بيان حفظ أبي هريرة - رضي الله عنه - للسنة وحرصه على ذلك ، والرَّدُّ على مَن طعن في أبي هريرة وفي روايته . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان حفظ أبي هريرة - رضي الله عنه - للسنة وحرصه على ذلك ، والرَّدُّ على مَن طعن في أبي هريرة وفي روايته .
A-
A=
A+
الشيخ : وقبل هذا تذكَّرت شيئًا في الحديث السابق أن خبَّابًا هذا حينما ذكر القصة ذكر عن أبي هريرة أنه يقول : سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا الحديث ، فأريد أن أذكِّر خاصة مَن له عناية من إخواننا الحاضرين بقراءة السنة ، وقراءة ما قد يقرؤونه في بعض المجلات التي تجمع ما هبَّ ودبَّ من العلم ما صح وما لم يصح منه .

... كثيرًا من الطعن في حافظ السنة أبي هريرة - رضي الله عنه - ، فيقولون - مثلًا - من هذه الشبهات : إن أبا هريرة أدرك من الإسلام آخره ، أسلم في غزوة خيبر ، فأدرك من إسلامه من حياة الرسول - عليه السلام - سنتين ونصف تقريبًا ، فكيف مع ذلك هو أحفظ الصحابة وأكثرهم حديثًا ؟ عن هذا الجواب عند أهل الحديث ممكن أن نلخصه في جوابين أو في سببين :

السبب الأول : حرصه على التصاقه مع الرسول - عليه السلام - ومصاحبته إياه في كل الأحوال ، فلم يكن متأهِّلًا ولم يكن صاحب زرع وضرع ، وكان يقنع بأقل القوت ، بل كان يُجيع نفسه ساعات بل أيامًا لملازمة الرسول - عليه السلام - وليستفيد منه ، وكأنه كان قد أحسَّ بأنه تأخر إسلامه ، فهو يريد بقى أن يُعوِّض ما فاته من الخير الكثير حينما لم يُسلم من أول بعثة الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؛ ولذلك كان يفرِّغ نفسه لهذا العلم النبوي أن يكتسبه منه - عليه السلام - ، هذا السبب الأول ، وهو منصوص عليه في بعض الأحاديث ؛ فإن عمر بن الخطاب اعترف لأبي هريرة بالفضل ، وقال : " شَغَلَنا عن العلم الصَّفقُ في الأسواق " ، عمر نفسه الخليفة الراشد الثاني يقول هذا ، أما أبو هريرة فلم يُشغله شيء ؛ فهذا الاهتمام منه بصحبة الرسول - عليه السلام - وتلقِّي الحديث عنه جعله أكثر مادة في الحديث من غيره من الصحابة ؛ حتى الذين كانوا من السابقين الأولين في الإسلام .

السبب الثاني : وهو سبب جوهري ، ولكن هذا الحديث يتعلق من النوع الأول ؛ لأنه قال أنُّو أبو هريرة يقول : سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ إذًا هذا الحديث سمعه منه مباشرةً ، وابن عمر استفاده منه كما سمعتم في القصة ، أما الجواب الثاني فهو أن أبا هريرة كان يتصل - أيضًا - مع الصحابة الذين سبقوه في الإسلام فيأخذ منهم ما كانوا سمعوه منه - عليه السلام - ؛ إما لأسبقيَّتهم ، وإما لِخلوَتِهم ومجالساتهم الخاصَّة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فضَمَّ هذا إلى ما تلقَّاه هو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرةً ، فكانت الحصيلة أنه أحفظ أصحاب الرسول - عليه السلام - كلهم جميعًا بدون استثناء ، وكان يظن أبو هريرة شيئًا تبيَّن في البحث العلمي بأن هذا الظَّنَّ كان وهمًا منه وهو من صالحه ؛ أي : أن يكون وهمًا وهو من صالحه ؛ ذلك أنه كان يقول عن أحد الصحابة وهو عبد الله بن عمرو بن العاص غير عبد الله بن عمر بن الخطاب هذا ، كان يقول عن عبد الله بن عمرو بن العاص : إنه أحفظ مني ، ويعلِّل ذلك بقوله : " إنه كان يكتب ولا أكتب " ، فهو يفترض فرضية قد تكون صحيحة ، لكن البحث والاستقراء بيَّن أنه لم يزل أبو هريرة هو أحفظ من الصحابة من كل فرد منهم ، ومنهم هذا العبد عبد الله الذي ظَنَّ أبو هريرة أنه أحفظ منه ، والسبب هو ما ذكرناه آنفًا تفرُّده للنبي - صلى الله عليه وسلم - بحرصه على تلقي الحديث منه ، ثم اتصاله مع الصحابة وجمعه ما عندهم من السنة ، فكان أكثر حديثًا من عبد الله بن عمرو بن العاص .

ذلك من السهل جدًّا استكشافه ، نأخذ " مسند الإمام أحمد " الذي لا يزال أوسع كتب السنة جمعًا لمادة الحديث المرفوع إلى الرسول - عليه السلام - في ستة مجلدات ضخمة ، المجلد الثاني فيه مسند عبد الله بن عمر هذا ، ومسند عبد الله بن عمرو بن العاص ذاك ، ومسند صحابي آخر ليس بالمشهور المعروف بكنيته أبو رمثة ، ومسند أبي هريرة ، وإذا أخذنا مسند أبي هريرة يأخذ نصف هذا المجلد كله ، وحدَه فقط مسند أبي هريرة ، والنصف الأول يأخذه هؤلاء الصحابة ابن عمر وابن عمرو أو أبو رمثة ، فوين حديث أبي هريرة كثرةً ، وأين حديث بن عمرو بالنسبة إليه ؟! فرضي الله عنه لحرصه هذا على العلم حَفِظَ لنا من السنة ما لم يحفَظْه غيره من الصحابة ، وكثير من الأحاديث تأتي من غير طريقه كهذا الحديث الذين نحن الآن في صدده ، فسيأتيكم الآن حديث ثوبان ، وفي حديث أبي هريرة علمتم أن السيدة عائشة صدَّقت أبا هريرة في حديثه ، لكن أحيانًا يأتي له أحاديث يتفرَّد بها ولا يتابعه في ذلك أحد من الصحابة ؛ كمثل - مثلًا - الحديث المشهور في " صحيح مسلم " : قال الله - تبارك وتعالى - : ( قسمت الصلاة بيني وبينَ عبدي قسمين ) ، هذا حديث طويل وحديث قدسي مروي في " المسند " - أيضًا - وفي " صحيح مسلم " ، تفرَّدَ بروايته أبي هريرة دون كل الصحابة ، وكم وكم له من مثل هذه الفضائل التي يعود الفضل إليه في حفظها عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .

مواضيع متعلقة