بيان عمل الصحابة - رضي الله عنهم - بالرُّخص التي رخَّصَ الله لهم مجانبةً لدين اليهود المبني على التشدُّد . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان عمل الصحابة - رضي الله عنهم - بالرُّخص التي رخَّصَ الله لهم مجانبةً لدين اليهود المبني على التشدُّد .
A-
A=
A+
الشيخ : ولذلك تجد أصحاب الرسول - عليه السلام - الفقهاء منهم كانوا يهتمُّون بالوقوف عند هذه الرُّخص وعدم التشدد فيها ؛ لأن في ذلك تشبُّهًا باليهود الغلاظ القلوب كما هو منصوص في توراتهم ... لديهم حتى اليوم ؛ فقد صح أن الصحابة كانوا مدعويِّين في دعوة ، وحضرت الصلاة ، فقَدَّم عبد الله بن مسعود أبا موسى الأشعري - وكلاهما صحابي جليل - قدَّمه ليصلِّي بالناس إمامًا ، وهذا في الواقع مما نأخذ منه درسًا أخلاقيًّا ؛ كيف أن الصحابة كان يعرف بعضُهم فضلَ بعض ، ومزيَّة بعضهم على بعض ، فبالرغم أن ابن مسعود - رضي الله عنه - قد جاءت أحاديث في الثناء عليه ، من ذلك - مثلًا - مما يتعلق بموضوعنا أو في حديثنا هذا قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( مَن أحَبَّ أن يقرأ القرآن غضًّا طريًّا كما أُنزِلَ فَلْيقرَأْه على قراءة ابن أمِّ عبد ) هو عبد الله بن مسعود . ابن أمِّ عبد تعبير عربي جميل جدًّا ؛ مع ذلك ماذا فعل ابن مسعود ؟ قدَّم أبا موسى الأشعري ؛ لأنه يعلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان قد خَصَّه بخصوصية وميَّزه بمزيَّة لم يحظَ بها غيرُه من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - على علمهم وفضلهم ، من ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ ذات ليلة بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ القرآن ، فلما أصبح قال له - عليه الصلاة والسلام - : ( مرَرْتُ بك البارحة وأنت تقرأ القرآن ) . قال : يا رسول الله ، لو علمْتُ ذلك لحبَّرته لك تحبيرًا .

لو علمت ذلك لَحبَّرته لك تحبيرًا ؛ أي : زيَّنته لك تزيينًا ؛ يعني بتغنِّيه بالقرآن ، وبلا شك كجملة معترضة لا يعني الرسول - عليه السلام - هذا التطريب وهذا التغنِّي الذي يلتزمه بعض القرَّاء ، والذين يطبِّقون على قراءتهم بعض القوانين الموسيقية من صعود وهبوط ونحو ذلك وترعيد ، وإنما يعني ما كان أبو موسى تعلَّمَه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتلقَّاه عنه عمليًّا تطبيقًا منه - صلى الله عليه وسلم - لقوله - عز وجل - : (( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا )) .

وهنا في هذه المناسبة التي استمعَ الرسول - عليه السلام - لأبي موسى ، وقال تلك الكلمة لأبي موسى حينما أصبح قال - عليه السلام - : ( لقد أُوتِيَ هذا مزمارًا من مزامير آل داود ) ، يعرف عبدُ الله بن مسعود هذه المزيَّة التي وصفَه الرسول - عليه السلام - بها ؛ ولذلك لما كانوا هناك مجتمعين أمَرَه أن يتقدَّم فتقدَّم . والشاهد كان متنعِّلًا ، فخلع أبو موسى نعليه كما يفعل كثير من الناس ، فغضب ابن مسعود قال : ما هذه اليهودية ؟! أَفِي الوادي المقدس أنتَ ؟!

اليهود لماذا يخلعون ؟ لأن موسى أُمِرَ بخلع نعليه و ... ذلك كما في القرآن : (( إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى )) ، فقال له ابن مسعود ... لموسى ما هذه اليهودية ؟! يعني ما هذا التشدُّد ؟! أَأَنتَ في الواد المقدَّس وتُخاطب من ربِّ العالمين كما فَعَلَ مع موسى - عليه السلام - ؟! فأنكر عليه هذا الإنكار ؛ لأن الرسول - عليه السلام - كان سنَّته يصلي تارةً حافيًا وتارةً متنعِّلًا ، حيث كيفما وُجِدَ الإنسان صلى ، أما أن يتكلَّفَ ويتصنَّع شيئًا فهذا هو التنطُّع والتشدُّد في الدين الذي يُضرب اليهود مثلًا رائعًا جدًّا في تنطُّعهم وتشدُّدهم في الدين ، وأكبر مثال على ذلك قصَّة البقرة : (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً )) ، قالوا : ما لونها ؟ ما كذا ؟ إلى آخره ، بعدين : (( فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ )) .

مواضيع متعلقة