كلام الشيخ عن توثيق ابن حبان . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كلام الشيخ عن توثيق ابن حبان .
A-
A=
A+
الشيخ : وأنا أضرب لكم على ذلك مثلًا أصبح اليوم حديثَ الناس ، وأعتقد أن هذا المثل ينطبق مثله أو نحوه على الناشئين من طلاب العلم في العصر الحاضر ، والذين توجَّهوا في كليتهم لدراسة علم الحديث بأشخاصهم ، أو دراسةً منهم على بعض شيوخهم ، ذاك المثال أنَّني اعتمدتُ في تقوية بعض الأحاديث في هذا الكتاب على توثيق ابن حبان ، أما أنا فلعل من كان منكم له عناية في لأنه يوثِّق المجهولين ، أنا كسائر الناس اليوم وقبل اليوم كنت غافلًا عن التحقيق في توثيق ابن حبان هذا ، حتى يسَّر الله لي أني طلبتُ نسخةً من " لسان الميزان " للحافظ الذهبي ، وفيه اهتديتُ وعرفتُ أن توثيق ابن حبان قام على قاعدة خاصة له ، وهي توثيق المجهولين ، بعد زمان من انتهائي من كتاب " الروض النضير " عرفتُ هذه الحقيقة ، وبدأت أنشرها في بعض مؤلفاتي ، ومضيتُ على هذا سنين أي : إذا تفرَّد ابن حبان بالتوثيق فلا يُعتدُّ بتوثيقه ، إلى أن وقفت على كلام للشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني - رحمه الله - في كتابه النافع ، وهو المسمَّى بـ " التنكيل لما في تأنيب الكوثري من الأباطيل " ، رأيتُه لأول مرة ينبِّه على قاعدة لم - وعليكم السلام - لم أرها لغيره ، وهي أنه بعد أن ذكر ما ذكرته آنفًا من أنَّ توثيق ابن حبان إذا تفرَّد بين الحفاظ لا يُوثق به استثنى من ذلك فقال : " إلا ما كان توثيقه مقيَّدًا بشيوخه " ؛ ففي هذه الحالة يكون توثيقه معتمدًا عليه ، لأنه في الحال الأولى يوثِّق بناء على أن الأصل في الراوي أنه ثقة ، ولو كان مجهولًا ، ولذلك فهو نجده يقول في كثير من الرواة الذين ذكرهم في كتابه " الثقات " يقول : روى عنه فلان ولا أعرفه ولا أعرف أباه ، فهو يصرح بأنه مجهول لديه ؛ ومع ذلك فهو يوثِّقه ، أما شيوخه فليسوا كذلك ؛ فهو لا شكَّ عرفهم ؛ لأنه درس عليهم ، وتلقَّى الحديث منهم ، فإذًا هؤلاء يُستثنون من القاعدة ، ثم بدا لي استثناء آخر ، وقد شرحته في بعض كتبي ، ومن ذلك " تمام المنة في التعليق على فقه السنة " ، وهذا النوع يشمل بعض الرواة الذين ذكرهم ابن حبان في " الثقات " ، ولم يوثِّقه غيره ، لكن هذا الراوي الموثق عند ابن حبان روى عنه جمع من الثقات ، في هذه الحالة بدا لي أخيرًا أن هذا الموثق من ابن حبان يكون ثقة .

فانظروا الآن هذه المراحل التي مرَرْتُ بها ، فلذلك نحن ننصح - كما نصحتُ نفسي - لا أسمح أن أنشر هذا الكتاب إلا بعد أن مضى عليه ثلاثة أكثر من خمسين سنة ؛ لأنني ألفته وعمري في حدود الرابعة والعشرين ، وأنا الآن في السادسة والسبعين ؛ فلا أسمح لنفسي بنشر هذا الكتاب ، إلا لو يسَّر الله لي أن أعيد النظر فيه من أوله إلى آخره ، وأستدرك ما فاتني بالنسبة لهذه الملاحظة التي ذكرتها آنفًا .

تجربتي في هذه الحياة الطويلة ، وبهذا العلم الخاص ، أنا أنصح الشباب الناشئين اليوم والراغبين في دراسة هذا العلم أنَّهم إذا ألَّفوا في موضوع ، أو علَّقوا على كتاب أو رسالة ؛ أن لا يبادروا إلى نشر ذلك ، وإنما ينتظرون به على الرَّفِّ عندهم ، كما فعلت أنا طيلة هذه السنين الطويلة بهذا الكتاب ؛ لأنني ألَّفته قبل النضج العلمي لهذا الفن العظيم ، وهو علم حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .
  • فتاوى رابغ - شريط : 5
  • توقيت الفهرسة : 00:28:33
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة