئًا ؛ لأن البشر يوصف - أيضًا - بأنه عليم ، فماذا يقولون لها ؟ علم الله ليس كعلم هؤلاء ؛ إذًا خلِّيكم مع النص ، قولوا سمع الله ليس كسمع البشر ، وبصره كذلك ، أي : المتأخِّرون من الأشاعرة فعلوا نحو هذا ، ماذا قالوا ؟ كلُّكم يعلم أنهم فسَّروا آية الاستواء (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، (( ثمَّ استوى على العرشِ )) بالاستيلاء ، هذا تعرفونه ، لكن لعلَّ كثيرين منكم ما عرفوا الإيراد الذي وردَ عليهم ، وبماذا تخلَّصوا من الإيراد ؟ قيل لهم يا جماعة أنتم فسَّرتم الاستواء المذكور في الآية بالاستيلاء فرارًا من التشبيه ؛ لأنكم تزعمون أننا إذا قلنا (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) فيه تشبيه لله - عز وجل - بالملوك ، فقلتم استولى ، فما فررتم منه وقعتم فيه ، وفيما هو أفظع منه ؛ لأن كلمة " استولى " تفيد أنه سبق على الله - عز وجل - ولو لحظة من الزمن أنه كان مغلوبًا على أمره ، غير مستولٍ على ملكه ، ثم استولى ، هذا أخطر بكثير مما تتوهَّمونه من تفسير آية استوى استواءً يليق بجلاله وكماله ؛ فماذا قالوا ؟ قالوا : لأ ، نحن قول : استوى بمعنى استولى مع سحب معنى المغالبة ، يعني المعنى الذي فسَّروا به النص القرآني بزعمهم فرارًا من التشبيه رجعوا عنه ، لأنُّو إذا قيل فلان استولى على كذا معناه أنه استولى مغالبةً ، فهم يقولون : لأ ، نحن نسحب كلمة أو معنى مغالبة ، فلم يبق بيدهم شيء ! فلو أنهم بقوا على الآية كما جرى السلف ، وكما علمتم آنفًا من الآثرين (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، أي : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، فلو بقوا على هذا المعنى لَكان خيرًا لهم من ذلك التأويل الذي سرعان ما كفروا به ورجعوا عنه ، مع ذلك لا يزالون يجادلون حتى اليوم بالباطل ، ويقولون : لأ نحن ما نقول استوى ؛ لأنها في ظاهرها أنُّو في تشبيه ، طيب ماذا تقولون ؟ وُجد بسبب هذا التأويل الذي ظهر بطلانه وُجد طائفة سمُّوا أنفسهم ، أو سمَّاهم غيرهم بـ " الواقفة " ، لا هم مع السلف ولا هم مع الخلف ، وظني أن هذا المُحاضر المشار إليه هو من هؤلاء الناس ، لذلك الحقيقة - كما قال العلماء المحقِّقون من مثل ابن تيمية وابن قيم الجوزية وأمثالهما - ؛ " أن مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم " ، كلُّه خير ، كما قيل :

" وكل خير في اتباع من سلف *** وكل شرٍّ في ابتداع من خلف "

وهذا نحن نلمسه لمس اليد .

انظروا الآن حينما نثبت الصفات كلها الإلهية بماذا يتهمُّوننا ؟ بأننا نشبِّه ربنا - عز وجل - بالمخلوقات ، ونحن نقول يا جماعة اتقوا الله ، نحن نقول كما قال الله معلِّمًا لنا : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) ، (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) وهو يجيء وينزل ، واستوى على العرش ، ونحو ذلك ، (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) ؛ فإذًا هم يتَّهموننا اتهامًا ! وهذا من آثار التحزُّب على خلاف مذهب السلف الصالح ، لكن انظروا الآن كيف هم يُلزمون أنفسهم بالضلال والانحراف عن الشريعة ، حينما يستسلمون لمذهب الخلف في التأويل ، حينما تأتي آيات الاستواء والفوقيَّة والنزول ونحو ذلك من الآيات التي أثبت بها الإمام الذهبي صفة العلوِّ لله - عز وجل - ، هؤلاء الخلف يُنكرون هذه الحقائق الشرعية كلها ، فيقولون الله - عز وجل - لا يُوصف بأنه فوق ، وبالتالي لا يُوصف بأنه تحت ، وقد صرَّحوا بالنفي المطلق ، فقالوا الله لا فوق ، ولا تحت ، ولا يمين ، ولا يسار ، ولا أمام ، ولا خلف ، لا داخل العالم ، ولا خارجه ، وزاد بعضهم - كما يقال " ضغثًا على إبَّالة " - : لا متَّصلًا به ولا منفصلًا عنه ! أبالله عليكم ، ولا يُسأل بالله إلا الأمر العظيم ؛ قولوا لي : لو قيل لإنسان من أفصح العرب بيانًا صِفْ لنا المعزول الذي لا وجود له ، هل يستطيع أن يصفَه بأكثر مما يصف هؤلاء معبودهم ؟ حيث يقولون فيه : الله لا فوق ولا تحت ، لا يمين ولا يسار ، لا أمام ولا خلف ، لا داخل العالم ، ولا خارجه ؛ إيش بقي ؟! لم يبقى إلا العدم . وزاد بعضهم - كما سمعتم - : لا متصلًا به ، ولا منفصلًا عنه !

ولذلك انتبه إلى خطورة هذا النفي أحد الأمراء الأذكياء ، حينما شهد مناقشةً بين أحد كبار علماء السلف ، وبين كثير من مشايخ الخلف ، فتناقشوا بين يديه ، هذا السَّلفي يثبت لله - عز وجل - صفة الفوقية بآيات كثيرة لستم بحاجة إلى أن نتلوها عليكم ؛ كمثل : (( يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )) ، فلما سمع إثبات هذه الشيخ السَّلفي ، ونفي أولئك بمثل ما سمعتم ؛ قال كلمةً تدلُّ على كياسته وعقله ، قال : هؤلاء قومٌ أضاعوا ربَّهم ! هؤلاء قومٌ أضاعوا ربَّهم ! هاللِّي بيقول على ربه : لا فوق ولا تحت ، ولا يمين ولا يسار ، لا داخل العالم ولا خارجه ؛ لا شك أنهم جهلوا معبودهم ! ومن هنا يظهر لكم كيف يمكن للمسلم أن يؤمن بالله وهو ينزِّهه بزعمه أن يكون داخل العالم أو خارجه ؟ ليس هناك إلا شيء مخلوق أو غير مخلوق ... ، وحينئذٍ هذا الخالق ؛ إما أن يكون داخل العالم ، أو يكون خارج العالم ، فإذا قيل هو لا داخل العالم ولا خارجه ؛ فقد حكموا عليه بالإعدام ، ولذلك قال ذلك الأمير الكيِّس : هؤلاء قومٌ أضاعوا ربَّهم ! وهذه حقيقة نحن نعرفها ونسمعها هنا في بلاد الشام على المنابر ، هذه الكلمة المُنكرة لوجود الله - عز وجل - ، سمعتها على المنبر مرارًا يلقِّنون عامة المسلمين هذه الصفة لله - عز وجل - ، وهي السَّلب ، والجحد المطلق ، وصدق من قال : " المجسِّم يعبد صنمًا ، والمعطِّل يعبد عدمًا " ! " المجسِّم يعبد صنمًا ، والمعطِّل يعبد عدمًا " ! من المعطِّل ؟ هو الذي ينكر الصفات الإلهية ، فهذا الذي يقول فرارًا في زعمه من التشبيه ومن التجسيم ، يقول : الله لا فوق ولا تحت ، إلى آخر الضلالة الكبرى التي سمعتموها ، هذا خيرٌ منه ذلك المجسِّم - وكلاهما في ضلال ! - ، أقول خيرًا منه لأنه أثبت شيئًا يعبده ، أما هذا المعطِّل فقد أنكر وجود الله - تبارك وتعالى - ، ووصفه بصفةٍ لا يمكن لإنسان يؤمن بوجود الخالق حقيقةً إلا أن يعتقدَ أنه أحد شيئين ؛ إما أن يكون داخل العالم ، وإما أن يكون خارجه .

