ما معنى البلاغات ؟ وحكمها ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما معنى البلاغات ؟ وحكمها ؟
A-
A=
A+
الشيخ : وإيش بعد ذلك ؟

السائل : " البلاغات " .

الشيخ : أما " البلاغات " ؛ فهذه اشتهر بها بعض الأئمة كالإمام مالك بن أنس - رحمه الله - إمام دار الهجرة ؛ فإنه في كثير من الأحيان يقول في " موطَّئه " : بلغني عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كذا ، أو بلغني عن فلان أنه قال : قال رسول - صلى الله عليه وسلم - كذا ، هذه البلاغات سواء كانت من الإمام مالك - رحمه الله - أو من غيره هي في حكم الروايات المنقطعة ، والتي لا بد للعالم أن يبحث عن أصولها ؛ فإن وجد لها أصلًا درسه على طريقة مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل ؛ فما أوصله أو أوصلته إليه هذه الدراسة حَكَمَ على الحديث إما بالصحة أو الحُسن أو الضعف ، أما مجرَّد كون الحديث بلاغ من المؤلِّف فهذا معناه أنه لا إسناد له ، ولذلك فقد نصَّ علماء الحديث الذين تتبَّعوا " موطأ مالك " أن فيه بلاغات كثيرة قد وُصِّلت في كتب أخرى كـ " التمهيد " - مثلًا - لابن عبد البر ، أو غيره من كتبه ؛ فقد أوصل بأسانيد له كثيرًا من بلاغات الإمام مالك ، لكن بقيت هناك قليل من الأحاديث التي لم يتمكَّن علماء الإسلام حتى اليوم - ولن يتمكَّنوا - من أن يُوجدوا لها أسانيد ، من ذلك ما جاء في " الموطأ " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – قال : " إني لا أنسى ، إنما أُنسَّى لأشرِّع " ، هذا حديث لا أصل له ، وقد كنت ذكرته في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " ، وبيَّنتُ نحو هذا البيان - أي : أنه لا إسناد له - ، ومع ذلك فهو منكر من زاوية إنكار الرسول - عليه السلام - في هذا الحديث نسبة النسيان إليه ؛ مع أنه قد ثبت في " صحيح البخاري ومسلم " قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسَون ، فإذا نسيت فذكِّروني ) ، فهو - عليه السلام - كالبشر ينسى كما ينسون ، لكن هذا لا ينفي أن يكون في نسيانه - عليه الصلاة والسلام - حكمة يترتَّب من ورائها فائدة شرعية ؛ كمثل الحديث أو القصة التي ذكر الرسول - عليه السلام - بمناسبتها هذا الحديث : ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكِّروني ) ؛ فالقصة تقول أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى بأصحابه الظهر خمسًا وسلَّم ، فقال له أحدهم : يا رسول الله ، أزيد في الصلاة ؟ قال : ( لا ، وما ذاك ؟ ) قالوا : صليتَ خمسًا ، فسجد سجدتي السهو ، ثم قال هذا الحديث : ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكِّروني ) ؛ أي : يقول لهم كان عليكم أن تذكِّروني بهذه الزيادة لهذه الركعة ؛ أي : أن يقولوا : " سبحان الله " - كما هو السنة المعروفة - .

فإذًا قد وقع هذا النسيان منه - عليه الصلاة والسلام - ، وترتَّب منه حكم شرعي ، وكثير من الناس يُخالفون اليوم هذا الحكم الذي استفدناه من هذه الحادثة ؛ طالما سمعنا أسئلة تتوارد على قصة تشبه هذه القصة ؛ إمام كان يصلى صلاةً رباعية ، فقام إلى الخامسة ناسيًا ، فاضطرب الناس من ورائه ، ومنهم من تابعه ، ومنهم من ظلَّ جالسًا في التشهد وسلَّم وفارق الإمام ، ومنهم من جلس في التشهد ينتظر هيئة الإمام وعودة الإمام فيسلِّم معه ، والحديث يقول : أن الصحابة تابعوا الرسول - عليه السلام - كلهم ؛ قام إلى الخامسة فقاموا معه جميعًا ، ثم سلموا معه جميعًا ، فعلى المسلم إذا ابتُلي بمثل هذه القضية كان مقتديًا بإمام فقام إلى الركعة الخامسة ساهيًا ؛ فعليه متابعته ، ولا ينبغي له أن يُخالفه كما ذكرنا آنفًا ما يفعله بعضهم ، ولا يقال هنا - كما يقول بعض الناس - : أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما تابعوه لأنهم كانوا يظنُّون أنه من الممكن أن يكون جاء شرع جديد ؛ وهو أن تصبح الصلاة الرباعية خمسًا ، فتابعوه من أجل ذلك ، ولو أنهم عرفوا أن النبي - صلى الله عليه آله وسلم - قام ناسيًا لَمَا تابعوه ، هكذا يقول البعض ، ونحن نقول : من أين لكم هذا ؟ من أين تثبتون لو كان كذا وكذا لكان كذا وكذا ؛ من أين هذا ؟ مع أن هذه الفرضية تُنافي أولًا شيئين اثنين :

الشيء الأول : القاعدة التي تقول بكلام الرسول نفسه : ( إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتمَّ به ، فإذا كبَّر فكبِّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا ، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين ) ، هذه القاعدة مُطلقة توجب على المقتدين أن يتابعوا الإمام ولو كان الإمام أخطأ في وجهة نظر المقتدين ؛ ألا ترونَ أن الإمام لو سها عن التشهد الأول وقام إلى الركعة الثالثة أنَّه يجب على المقتدين أن يتابعوه ؟ الجواب : نعم ، وذلك ثابت في السنة الصحيحة ، هذا هو الأمر الأول في وجوب متابعة الإمام إذا أخطأ فقام إلى الخامسة ؛ أي : أن الأصل متابعة الإمام ، ولا يجوز الخروج عن هذا الأصل إلا بدليل مخصِّص كما نقول ذلك دائمًا وأبدًا ؛ نعمل بالنَّصِّ العام إلا إذا وُجِدَ ما يمنعه هنا أن نعمل به في جزء من أجزائه .

الشيء الثاني : لو أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حين تابعوا الرسول وقاموا معه إلى الركعة الخامسة كانوا مخطئين ؛ لَبَيَّن لهم الرسول - عليه السلام - أنكم أخطاتم ، وكان عليكم أن تظلُّوا جالسين للتشهد ، أو على الأقل كان - عليه الصلاة والسلام - يبيِّن أن الذين يأتون من بعدنا - بعد أن تستقرَّ الأحكام الشرعية فلا زيادة فيها ولا نقصان - أن عليه ألَّا يتابعوا الإمام ؛ لأنه - كما يقول العلماء - : " تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز " ، فلو أن الصحابة كان اقتداؤهم بالرسول إلى الركعة الخامسة لكون الزمن زمن تشريع ، وأنه إذا جاء الزمن انتهاء التشريع كان الرسول - عليه السلام - يبيِّن للناس لأنه - كما ذكرنا آنفًا - قال - عليه السلام - : ( ما تركت شيئًا يقرِّبكم إلى الله إلا وأمرتكم به ) ، فهو لم يترك المسلمين حيارى في أيِّ حكم شرعي ، ومن ذلك إذا أخطأ الإمام وقام إلى الركعة الخامسة لم يقل في حديث ما لا تتَّبعوه وخالفوه ، بل وضع تلك القاعدة العامة : ( إنما جُعل الإمام لِيُؤتمَّ به ) ، وفي لفظ آخر : ( إنما جُعل الإمام لِيُؤتمَّ به فلا تختلفوا عليه ) ، ( فلا تختلفوا عليه ) فقيام الإمام إلى الخامسة ساهيًا ، وبقاء المصلين في التشهد ؛ هذا بلا شك مخالفة للإمام ، وذلك ممَّا لا يجوز .

غيره ؟ باقي من الوقت عشر دقائق .

تفضل .
  • فتاوى جدة - شريط : 34
  • توقيت الفهرسة : 01:00:25
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة