حكم التصوير الفوتوغرافي ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
حكم التصوير الفوتوغرافي ؟
A-
A=
A+
السائل : الشيخ ابن عثيمين التصوير الفوتوغرافي يقول ما هو حرام ، ... ويقول : لو إن إنسان يعني كتب فجئت أنا أقلده ، أكتب مثلما يكتب ، وكلها يكون خطي أقرب لخطه ... ، لكن إذا أخذت هذا الخط ، ... لكن إنما أدخلته في جهاز التصوير ، ... هذا بس تصوير .

...

السائل : لكنه لا يرضى أن يُصوَّر ، هذه فتوى أفتى بها في الجامعة ... هل هذا من باب الزهد والورع ؟

الشيخ : نحن قلنا - ولا نزال نقول - أن التصوير الفوتوغرافي أشد تحريمًا من التصوير اليدوي ؛ لأن التصوير الفوتوغرافي صُرفت جهود على مرِّ السنين الطويلة حتى تمكن الإنسان ، والإنسان ... من أن يخرج الصورة ، - لا توصي حريص يا أستاذ ، هذا يريد أن يسجل لما يريد أن يسجل ، فما دام ... - ... جهود كثيرة على مرِّ السنين حتى وصلوا في هذا الجهاز إلى منتهى الدقة ، بحيث أنو من كبسة زر تخرج الصورة في أشد ما يكون وضوحًا مضاهاةً لخلق الله .

السائل : لا ينقصها إلا الروح .

الشيخ : نعم ؟

السائل : لا ينقصها إلا الروح .

الشيخ : سبحان الله ! ثم يتساءلون أين المضاهاة ؟ الحقيقة أن العقل اليوم العقل الذي أقام الله - عز وجل - حجة به على عباده وصل إلى مرتبة من الجمود مرتبة رهيبة جدًّا ، كان عندنا - وأنا في المدرسة الابتدائية - في دمشق معلِّم الرسم كان يجلس في الفسحة على كرسي ، واللوح والطبشورة بيده ، والطلاب يلعبون في الساحة ، فينادي أحدهم تعال فلان ، يقف أمامه ينظر إليه كذا نظرة ، يأخذ الطبشورة ... في لحظات ويجد صورة الطفل أو هذا التلميذ واضحة في اللوح ، إنسان آخر إذا أخذ صورة هذا التلميذ ؛ أيُّهما تكون أشد مضاهاة لخلق الله ؟آلأولى أم الأخرى ؟ لا شك أن الصورة الفوتوغرافية ... من الصورة اليدوية ، لأن الصورة اليدوية قد ... من كل جوانب الإنسان المصور ، أما الصورة الفوتوغرافية فهي في أدقِّ ما تكون - جزاك الله خيرًا - تصويرًا ، المضاهاة هنا أقوى بكثير وأظهر من الصورة اليدوية ، ثم أن التصوير الفوتوغرافي هذا أصبح سببًا واضحًا جدًّا لانتشار الصور بين المسلمين بصورة لا يكاد يخلو بيت من آلة تصوير ، ثم تستعمل هذه الأجهزة في تصوير ما لا يجوز باتفاق المسلمين ، بينما التصوير اليدوي لا يتيسَّر للمصور هذه الدائرة الواسعة ، هذا جمود في منتهى الجمود أن يُقال التصوير الفوتوغرافي الذي يسهِّل ما لا يمكن تصويره عادة للصورة اليدوية أن يقال هذه الصورة اليدوية محرَّمة ، والصورة الفوتوغرافية مباحة ، فأنا - كما يُقال - إن أنسى فلن أنسى ؛ كنت مرة قادمًا من حلب بعد جولتي ... التي كنت معتادها ، فصحبني شاب ، ويبدو لي أنه شاب مسلم ملتحي على قلَّة اللحى في ذاك الزمان ، في الطريق أثار هذه المسألة ؛ أنو بعض العلماء يقولون أن التصوير الفوتوغرافي يجوز ، فقلت له : هذه ظاهرية عصرية ، ظاهرية عصرية ، أي : جمود من بعض علماء الظاهر على بعض المسائل ، ومثَّلت له هذه الصورة الخيالية ، فقلت له زعموا بأن شيخًا فاضلًا زار تلميذًا له في داره ، فلما جلس وإذا أمامه صورة الشيخ معلقة في صدر المكان ، فتكلَّم الشيخ مع تلميذه منكرًا عليه تعليقه لصورة شيخه في صدر المكان ، وأثنى عليه خيرًا من حيث دينه وصلاحه وحرصه على العلم ، وما كان من الطالب هذا إلا أن بادر وأنزل الصورة ، راحت أيام وجاءت أيام ، ثم زار الشيخ تلميذه مرة أخرى ، وإذا به يفاجئ الشيخ بأن الصورة لا تزال في مكانها ، فأنكر عليه كما أنكر عليه في المرة السابقة ، فأجاب التلميذ : يا أستاذ ، نحن تعلَّمنا منك أن الصورة المحرمة هي اليدوية ، أما الصورة الفوتوغرافية فهي جائزة ، فتلك كانت صورة يدوية لذلك تجاوبت معك ، أما هذه فصورة فوتوغرافية ، فربت على كتفه وقال : بارك الله فيك ، أنت طالب فقيه !

