إذا اهتدى رجل إلى طريق الخير يقولون : لا بد له من شيخ يأخذ عنه الطريق ؛ لقوله - تبارك وتعالى - : (( الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا )) ؛ فما صحة ذلك ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
إذا اهتدى رجل إلى طريق الخير يقولون : لا بد له من شيخ يأخذ عنه الطريق ؛ لقوله - تبارك وتعالى - : (( الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا )) ؛ فما صحة ذلك ؟
A-
A=
A+
السائل : سؤال يقول : إذا اهتدى مسلم لطريق الخير ، يقولون : لا بد من شيخ يأخذ عنه الطريق ؛ لأن الله - تعالى - يقول : (( الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا )) .

الشيخ : صدق الله : (( فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا )) ، والله - عز وجل - يقول - أيضًا - : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال في قصَّة ذلك الرجل الذي كان غازيًا مع جماعة من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فأُصِيبَ بجراحاتٍ ، فأصبح ذاتَ صباحٍ محتلمًا قد وجب عليه الغسل ، فسأل مَن حوله : أيجدون له رخصة في أن لا يغتسل ؟ فقالوا له : لا بد لك من الغسل ، فاغتسل فمات بسبب الجراحات التي كانت في بدنه ، فلما بلغ خبره رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( قتلوه قاتلهم الله ! أَلَا سألوا حين جهلوا ؛ فإنما شفاء العَيِّ السؤال ) .

لا شك أن الآيتين المذكورتين آنفًا وهذا الحديث يجعل العالم الإسلامي من حيث العلم والجهل قسمين : قسم - وهو الأقل - هم أهل العلم ، والقسم الآخر - وهو الأكثر - وهم الذين لا يعلمون ؛ كما سمعتم في الآية السابقة : (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) ، فأوجَبَ على كلٍّ من القسمَين واجبًا ؛ أوجب على مَن لا يعلمون أن يسألوا أهل الذكر ، وأوجب على هؤلاء أن يُجيبوا السائل كما صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( من سُئِلَ عن علمٍ فكتَمَه أُلجِمَ يوم القيامة بلجامٍ من نار ) ، فلا بد لمن لم يكُنْ عالمًا أن يكون طالب علم ، أو على الأقل أن يسأل أهل العلم كما جاء في الأثر عن معاذ - رضي الله تعالى عنه - أنه قال : " كُنْ عالمًا أو متعلِّمًا أو مستمعًا ، ولا تكُنِ الرابعة فتهلك " ، أي : لا أنت تستمع للعلم ولا تسأل عنه ؛ فحينئذٍ تعيش جاهلًا لا تعرف كيف تعبد الله - تبارك وتعالى - !

فسؤال أهل العلم مسألة لا خلاف فيها ، أمَّا اتخاذ شيخ طريق فقد عرفتم أن الطريق الموصل إلى الله - تبارك وتعالى - هو هذا الصراط المستقيم الذي تَرَكَنا عليه نبيُّنا الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم - ، والعلماء هم الأدلَّاء على هذا الطريق ، فهم الذين يجب أن يُسألوا ، ولا يجوز للمسلم أن يتَّخذ شيخًا يخصُّه باتباعه وبالتعلُّم منه دون العلماء الآخرين ؛ لأنه هنا يقع خطأ فاحش ؛ وهو أنَّه كما يجب علينا أن نوحِّد الله - عز وجل - في عبادته فيجب علينا أن نُفرِدَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في اتباعه ؛ فلا يجوز أن نتَّخذ متبوعًا فردًا من بين العلماء مهما كان العالم منهم علا وسما في العلم والفضل ، فهذه المنزلة ليست إلا لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وذلك من معاني قول المتشهِّد : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله ؛ فهو متبوع من بين البشر ، فاتخاذ المسلم شيخًا واحدًا أو معلِّمًا واحدًا يعلِّمه لا يستفيد من المشايخ الآخرين والعلماء الآخرين علمًا ؛ هذا إخلالٌ في اتباع الرسول - عليه السلام - ؛ لأن كل العلماء ينبغي أن يُتَّخذوا أدلَّاء يدلوننا على ما كان عليه رسولنا - صلوات الله وسلامه عليه - ، والعالم الواحد مهما أُوتِيَ من العلم فالأمر فيه وفي حقِّ كل عالم كما قال الله - عز وجل - : (( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا )) .

فهذه خرافة صوفيَّة قديمة أنه يجب على كلِّ مسلم أن يتَّخذ شيخًا ، نحن نقول : يجب على كلِّ مسلم أن يكون عالمًا أو متعلِّمًا أو مستمعًا وإلا كان هالكًا ، أما أن يتَّخذ شيخًا وحيدًا فريدًا ؛ فهذا من عمل الشيطان .

نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يوفِّقَنا جميعًا لاتباع الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح ، وأن يُبعِدَنا عن تتبُّع الطُّرق التي على رأس كلِّ طريق منها شيطان يدعو الناس إليه ، (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )) ، والحمد لله رب العالمين .

السائل : وصلى الله وسلَّم على محمد وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا .

مواضيع متعلقة