شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( يا عبادي ، كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( يا عبادي ، كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم ) .
A-
A=
A+
الشيخ : ثم قال - تعالى - : ( يا عبادي ، كلكم عارٍ ) ؛ لأن الإنسان حينما يُولد يولد - كما يُقال - كما خلقه الله ليس عليه من لباس ، ( يا عبادي ، كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسُكم ) ، تُفهم هذه الجملة كالتي قبلها والتي قبلها ؛ أي : يلجأ الإنسان إلى الله وأنه يفتقر إليه في كل شيء حتى في اللباس ، بل قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( ليسأل أحدُكم ربَّه حتَّى شسعَ نعله ) . الشِّسع هو سير النعل إذا انقطع مع أنَّ هذا شيء حقير وبيروح عند الإسكافي يحط له فرنك فرنكين ثلاثة بيدق له مسمارين ثلاثة ... حتى هذا يسأله - تبارك وتعالى - ربنا ما راح ينزل من عالي عرشه ويفكِّك له نعله ، ولكن حينما يسأله شسع نعله ؛ أي : أن يُسهِّل له مَن يُرقِّع له ذلك .

فإذًا التوجُّه إلى الله - عز وجل - في تيسير أسباب الرزق وأسباب الكسوة هذا أمر هام يجب أن لا يغفل عنه الإنسان ؛ لأنه في الواقع هذه التوجُّهات لهذه الطلبات ولو أنها سهلة إلى الله هو من تمام تحقيق العبد لعبوديته لله - عز وجل - ؛ لأنك حينما تسأل ربك حتَّى شسع نعلك فإنما تُثبت حاجتك إليه حتى في أحقر الأمور ؛ ولذلك قال - عليه الصلاة والسلام - : ( الدعاء هو العبادة ) ، ثم تلا قوله - تبارك وتعالى - : (( وَقَالَ رَبُّكُم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )) .

( يا عبادي ، كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا ؛ فاستغفروني أغفر لكم ) . الله - عز وجل - وصف نفسه في كثير من الآيات إنه غفور رحيم ، (( إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِل السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا )) ، إلى آخره ، وأيضًا في هذا الحديث يصف نفسه بأنه غفور ، ويصف العبد بأنَّه يُخطِئ ليلا نهارًا ؛ فما هو طريق الخلاص خلاص هذا الإنسان من عاقبة ذنوبه الكثيرة التي يجترحها ويرتكبها ليلًا نهارًا ؟ ما هو الخلاص من ذلك ؟

( فاستغفروني أغفر لكم ) ، اطلبوا مني المغفرة لذنوبكم ، (( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى )) ؛ ولذلك قال - عليه الصلاة والسلام - : ( لو لم تُذنبوا لَذَهَبَ الله بكم ولَجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ) ، فالحديث هذا يتَّصل بسبب وثيق بهذه الفقرة من هذا الحديث ؛ ( إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا ؛ فاستغفروني أغفر لكم ) ، كأنه يقول - تبارك وتعالى - في هذا الحديث القدسي أنَّ من طبيعة البشر أن يُخطئ ، وليس فقط يخطئ ؛ بل يبالغ في الخطيئة ، فهو يخطئ ليلاً نهارًا ؛ لذلك أكَّد هذا المعنى في الحديث الآخر وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لو لم تُذنبوا لَذَهَبَ الله بكم ) ؛ يعني حكم عليكم بالعدم ، وخَلَقَ خلقًا آخر من طبيعته أن يُخطئ ، لو أنَّنا نحن لا نخطئ ... على الخطيئة ؛ ما دام هيك عم يقول : ( لو لم تذنبوا لَذَهَبَ الله بكم ، ولَجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ) ؛ لا ، ليس هذا هو المقصود من الحديث ، وإنما المقصود من الحديث ما دام أنَّ من طبيعة البشر أن يُخطئ فلا ييأس من روح الله ، وإنما يلجأ إلى الله بعد أن يُخطئ فيسأله - تبارك وتعالى - أن يغفر الله له ؛ فيغفر الله له لأنَّه غفَّار ، لمن ؟ لِمَن استغفره ، أما المجرم الذي يذنب ويصرُّ على ذنبه وعلى خطيئته ثم لا يتوجَّه إلى ربه فيسأله المغفرة ؛ فهذا لا يغفر الله له .

إذًا إذا كان الأمر كما أفاد هذا الحديث الأخير وكما جاء في حديث آخر في سنده شيء من الضَّعف وهو : ( كل بني آدم خطَّاء ، وخير الخطَّائين التوَّابون ) ؛ فما دام أن من طبيعة الإنسان أن يخطئ فَلْيُتبِعْ خطأه بالتوبة إلى الله وسؤاله ربَّه - تبارك وتعالى - أن يغفر له ذنوبه مهما كان عدده .

نكتفي بهذا القدر الليلة ، لنفتح باب السؤال والجواب .

مواضيع متعلقة