هذه أليست ظاهرية كما قيل ؟ الصورة هي هي ، لكن إحداهما صُوِّرت القلم واليد وأخذت جهدًا جهيدًا حتى خرجت صورة ، أما هذه فبالآلة التي انكبَّ على إبداعها عشرات العلماء المتخصين حتى وصلوا إلى هذه الضغطة من الزر ، وإذا الصورة تخرج كأبدع ما يمكن ، هذه جائزة ، أما الأولى ؛ فهي محرمة ، هذه ظاهرة عصرية يستحي ابن حزم لو كان في زمانه اليوم أن يقع في مثلها ، وقد وقع هو في بعض ما يُضحك كما يُقال الثكلى ، لقد فسَّر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في " الصحيحين " : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن البول في الماء الراكد " . فقال هو : " فلو أنه بال في إناء ، ثم أراق ما في الإناء في الماء الراكد جاز ، لماذا ؟ لأنه لا يصدق عليه لغةً أنه بال في الماء الراكد ، وهذا صحيح من حيث ملاحظة الألفاظ ؛ لأن هذا الرجل الثاني بال في الوعاء الفارغ ، ما بال في الماء الراكد ، لكن بعدما بال في الإناء الفارغ أراقَ هذا البول في الماء الراكد هذا جائز ، لكن النتيجة يا جماعة واحدة .

السائل : ... .

الشيخ : نعم ؟

السائل : ... .

الشيخ : أخذت من أي ناحية ؟

السائل : ... .

الشيخ : لأنو هذا كالاحتيال على الأحكام الشرعية ، فاليوم نرى هذه المصيبة تتجدَّد في مظاهر وصور أخرى ، منها قضية التصوير الشمسي مباح ، أما التصوير اليدوي فهو حرام .

السائل : لعلهم يتعلَّلون بالتعليل بالمضاهاة ؛ هل العلة في التصوير محصورة في هذه العلة ؟

الشيخ : لا .

السائل : إذًا من الناحية الأخرى تنحلُّ لهم هذه الشبهة - جزاك الله خيرًا - .

الشيخ : أولًا : للعلماء تعليلان لتحريم الشرع الحكيم الصور :

التعليل الأول : هو الذي سمعتموه المضاهاة ؛ لأنه منصوص عليه في الحديث ، ( إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة هؤلاء المصورون يضاهون بخلق الله ) ، وما هي المضاهاة التي جاءت في هذا الحديث ؟ .... خرَّج صورة على ستارة ، كلَّنا يتصوَّر تمامًا أن هذه الصورة ليست بتلك الدقة ، صورة القلم أدق بلا شك ، مع ذلك الرسول - عليه السلام - أطلق على الذي صوَّر الصورة على الستارة بأنه يُضاهي خلق الله ، فما بالك بالذي يصور بريشة وقلم والدهان و و الخ ، فما بالك من يصوِّر في هذه الصورة الفوتوغرافية ؟ لكن العلماء ذكروا أدلة أخرى أن نهي الشرع الحكيم عن التصوير فيه علَّة أخرى ، وهي سدًّا للذريعة ، حتى لا تعود الجاهلية الأولى إلى عبادة الأصنام ، وعبادة التماثيل كما وقع لقوم نوح - عليه السلام - الذين قالوا حينما دعاهم نوح إلى التوحيد ، وإلى عبادة الله وحده لا شريك له ؛ تناصحوا بينهم - زعموا ! - وقالوا : " لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث و يعوق ونسرًا " ، يقول ابن عباس كما في " صحيح البخاري " و " تفسير ابن جرير " وغيرهما : " هؤلاء الخمسة كانوا عبادًا لله صالحين ، ولما ماتوا جاءهم الشيطان في صورة ناصح أمين ، وأوحى إليهم أن يجعلوا قبورهم في أفنية دورهم ، لكي يتذكَّروا أعمالهم الصالحة " ، والتاريخ يعيد نفسه ! والأصنام التي بدأت منذ عشرات السنين ، وبدأت تنتشر الآن في كثير من البلاد العربية التي كانت خالية فيها هذه الأصنام ، لماذا ؟ ذكرى بهؤلاء الأبطال ، وليتهم كانوا كذلك أبطالًا ، وإنما أكثرهم عملاء للأجانب وفسَّاق إن لم يكونوا كفارًا ، فالشيطان سنَّ لقوم نوح - عليه السلام - أن يجعلوا قبور هؤلاء الخمسة الصالحين في أفنية دورهم ، بحجة أن هذا يذكرهم بأعمالهم ، فيقتدون بهم فيها ، وتركهم جيلًا من الزمان ثم عاد إليهم وقال : قد تذهب قبور هؤلاء الصالحين بسبب من أسباب العوامل الطبيعية كالسيول والرياح والأمطار ونحو ذلك ، ولذلك فهو نصحهم بأن يتخذوا أصنامًا ، فاستجابوا ، ثم تركهم - أيضًا - برهةً من الزمن ، ثم أوحى إليهم أنكم تعلمون أن هؤلاء كانوا عبادًا لله صالحين ، فما ينبغي أن ... أصنامهم في مكان عادي ، وإنما عليكم أن تضعوا في أماكن رفيعة محترمة ، ففعلوا - أيضًا - ثم جاؤوا في الأخير فعكفوا على عبادتها ، وهكذا يتسلسل الشَّرُّ كما قيل : " وما معظم النار إلا من مستصغر الشَّرر " ، ومعلوم في الشرائع أن من حكمة الله - عز وجل - أنه يحرم أشياء هي لا شيء فيها ، ولكن يُخشى أن تؤدِّي إلى ما فيه كل ضرر ، وهذا من باب تحريم الوسائل التي تؤدي إلى غايات محرمة ، من أجل ذلك حرم الرسول - عليه السلام - التصوير ، وقطع شأفته دون تفريق بين التصوير المجسم والتصوير غير المجسم .

وهذه فلسفة - مع الأسف - يجنح إليها بعض الكُتَّاب المعاصرين اليوم ويحملون كل الأحاديث التي جاءت في تحريم التصوير مطلقًا يحملونها على التماثيل المجسَّمة ، ويعطِّلون الأحاديث الصريحة كمثل قران عائشة ، والمِرفقة التي كان يرتفق بها الرسول - عليه السلام - وفيها صورة هذه ليست مجسمة ، مع ذلك حملوا أحاديث المطلقة التحريم على الصور المجسمة .

وليتهم وقفوا عند هذا فقيَّدوا - أيضًا - قولهم بأنه إذا كانت هذه التماثيل مما يخشى أن تُعبد من دون الله ؛ فهذا هو المحرم فقط ، أما إذا كانت للزينة ... فلا بأس به .

وهكذا ما يمضي يوم إلا كما قال - عليه السلام - : ( والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ) .

السائل : ... .

الشيخ : إيش هو ؟

الشيخ : ( ما من عامٍ إلا والذي بعده شرٌّ منه حتى تلقوا ربَّكم ) ، نعم ، فإذًا تحريم الصورة ليس له علة واحدة وهي المضاهاة ، بل هو - أيضًا - من باب سد الذريعة ، ونحن نشاهد اليوم أنه لمَّا فتحوا باب التصوير عمَّ الفساد وصارت الصور من كل لون من كل جنس بواسطة هذه الآلة الخفيفة الحمل ، والتي قد توضع في الجيب ، وأذكر جيِّدًا أنني ناقشت بعض الإخوان المسلمين قديمًا منذ ثلاثين سنة ، فاحتجوا أن هذه الآلة يومئذ لم تكن معروفة ، ولذلك فحمل الأحاديث عليها هو توسيع لمعنى هذه الأحاديث أكثر مما تتحمَّل هكذا زعم ، ولما ذكَّرته بأن الذي يقول : " كل مصوِّر في النار " ، ويقول : " لعن الله المصوِّرين " ليس رجلًا عاديًّا من أمثالنا حتى نقول هو يعني الصور المعروفة فقط ، بل هذا رسول الله الذي وصفه الله - عز وجل - بقوله : "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" ، فهو يعني ما يقول ، كلُّ مصور في النار ، سواء كان هذا المصوِّر يصوِّر بالقلم ، أو بالإزميل ، ريشة حداد نحَّاس ونحو ذلك ، أو يصوِّر بأي طريقة أخرى فهو مصوِّر ، ما اقتنع بذلك ، فجئته بالمثال التالي ، قلت له : فما رأيك بهذه الأصنام التي تخرج الآن بالمئات ، بل بالألوف المؤلفة بكبسة زر جهاز ضخم جدًّا يصبُّ النحاس في مكان ، ويخرج بصورة بسبع أو كلب أو امرأة راقصة ، كما تجدون على بعض الطاولات ، هذا ما نُحت على الطريقة التي كانت في عهد الرسول - عليه السلام - ، هذه كالآلة المصوِّرة بكبسة زر فقط ، هذا ما يا تُرى هل يجوز أم هو حرام ؟ قال : لأ ، هذا حرام ، فقلت : هذا كهذا ، فلا فرق بين الأمرين .

فالشاهد إذًا التحريم له علتان ، وكل من العلتين متحقِّق بالواقع بالتصوير الفوتوغرافي أو الفيديو ، كما يقولون اليوم المضاهاة في أكمل صورها ، والفتنة في أشد ما تكون .

فنسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا جميعًا من الغرباء الذين قال عنهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في رواية : ( هم ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين ، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ) ، وفي الرواية الأخرى يقول - عليه الصلاة والسلام - : ( هم الذين يُصلحون ما أفسد الناس من سنَّتي من بعدي ) .
  • رحلة الخير - شريط : 1
  • توقيت الفهرسة : 00:32:54
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة