ما معنى حديث : ( لا تفعلوا إلا بأمِّ القرآن ) ؟ وما حكم قراءة الفاتحة وراء الإمام في الصلاة الجهرية ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما معنى حديث : ( لا تفعلوا إلا بأمِّ القرآن ) ؟ وما حكم قراءة الفاتحة وراء الإمام في الصلاة الجهرية ؟
A-
A=
A+
السائل : يا شيخ ، هل صحَّ عن النبي - عليه الصلاة والسلام - قوله للصحابة - يعني بعد ما انتهت الصلاة - : ( هل تقرؤون خلفي ؟ ) . قالوا : نعم . قال : ( لا تفعلوا إلا بأمِّ القرآن ) ؛ فهل يصح هذا الحديث ؟

الشيخ : هذا الحديث في ثبوته نظر وذلك من ناحيتين :

الناحية الأولى من حيث الإسناد ؛ فإن مدارَه على مكحول الشامي ، ومكحول الشامي ثقة ؛ لكنه قد رُمِي بالتدليس ، والذي وقع في روايته لهذا الحديث أنه تارةً يرويه عن شيخه بالعنعنة ، وتارةً يرويه بالواسطة مُصرِّحا في هذه الحالة بسماعه من الواسطة ، أما إذا رفع الواسطة فيُعنعن ، وإذا ذكر الواسطة فيُصرِّح بالتحديث ، والواسطة هو محمود ، ومحمود هذا مجهول ؛ فحينما يُصرِّح بالتحديث يقول مكحول : " حدثني محمود " ، فتكون العلة الجهالة ، وحينما يرفع محمودًا من البَيْن يُعنعن ولا يُصرِّح بالتحديث ؛ فهذا هو علة هذا الحديث من حيث الإسناد .

ثم إن الحديث قد رُوِي بل قد ثبت بإسناد صحيح من طريق أخرى في " مسند الإمام احمد " - رحمه الله - بلفظ : ( فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب ) ؛ فحينئذٍ يدخل الحديث موضوعًا آخر غير موضوع فرضيَّة قراءة المقتدي للفاتحة وراء الإمام في الصلاة الجهرية ؛ ذلك لأنه على رواية مكحول : ( فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ) إنَّما تدل هذه الرواية لو صحَّت على أن القراءة وراء الإمام ليست واجبة ، وإنما هي جائزة ، وذلك لأنَّ من القواعد الفقهية أن " الإذن بالشيء بعد النهي عنه لا يقتضي إلا إجازته ولا يقتضي وجوبه " ، فهنا كما ترون نهاهم نهيًا مطلقًا ؛ ( لا تفعلوا ) ؛ لا تقرؤوا بشيء خلف الإمام إلا الفاتحة ، فإلا مستثنى من النهي ، والاستثناء من النهي لا يعني وجوب هذا المستثنى وإنما يعني إباحة فعله أو قراءته كما هنا .

والأدلة على هذه القاعدة المذكورة في كتب أصول الفقه ومن أشهرها قوله - تعالى - : (( فإذا حللتم فاصطادوا )) ؛ فقوله - عز وجل - : (( فاصطادوا )) لا يعني وجوب الاصطياد بعد التحلُّل - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - ، كذلك فيما نحن فيه ، فلا تفعلوا نهيٌ ، إلا بفاتحة الكتاب استثناء ؛ فدلَّ على أن الاستثناء إنما هو جائز وليس أنه واجب ، يؤكِّد هذا الرواية الأخرى في " مسند أحمد " بالسند الصحيح ( إلا أن تقرؤوا بفاتحة الكتاب ) ؛ فهذا التعبير دقيق جدًّا يؤكِّد أن الإذن بقراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية ليس للوجوب ، وإنما للجواز ؛ بل والجواز المرجوح ، وهذا على وزان قوله - تعالى - في القرآن : (( إلا أن تتقوا منهم تقاة )) ، فلا أحد يقول بوجوب التقيَّة المذكورة في هذه الآية ، وإنما تدل على الجواز ، والجواز المرجوح ، وإلا فالأفضل أن يثبت الإنسان ويصدع بالحقِّ كما فعل بلال الحبشي - رضي الله عنه - حينما عذَّبوه وعرضوا عليه أن يكفر برسوله ؛ فأبى وأصرَّ ، بينما مثل عمار بن ياسر - رحمه الله - ترخَّص وقال الكلمة - إذا صحَّت الرواية عنه - حتى أطلقوا سبيله ، فقوله - عز وجل - : (( إلا أن تتقوا منهم تقاة )) لا يعني وجوب التقيَّة ، وإنما يشير إلى أنها جائزة وجوازًا مرجوحًا ، كذلك القراءة وراء الإمام في الجهريَّة في قوله - عليه السلام - : ( إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب ) ، فذلك يعني أنه يجوز له ؛ لكن الأولى أن لا يقرأ ، وهذا هو الذي استقرَّ عليه الشرع فيما بعد كما جاء في حديث أبي هريرة : " فانتهى أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن القراءة وراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما كان يجهر فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - " ، وحينئذٍ فقد استقرَّ حكم الشرع بما يلتقي مع قوله - تعالى - : (( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )) .

هذا هو الجواب .
  • فتاوى جدة - شريط : 23
  • توقيت الفهرسة : 00:27:19
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة