سؤال عن معنى حديث : ( لن تمسَّه النار إلا تحلَّة القسم ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
سؤال عن معنى حديث : ( لن تمسَّه النار إلا تحلَّة القسم ) .
A-
A=
A+
السائل : ذكرتم في الإجابة الحديث : ( لا يمسّه النار إلَّا ) .

الشيخ : يسأل سائل هنا عن معنى قوله - عليه السلام - في الحديث السابق : ( لن تمسَّه النار إلا تحلة القسم ) ، هذا الحديث يشير إلى قوله - تبارك وتعالى - في الآية الكريمة : (( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتمًا مقضيًّا )) ، إلا واردها (( وإن منكم )) قسم من الله (( وإن منكم إلا واردها )) ، اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في معنى الورود المقصود في هذا الحديث على ثلاثة أقوال :

- الورود بطرف النار ، كما يقال أورد الإبل الحوض .

- والمعنى الثاني : المرور على الصراط من فوق النار .

- والمعنى الثالث - وهو لا ينافي الثاني - : الدخول في النار ؛ لأن المرور في الصراط هو دخول في النار .

فقوله - تعالى - : (( وإن منكم إلا واردها )) ، أي : داخلها ، لا فرق بين مؤمن وكافر ، كلهم جميعا من الإنس والجن لا بد لهم من هذا الدخول ، لكن بعد ان يتحقَّق هذا القسم الإلهي من الدخول هناك بعد ذلك سرعان ما يتميَّز الصالح من الطالح ، الصالح اللائق بدخول الجنة ، الطالح يلي لائق بدخول النار ، ويفسر هذا الكلام حديث أذكره لما فيه من بيان وتفصيل ، لكن لا بد لي من أن أقرنَ بذلك أن هذا الحديث لم يصح من حيث إسناده ؛ لأنه - على شهرته - ينبغي أن نذكره تنبيهًا على ضعفه ، لكن معناه مقبول في حدود ما جاء من الأدلة ، ذلك الحديث يرويه بعض التابعين من المجهولين ، وهو العلة ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه لقيه في طريقه قال : كنا في مجلس ذكر فيه أو ذكرت فيه هذه الآية : (( وإن منكم إلا واردها )) ، قال : فاختلفنا - وذكر الأقوال الثلاثة - فما كان من جابر - كما تقول الرواية على ضعفها - إلا أن وضع أصبعيه في أذنيه وقال : " صُمَّتا صُمَّتا ، إن لم أكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( لا يبقى برٌّ ولا فاجرٌ إلا ويدخلها ، ثم تكون بردًا وسلامًا على المؤمنين كما كانت على إبراهيم ) . إذًا هذا الدخول المذكور في هذه الآية والمفسر - أيضًا - في حديث اخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( لا يدخل النار أحد من أهل بدر وأصحاب الشجرة ) ، قالت : " كيف هذا - يا رسول الله - والله - عز وجل - يقول : (( وإن منكم إلا واردها )) ؟ " . هنا ملاحظة ومهمة من حيث أنها تساعد طالب العلم على فهم النصوص الشرعية ، نجد هنا السيدة حفصة - رضي الله عنها - كأنها تريد أن تقول : إن الذي تقوله - يا رسول الله - خلاف ما أفهم من الآية ؛ فكيف التوفيق بين هذه الآية حسب فهمي - أي : حفصة - وبين ما تقول يا رسول الله ؟ فقال لها بكل هدوء ولطف - كما هو شأنه عليه السلام وديدنه - قال : اقرئي ما بعدها : (( ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيًّا )) ، ما هي الفائدة ؟ الفائدة : أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا سمع قولًا وما أنكره كان ذلك دليلًا على صحته في نفسه ، ولكن يمكن أن يُدخل فيه تخصيصًا وتقييدًا ما يخظر على بال المتكلم تلك الكلمة ، والتي أقرَّه الرسول - عليه السلام - ، ولكنه يدخل فيها تقييدًا أو تخصيصًا .

هذه فائدة مهمة جدًّا قد يغفل عنها بعض أهل العلم ، ولا بأس من أن أضرب لكم مثلًا ، وقع في عدم الانتباه لهذه النكتة الفقهية الدقيقة الإمام أبو محمد ابن حزم صاحب كتاب " المحلى " الكتاب العظيم ، وكتاب " الإحكام في أصول الأحكام " وغيرها من الكتب ، لقد ألف رسالة في إباحة الملاهي عامَّة من الآلات الموسيقية والأغاني وما شابه ذلك ، وكان مما استدلَّ به على ما ذهب إليه في تلك الرسالة الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : " دخل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عليَّ يوم عيد ، وعندي جاريتان تغنِّيان بغناء بعاث ، وتضربان عليه بدفٍّ ، لما دخل أبو بكر قال : أمزمار الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟ استفهام استنكاري طبعًا ، ( دعهما فإن لكل قوم عيدًا ، وهذا عيدنا ) " .

الشاهد أن الإمام ابن حزم احتجَّ بهذا الحديث على جواز الضرب بالدف والغناء به ؛ لأن الرسول - عليه السلام - أقرَّ الجاريتين على ذلك ، ولكن فاته ما أردت التنبيه عليه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أقرَّ أبا بكر الصديق على قوله السابق الذكر : " أمزمار الشيطان في بيت رسول الله ؟! " ، لقد سمى أبو بكر الضرب على الدف والغناء به سمَّاه ماذا ؟ مزمار الشيطان ، ما أنكر الرسول - عليه السلام - ذلك عليه ، بل أقره كما أقر حفصة على قولها في الآية هكذا ، وكذلك كما أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أدخل على استدلال حفصة قيدًا كانت غافلة عنه ، كذلك تمامًا فعل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع صاحبه في الغار أبي بكر الصديق - أيضًا - لفت نظره ، كأنه يقول له : إن الأمر كما تقول أنت يا أبا بكر ، لكن هنا استثناء قد فات : ( دعهما يا أبا بكر ؛ فإن لكل قوم عيدًا ، وهذا عيدنا ) ، فإذا نحن جمعنا بين إقرار الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لأبي بكر على قوله : ( أمزمار الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وبين قوله : ( دعهما ؛ فإن لكل قوم عيدًا ، وهذا عيدنا ) خرجنا بنتيجة ؛ أن مزامير الشيطان لا تجوز ، ويكفي في النهي عنها النسبة إلى الشيطان ، لكن هذا الحكم مُستثنى منه الضرب بالدف في يوم العيد ، وممَّن ؟ ومن الجاريتين ، فجمعنا بين إقرار الرسول لأبي بكر وبين قوله له وخرجنا بنتيجة معاكسة تمامًا للنتيجة التي ذهب إليها أبو محمد ابن حزم - رحمه الله - ؛ حيث أخذ قول الرسول - عليه السلام - ولم يتنبَّه لإقرار الرسول لقول أبي بكر : " أمزمار الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟! " .

في عندك شيء ؟

سائل آخر : كيف يقر الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقر مزمار الشيطان في بيته ؟

الشيخ : ما أنا أجبتك على هذا - بارك الله فيك - نحن ، نقول : الأصل في آلات الطرب أنها من مزامير الشيطان ، لكن استثنى الشارع الحكيم من أن يكون مزمارًا للشيطان في هذا الوقت المعين ، فالأصل أنه مزمار الشيطان في غير يوم العيد ، أما في يوم العيد ؛ فليس مزمارًا للشيطان ، فلا منافاة هنا والحمد لله .

هذا - أيضًا - لعله من المفيد أن نذكر - أيضًا - بمثال آخر ، وهو مهم جدًّا من حيث الحياة الفكرية التي يحياها اليوم العالم الإسلامي جلُّه الذين يعتقدون بأن الموتى يسمعون ، الموتى يسمعون ويحتجون على ذلك بحجج كثيرة ، ولسنا الآن نحن في هذا الصدد ، إلا فيما يتعلق بلفت النظر إلى أن الرسول - عليه السلام - إذا أقرَّ على شيء فهو حقٌّ ... الاستفادة بذلك ، هنا أذكر غزوة بدر ، وحينما أهلك الله - عز وجل - صناديد قريش ، وألقوا في قليب بدر ، ثم جاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد أن وضعت الحرب أوزارها ، فوقف على القليب ، ونادى أولئك الكفار الموتى القتلى بأسمائهم ، يا فلان بن فلان : ( لقد وجدت ما وعدني ربي حقًّا ؛ فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا ؟! ) ، قال عمر - هنا الشاهد - قال : " يا رسول الله ، إنك لَتُنادي أجسادًا لا أرواح فيها " ، ماذا نفهم نحن من قول عمر هنا ؟ نفهم نحو ما فهمنا من كلمة أبي بكر هناك ، ومن كلمة حفصة هناك ، نفهم أن عمر بن الخطاب يرى أن الموتى لا يسمعون ، ولذلك هو يستغرب ويتعجَّب من مناداة الرسول - عليه السلام - لهؤلاء الموتى ، يقول : يا فلان بن فلان ، يا فلان بن فلان ، إلى آخره بأسمائهم : ( إني وجدت ما وعدني ربي حقًّا ؛ فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا ؟! ) ، هذه المناداة تنافي - كما أنا أفهم - وهو حقٌّ إن شاء الله ؛ ما كان تلقاه عمر بن الخطاب تعليمًا من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن الموتى لا يسمعون ، يكفي في ذلك القرآن الكريم : (( إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء )) ، كذلك قوله - عز وجل - : (( وما أنت بمسمع من في القبور )) .

طبعًا الآيتان فيهما كلام من حيث التفسير ، لكن خلاصة الكلام لا يتنافى فيهما أبدًا مع هذه الحقيقة الشرعية ، وهي أن الموتى لا يسمعون ، هذه الحقيقة هي التي كان عمر بن الخطاب تلقَّاها من قبل ، وتعلَّمها من رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؛ ولذلك صار عنده إشكال ؛ كيف هو لقَّننا هذا العلم ثم هو يناديهم ؟ فماذا كان موقف الرسول - عليه السلام - ؟ كان موقفه منه كما كان موقفه من أبي بكر وحفصة ، أقرَّهم جميعًا على ما قالوا لكن أدخل قيدًا ما يعرفونه ، لأنهم لا يوحى إليهم كما يوحى إليه ، فلقد أقر الرسول - عليه السلام - عمرَ بن الخطاب على كلمته هذه ، ومعنى هذا كأنه يقول له : صدقت ، الموتى لا يسمعون ، لكن هؤلاء يسمعونني ، ولذلك قال له في الجواب بلسان عربي مبين : ( ما أنتم بأسمعَ لما أقول منهم ) ، أي : هؤلاء يسمعونني ، فأنت - يا عمر - الذي تلقَّيته مني حقٌّ وصواب ، لكن اعلم أن هنا معجزة وكرامة خاصة لنبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ حيث أسمعهم صوته ، ومن شأنهم أنه لا يسمعون لم ؟ لأنهم موتى ، ويؤكد هذا المعنى أن الإمام أحمد - رحمه الله - روى هذه القصة بإسناده الصحيح في " المسند " أن عمر قال : " والموتى لا يسمعون " ، أيضًا جاء الجواب كما سمعتم ، ما قال له : أنت مخطئ ، الموتى يسمعون لو كان هو مخطئًا ، لكنه أقره على هذه العبارة الصريحة ، ولكن أدخل في ذلك قيدًا ، وهو أن الموتى لا يسمعون ؛ إلا هؤلاء ، ولذلك جاء في " صحيح البخاري " في هذه القصة من طريق قتادة عن أنس بن مالك ، هذه القصة التي رويناها باستثناء رواية الإمام أحمد مروية في " الصحيحين " ، ومن طريق قتادة ، قال قتادة : " أحياهم الله له ، فأسمعهم صوته تبكيتًا وتحقيرًا ونكايةً بهم " .

إذًا هذا الانتباه لإقرار الرسول - عليه السلام - لكلام الصحابي ، هذا معناه أن كلام الصحابي حقٌّ ، لكن ينظر هل أدخل عليه الرسول شيئًا من التخصيص والتقييد فيضاف إليه ؟ فنخرج بنتيجة سليمة بالمائة مائة ، فالموتى لا يسمعون إلا هؤلاء سمعوا ، وآلات الطرب لا تجوز وبخاصة الدف إلا في يوم العيد ، والناس كلهم لا بد أن يدخلوا النار - كما فهمت حفصة من الآية - ولكن يفترقون ، من صالحٍ يمرُّ مرورًا " ترانزيت " - كما يقولون اليوم - إلى الجنة ، أما الكفار فيلبثون فيها أحقابًا . نعم .

سائل آخر : آلات الطرب جائزة في يوم العيد ؛ هل يجوز تعليمها ؟

الشيخ : تعليمها ؟ تعني يعني اتخاذها مهنة ؟

سائل آخر : إما اتخاذها مهنة أو فتح فيها مدارس .

الشيخ : لأنه لا ... - بارك الله فيك - الذي يريد أن يُعلِّم يكون اتخذ ذلك مهنة ، فكالمعلم يعلم الناس أيَّ علم ؛ فالجواب : لا ، والمسألة أبسط - ولا أريد أن أقول أحقر - من أن تحتاج إلى التعلم ؛ لأنها مسألة فطرية ، الناس يرقصون ويدفِّفون وو إلى آخره دون أن يحتاجوا إلى تعليم ، فالمسألة أبسط من ذلك .

من المستثنيات الواردة في السنة الصحيحة من مزامير الشيطان الضربُ بالدف في العرس ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال : ( اضربوا عليه بالدف ) ، وكانوا كذلك يفعلون في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وقد شرحتُ هذه المسألة بشيء من التفصيل في كتيبي " آداب الزفاف في السنة المطهرة " ؛ فمن شاء التوسع في ذلك رجع إليه - إن شاء الله - .

مواضيع متعلقة