ذكرتم أنه من عمل بالنصوص العامة في الحياة العامة أنه لم يتَّبع سبيل المؤمنين ؛ نرجو توضيح ذلك ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ذكرتم أنه من عمل بالنصوص العامة في الحياة العامة أنه لم يتَّبع سبيل المؤمنين ؛ نرجو توضيح ذلك ؟
A-
A=
A+
السائل : يا سيدي ذكرتم قبل قليل أن الأحاديث العامة والآيات العامة عن أيِّ موضوع نتَّبع سبيل المؤمنين .

الشيخ : إي نعم .

السائل : ما هي درجة سبيل المؤمنين بالنسبة لمصادر الإسلام ... بالنسبة للقرآن والسنة ؟ كيفية الوثوق أنُّو سبيل المؤمنين ليس ببدعة ؟

الشيخ : سبيل الوثوق أوَّلًا المقصود بالمؤمنين هم السلف الصالح المشهود لهم بالخيرية في الأحاديث الصحيحة : ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) ، ليس المقصود بسبيل المؤمنين هم الخلف المذمومين كما جاء في القرآن الكريم : (( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ )) إلى آخره ، إلا حينَما نعلم أن الخلف ماشي على منهج السلف ، توارثوا ، وهذا موجود قضايا كثيرة جدًّا والحمد لله كما نقول في بعض المناسبات أنُّو إلى اليوم لا يوجد مسلم بيستحل أنُّو يأخذ ربا مقابل القرض ، لكن يستحلُّ أنواعًا من الربويَّات بطرق أخرى ما هي صريحة في كونها ربا أوَّلًا ، ثم هي موضع خلاف بين العلماء أنفسهم ثانيًا ؛ في هذه الحالة الثانية على المسلم أنُّو يرجع كما قال - تعالى - : (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ )) ، لكن في الحالة الأولى ما في حاجة ؛ إذا وجدت المسلمين ماشين على تفسير لآية أو تفسير لحديث أو تطبيق لآية أو تطبيق لحديث ؛ فما ينبغي أن يأتي إنسان برأي جديد ؛ حتى العلماء المفسِّرون المحقِّقون كابن تيمية - رحمه الله - يقول : إذا كان يوجد نصٌّ في تفسير آية ما أو حديث ما من العلماء السابقين ، وهذا النَّصُّ على وجهين مثلًا ؛ لا يجوز لنا أن نُحدِثَ وجهًا آخر ، وإنما علينا أن نختار أحد الوجهين أو النَّصَّين في التفسير .

يلاحظ هو أن الذي يأتي بتفسير جديد خالف سبيل المؤمنين ؛ لأن المؤمنين ما ذكروا في تفسير نصٍّ ما إلا كما افترضنا وجهين آنفًا ، فإذًا لمَّا نعلم أن المسلمين السابقين الأولين جروا على نمط من العبادة فنحن يجب علينا أن نلتزمها ، ومعرفة هذا النَّمط من العبادة له طريقان ؛ أحدهما النقل ؛ النقل الصريح المنصوص - مثلًا - أنُّو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج لصلاة العيد إلى المصلى صلَّى بغير أذان ولا إقامة ، ولا الصلاة جامعة ، ولا أي شيء ، هذا نصٌّ صريح ، بينما - مثلًا - بالنسبة لصلاة الاستسقاء ، صلاة الكسوف ما في عندنا نص بدون أذان ولا إقامة ، ما في عندنا نص ، لكن الحكم واحد ؛ كيف ؟ بالنسبة للعيدين واضح ؛ لأنه جاء النص في " صحيح مسلم " من حديث جابر بدون أذان ولا إقامة ، أما بالنسبة لصلاة الاستسقاء - مثلًا - التي يُجمع فيها بين الناس وصلاة الكسوف الاستقراء ، وقول العلماء في مثل هذا الاستقراء لو وقع لَنُقِلَ ، وهذا ما عبَّرت عنه آنفًا لو وقع هذا الوضع بعد الركوع لتوفَّرت الدواعي لنقل هذا إلى المسلمين ؛ لأننا قلنا آنفًا أنُّو الصحابة نقلوا لنا أشياء لو ما نقلوها ما في عليهم وزر ؛ لأنُّو ما بيكونوا كتموا العلم ، لكن من حرصهم على نقل ما يصدر من الرسول - عليه السلام - نقلوا لنا أشياء ذكرتُ آنفًا بعضها ، ونقلوا لنا أنه لما دخل مكة كان له أربعة غداير أربعة ضفائر ؛ علمًا أنُّو لا أحد يقول هذه سنة تعبُّدية ، لكن مو كل شيء متعلق بالرسول ؟ فهنّ حريصين كل الحرص أنُّو ينقلوه إلى المسلمين الآتين من بعدهم .

فإذًا طريقة معرفة ما كان عليه السلف له طريقتان ؛ الطريقة الأولى يعرفها كل طالب علم ؛ وهو أن يُنقل أنُّو الرسول ما فعل هذا ، ولا أمر به ، ولا حضَّ عليه . الطريق الثاني أنهم بالاستقراء نعلم أنهم ما فعلوا ، ما في عندنا نص من بعض السابقين أنُّو ما فعلوا ، لكن العالم لما بيبحث في كتب السنة وكتب الحديث والتاريخ والسيرة وإلى آخره لا يجد أحدًا من السلف الصالح يقول أنُّو - مثلًا - كان هناك في مسجد الرسول - عليه السلام - مئذنة ، ما في ضرورة هلق لحتى نقول أنُّو المئذنة هذه بدعة أنُّو يكون عندنا نص كما يقول الجَهَلة لما نقول له : هَيْ بدعة . إي نهي عنها الرسول - عليه السلام - ؟ أخي ، ما في حاجة نحن كل شيء نقول : هذا من محدثات الأمور يكون عندنا نهي عنه ؛ لأنُّو لما يكون في نهي عنه ما يُقال : هذا بدعة ، هذا يكون محرَّم ؛ حكم منصوص عليه .

كذلك - مثلًا - وهو دون الأمر الأول ؛ شوف هلق قضية المئذنة مين اللي يشوف مآذن في زمن الرسول وزمن السلف ثم لا يُنقل من ذلك شيء إطلاقًا ؟ هذا مستحيل ، أبسط من هيك أنُّو واحد نقل لنا أن الرسول - عليه السلام - كان في مسجده محراب ، وهذه الكتابة التي تُكتب على المحاريب اليوم هي من الضلالة في مكان عميق ، لأنها أوَّلًا توهم الناس أن المعنى المقصود من المحراب في الآية هو هذا المحراب هاللي عبارة عن طاقة في مسجد ، وليس هذا المعنى المقصود من الآية أبدًا ، وإنما المقصود بالمحراب مكان الصلاة ؛ يعني هذه الغرفة أو غيرها إذا اتَّخذها صاحبها من أجل الصلاة فهي محراب ، فلما بيضعوا هالآية الكريمة فوق المحراب المبتدع اللي ما له أصل فيه ضلالتين ؛ أوَّلًا تحريف معنى الآية الكريمة ، وثانيًا تشجيع على المحاريب التي هي توضع في المساجد وهي لا أصل لها ؛ ولذلك ألَّف في هذا المجال الإمام السيوطي رسالة سمَّاها .

السائل : " تحفة الأريب " .

الشيخ : نعم ؟

السائل : " تحفة الأريب " .

الشيخ : إي نعم ، " في بدعة المحاريب " .

السائل : ... .

الشيخ : لا ، السيوطي .

الخلاصة ، فكذلك نحن نقول : هل هناك نقل من بعض الصحابة أو من بعض التابعين أنُّو لم يكن في مسجد الرسول - عليه السلام - محراب ؟ طبعًا لا ، وأشياء كثيرة وكثيرة جدًّا ، مثلًا السبحة هاللي بيقولوا بعض الحيوانات من البشر أنُّو الرسول لما مات خلَّف كذا وكذا ، ومن جملة مخلَّفاته مسبحة ، سبحان الله !! ما في عندنا أبدًا أثر أنُّو ما كانت السبحة موجودة في زمنه ، لكن العلماء يستدلون على ذلك بقرائن لا يشاركهم فيها إلا مَن كان مثلهم ؛ مثلًا تسمية هالأداة الحديثة السُّبحة هذا خطأ عربيَّةً ، فأهل المعرفة باللغة العربية لا سيَّما إذا كانوا من أهل السنة والجماعة يكفيهم أن يستدلوا عن بدعة السبحة أنُّو إطلاق هذا الاسم غير معروف في كتب اللغة ، وكتب اللغة المتأخِّرة بيقولوا السبحة مولَّدة ، السبحة بمعنى الآلة التي يسبَّح بها مولدة ؛ يعني ما كانت في زمن الأولين من الصحابة والتابعين .

فإذًا باختصار أظن وضح لك - يا أبو عادل - طريق معرفة ما كان عليه المسلمين الأوَّلون طريقتان ؛ الطريقة الأولى يُنَصُّ عليها أنها الأجزاء الفلانية أو الأمور الفلانية التي لم تكن ، والطريقة الأخرى الاستقراء هو الذي يُشعر العلماء بأنُّو محدثات من الأمور لم تكن ، وهذا في الواقع من دقائق العلم التي يغفل عنها كثير من المشايخ اليوم مع الأسف الشديد .

مواضيع متعلقة