والنصوص من الكتاب والسنة كلُّها جاءت متضافرة تثبت أن الله - عز وجل - له صفة العلوِّ ، ونحن نعلم بأن المسلمين جميعًا متَّفقون على حقيقة ، وإن كان يُختلف في تفاصيلها كما نحن الآن ، إن لله - عز وجل - كلَّ صفات الكمال ، وهو منزَّه عن كل صفات النقص ، فتعالوا لنفكِّر الآن فيما يعتقده السلف من أن الله - عز وجل - كما قال : (( عَلَى العَرشِ استَوَى )) ، ووصف عباده المؤمنين بأنهم (( يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ )) ؛ فله صفة الفوقية ، أما هؤلاء فهم يقولون ما سمعتم من النفي المطلق ، بعضهم تبيَّن لهم هذا الضلال الواضح الميسَّر ، ففرُّوا إلى ضلالةٍ أخرى ، لما قالوا لا يُوصف بأنه داخل العالم ولا خارجه ، تبيَّن لهم أنُّو هذا يساوي الله لا وجود له ! لأنو هذا الوجود إما أن يكون في هذا الوجود المخلوق ، أو يكون وجود مستقل منفصل تمامًا عن هذا الوجود المخلوق ، تبيَّن لهم أنُّو حين يقول أولئك أنه لا داخل العالم ولا خارجه ؛ هذا كلام باطل عقلًا فضلًا عن أن يكون باطل شرعًا ! فماذا جاؤوا بحلِّ ؟ هذا الحلُّ تسمعونه اليوم في كل مكان ، في كل مجالس ، على غير مناسبة ، أو بمناسبة تسمعهم يقولون : " الله موجود في كل وجود " ، " الله موجود في كل مكان " ، هذه عقيدة المسلمين الموجودين اليوم ممَّن يُعرفون بأنهم أهل السنة .

الذي ذكرناه آنفًا عقيدة بعض علماء الكلام ، لكن انكشف بطلانها ، فسقطت من أصلها ، لكنهم لجؤوا إلى ضلالات أخرى ؛ فقالوا : " الله موجود في كل مكان ! " ، كيف الله موجود في كل مكان ، وأنتم أنكرتم أن يكون الله فوق المخلوقات كلها بزعم أننا إذا قلنا إن الله فوق المخلوقات كلها بيكون جعلناه في مكان ؟! هَيْ شبهة منهم ، والشبهة الثانية بيكون جسَّمناه ، وكلٌّ من الشُّبهتين باطل ، ذلك أن الشُّبهة الأولى ، وهي أننا إذا قلنا الله - عز وجل - فوق المخلوقات كلها ، إذا قلنا بزعمهم جعلناه في مكان - وهو زعم باطل ، كما سأبيِّن إن شاء الله - ؛ فقولهم : إن الله موجود في كل مكان أضلُّ سبيلًا ممن يقول أن الله - عز وجل - فوق المخلوقات كلها ، لأن كلمة " كل مكان " تشمل الأمكنة الطاهرة والأمكنة القذرة ، تشمل الأماكن التي فيها الخمَّارات والبارات والمراقص والمجاري و و إلى آخره ، فإذا أنتم أبيتم أن تقولوا معنا إن الله - عز وجل - فوق المخلوقات كلها بزعم أنَّنا جعلناه في مكان ؛ فكيف رضيتم بأنفسكم أن تجعلوه في كلِّ مكان حتى هذه الأمكنة القذرة ؟! لما تتبيَّن لهم هذه الضلالة - وهي بيِّنة والحمد لله - يعودون فيقولون : لا ، نحن ما نقصد أن الله - عز وجل - بذاته في كل مكان وإنما نقول علمه في كل مكان ، نقول حسنًا أن الله بعلمه في كل مكان ، هذه عقيدة صحيحة وسلفية ، ولذلك جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهم - في تفسير الآية التي قد يلجأ إليها بعض هؤلاء المتأوِّلة بإنكاره صفة الفوقية ، وهي قوله - تعالى - : (( وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) - عفوًا - (( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ )) ، صحَّ عن ابن عباس أنه فسَّرها : " وهو معكم بعلمه " ، فإذا قالوا : نحن ما قصدنا أنه في مكان بذاته ، وإنما بعلمه ، نقول : هذا التفسير صحيح ، وهذه العقيدة صحيحة ؛ أي : إن الله - تبارك وتعالى - مع مخلوقاته كلها بعلمه ، لكن نعود فنسأل سؤال أوضح من السابق ، وهو الله - تبارك وتعالى - بذاته ؛ أين هو يا معشر المتأوِّلة ؟ بل يا معشر المتعطِّلة ؟ بل يا معشر الواقفة ؟ الذين تقولون البحث في هذه العقيدة هذا ضلال وانحراف و و نحو ذلك من الكلمات ؟ ستجدهم حيارى ! لا تسمع منهم جوابًا ! بعد أن خلَّصوا أنفسهم بالتأويل ، حين قالوا : نحن نعني أن الله موجود في كل مكان بعمله ، حسن ، لكن يعود السؤال ، وكثيرًا ما نصنِّف السؤال كالآتي ؛ حتى يتَّضح ضلال الجماعة وانحرافها عن الشَّريعة ، الله الذي تعبده يا مسلم ، هذا الله الذي تعبده موجود أم مفقود ؟

انظروا السؤال الآن ليس فيه صفة من صفات الله ، وإنما سؤال عن ذات الله الذي اتَّصف بكل صفات الكمال ، هل الله الذي تعبده موجود أم مفقود ؟ سيكون الجواب بداهةً موجود ، أعوذ بالله ! إيش السؤال هذا ؟! حسن ، هذا الله الذي تعبده - وهو موجود يقينًا - أين هو ؟ الآن هنا لا تسمع الجواب ، لم ؟ لأنه لا يستطيع أن يقول : الله في كل مكان ، بعد أن أوضحنا له ضلالة هذا الجواب ، ولذلك اضطرُّوا إلى القول بأن الله بعلمه في كل مكان ، لكننا أعدنا عليهم السؤال بطريقة أخرى ؛ بحيث أنُّو حصرنا السؤال في ذات الله - عز وجل - الذي له كل صفات الكمال ، لا تسمع منهم جوبًا ، لم ؟ لأنهم كفروا بآيات الله لا بألفاظها ، لا تجد مسلمًا - وهذه حقيقة يجب أن يعلمها إخواننا السلفيون في كل بلاد الدنيا - ؛ لا تجد مسلمًا مهما كان عميقًا في الضَّلال يُنكر آية من القرآن الكريم ، لأنُّو حينذاك يخرج من الملة ، وليس له علاقة بهذا الإسلام إطلاقًا ، ولكن كثيرين منهم يُنكرون عشرات النصوص من القرآن ، فضلًا عن السنة بطريق التأويل الذي هو التَّعطيل ، من أجل ذلك وقعوا في الجحد المطلق ، كما سمعتم أن المعطِّل يعبد عدمًا ، لا يقولون جواب السؤال السابق الله فوق السموات كلها لماذا ؟ مع أنُّو الجواب نقرؤه في كلِّ ليلة خاصة نحن أهل السنة الذين نحافظ على الأوراد الواردة عن الرسول ، ومن ذلك أنه كان لا ينام في كل ليلة إلا بعد أن يقرأ سورة تبارك ، في سورة تبارك ربنا - عز وجل - يقول : (( أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ )) ، كيف تقول : تُسأل أين الله ؟ فتسكت ؛ ما قرأت هذه الآية ؟ نعم يا إخواننا قرؤوا هذه الآية ، لكن حرَّفوها ، غيَّروا معناها ، تدرون ماذا قالوا ؟ (( أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) ، يعني ملائكة الله ، هذا هو التأويل الذي هو يُشابه تمامًا الإنكار المطلق ، هو عم يقول : (( أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) أنتم بتقولون يعني ملائكة الله ؟ أتينا لهم بحديث مشهور على الألسنة - وهو ثابت والحمد لله - ( ارحموا من في الأرض ؛ يرحَمْكم من في السماء ) ، من هو الذي في السماء ؟ كمان ملائكة الله !!

كلُّ هذا تحريف لعشرات بل مئات النصوص ، لماذا يا جماعة ؟ لو كان الأمر يعني في شيء لائق محرز بمثل هذا التأويل ؛ لَقلنا والله حُقَّ لهم ، لكن أيُّ شيء يستفيدونه من التأويل بعد أن عرفتم أنه حينما يؤوِّلون النصوص يقولون : لأ ، نحن لا نريد المعنى السَّيِّئ من هذا التأويل كما سمعتم في مسألة الاستواء قالوا : الاستعلاء ! الاستيلاء معناه في مغالبة ، لأ سحبنا كلمة المغالبة ، إذًا ما فعلتم شيئًا ، ما أوَّلتم ، بقيت الآية كما هي ، بقينا نحن مع الآية : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) فسَّرها السلف أبو العالية وغيره كما في " صحيح البخاري " : " استعلى " ، علوًّا منزَّهًا عن مشابهة الحوادث ، انتهى الأمر ، فهنا تجدون هؤلاء الناس لا يُجيبون على ذاك السؤال بجواب من القرآن الكريم (( أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) ، لماذا ؟ تأوَّلوا هذا ، وتأوَّلوا ذاك ، فهم يعيشون في دوَّامة من التأويل لا يصلون بها إلى معرفة ربِّ العالمين - تبارك وتعالى - ، ولكننا إذا رجعنا إلى السلف الصالح لَوجدنا جارية قد تكون أعجميَّة ، وقد تكون سوداء ، وأقول : قد تكون أعجمية ، وقد تكون سوداء ؛ لأن بعض الروايات التي جاء فيها أنها كانت أعجميَّة وكانت سوداء لا تصح ، لكن ممكن تكون كذلك ، لكنها امرأةٌ رقيقة وراعية غنم تجدها في هذه العقيدة أفقه من كبار العلماء ، هؤلاء المتأوِّلين مثل أمثال الماتريدية والأشاعرة ، فلعلَّكم تذكرون معي قصَّة هذه الجارية التي كان سيِّدها معاوية بن الحكم السلمي ، هو يروي قصَّته بنفسه ، وفيها عبر ، منها ما نحن بصدده ، قال معاوية : صلَّيت يومًا وراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فعطسَ رجلٌ بجانبي في الصلاة ، فقلت له : يرحمك الله ، فنظروا إليَّ فرفعت صوتي قائلًا : واثكل أمِّياه ! ما لكم تنظرون إليَّ ؟ واضح جدًّا أن الرجل حديث عهد بالإسلام ، وما تعلَّم ما يجوز له من الكلام في الصلاة ، وما لا يجوز ، فقال : فأخذوا ضربًا على أفخاذهم تسكيتًا له ، قال : فلمَّا قضى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة أقبل إليَّ ، تصوَّرو بقى وضع هذا الإنسان بعد أن تجلَّى له أنه أخطأ خطأً فاحشًا في الصلاة أنه سيؤنِّبه ، إن كان ما سبَّه أو ما ظلمه ، هكذا يتصوَّر مثل هذا الرجل ، وهكذا يقع اليوم مع الأسف ، لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي وصفه الله - عز وجل - بحق لقوله : (( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )) لم يحقِّق ما قد يكون جالَ في بال هذا الإنسان ، قال : فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة أقبل إليَّ ، فوالله ما قهرَني ، ولا كهرَني ، ولا ضربَني ، ولا شتمَني ، وإنما قال لي : ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس ، إنما هي تسبيحٌ وتكبيرٌ وتحميدٌ ) ، هذا كل ما وعظَه به الرسول - عليه السلام - تلقاء تلك الخطيئة التي وقعت منه في الصلاة .

ولا شك أن الإنسان العاقل حينما يبتلى بمعلِّم مرشد ذو خلق عظيم يطمع بأن يتعلَّم من جديد ، بعد أن عرف أنه في جهلٍ عميق ، فاهتبلها فرصة ، وأخذ يسأل الرسول - عليه السلام - السؤال تلو السؤال ، فسأله قالًا : يا رسول الله ، إنَّ منا أقوامًا يأتون الكهَّان . قال : ( فلا تأتوهم ) . قال : إن منَّا أقوامًا يتطيَّرون . قال : ( فلا يصدَّنَّكم ) . قال : إنَّ منَّا أقوامًا يخطُّون بالرمل . قال - عليه الصلاة والسلام - : ( قد كان نبيٌّ من الأنبياء يخطُّ ، فمن وافق خطُّه خطَّه ؛ فذاكَ ) . فقال : يا رسول الله - وهنا الشاهد - إنِّي لي جارية ترعي لي غنمًا في أُحُد ، فسطا الذِّئب يومًا على غنمي ، وأنا بشرٌ أغضب كما يغضب البشر ، فصكَكْتُها صكَّةً ، وعليَّ عتق رقبة . كأنه يقول يعني : هل يجزئني ؟ - هو اعترف بخطئه - هل يجزئني أن أعتقها ؟ قال : ( اِيتِ بها ) . فلما جاءت قال لها - عليه الصلاة والسلام - : ( أين الله ؟ ) ؛ أجابت ، ما احتارت كما يحتار المؤوِّلة ، ( أين الله ؟ ) . قالت : في السماء . قال لها : (من أنا ؟ ) . قالت : أنت رسول الله . قال لسيِّدها : (اعتِقْها ؛ فإنها مؤمنة ) . أنا أقول : هذه امرأة جارية ترعى الغنم ، والمطلوب في راعية الغنم أن تكونَ جاهلة ، لكنِّي أعتقد أن هذه المرأة عاشت في جوّ مسلم خالص لم لا ؟ وعليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلو عليهم صباحَ مساءَ ما ينزل الله - عز وجل - عليهم من آيات الله ؟!

فباختصار ، هذه المرأة عاشت في جو مسلم عقيدةً وعملًا ، وهذا أمر طبيعي ، وكذلك ينبغي أن يكون العالم الإسلامي يعيش في مثل هذا الجوِّ تمامًا ، لكن أنَّى له ذلك ؛ وقد تفرَّقوا طرائق شتَّى ومذاهب قِدَدًا ، وافترقوا إلى فرق ثلاثة وسبعين فرقة ؟ من أين لهم أن يوجد لهم هذا الجوّ الذي أُتيح لتلك المرأة الجارية فتفهم نساؤنا مثل رجالنا العقيدة التي يجب أن يعتقدها كل مسلم ؟ من أين لهم ذلك ؟ ونحن نجد من يُمسك القلم ويكتب في بعض المجلات ما هبَّ ودبَّ من الأقوال وهي تحارب عقيدة السلف ، بدعوى أن السلف ما كانوا يعتقدون هذه العقيدة ؟!

هذا أخطر ما يسمعه الإنسان في هذا العصر الحاضر ؛ أن يأتي إلى عقيدة التوحيد فيميِّع موضوعها ، وأنُّو يكفي أن تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ولو لم تفقه معنى ما الإله ؟ هذه الجارية قد فهمت ربَّها كما جاء وصفه - تبارك وتعالى - في الكتاب وفي السنة ، أجابت بكلِّ سهولة ودون تفكير مع النظر ؛ لأنُّو عاشت في هذه العقيدة ؛ " الله في السماء " ، اليوم اجتَمِعْ مع كبار العلماء ، وكبار الخطباء والكُتَّاب ؛ اسألهم هذا السؤال ، وأنا أعتبر هذا امتحان يوجَّه لكلِّ مسلم اليوم ، اسأل إن شئت " أين الله ؟ " ، ستجدهم تكفهرُّ وجوههم تجاه هذا السؤال ، منهم من يصرِّح هذا السؤال ضلال ، ويجهل أن الذي علَّمنا إياه هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، الذي يشهد بلسانه بأنه محمد رسول الله ، يقول هذا السؤال ضلال ، خير منهم مَن يحار تجاه هذا السؤال لا يدري ماذا يقول ، وبعضهم كما سمعتم يقول : الله موجود في كل مكان ! لما تبيِّن له خطورة وضلال هذا الكلام ؛ بيرجع بقول : أنا قصدت أنه في كل مكان بعلمه ، طيب أين الله ؟ لا يدرون ! فصدقَ قول من قال : هؤلاء قومٌ أضاعوا ربهم !

أعود لأثبت الآن أنَّ عقيدة السلف هي حقيقةً أسلم وأعلم وأحكم ، الآن عرفتم ماذا يرد على عقيدة الخلف من تأويلهم لآيات الصفات هذا التأويل الذي أودى بهم إلى أن يحكموا بأن الله - عز وجل - لا وجود له ؛ لأنُّو لا داخل العالم ولا خارجه ، علمًا يقينيًّا أن الله - عز وجل - كان ولا خلق ، ولا شيء مطلقًا ؛ فأين كان الله من قبل ؟ هل كان في مكان ؟ بداهةً كلام منطقي شرعي لم يكن في مكان ؛ لأن الله هو الغنيُّ عن المكان ؛ إذًا حينما نحن نقول كما قال في القرآن الكريم : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، هل هو في مكان ؟ الجواب ليس في مكان .

وأنا جرت مناقشة بيني وبين بعض الأزهريين منذ بضع سنين وأنا في منى ... .



---

إتمام الجواب في الشريط التالي ، رقم : ( 4 ) .

مواضيع متعلقة