الرد على من قسم البدعة إلى سيئة وحسنة احتجاجاً بحديث ( من سن في الإسلام سنة حسنة ... ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الرد على من قسم البدعة إلى سيئة وحسنة احتجاجاً بحديث ( من سن في الإسلام سنة حسنة ... ) .
A-
A=
A+
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . (( يا أيها يها الذين أمنوا أتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) . (( يأيها الناس أتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءَ واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) (( ياأيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداَ يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً )) . أما بعد.، فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة ٍفي النار، موضوعي في هذا الصباح المبارك إن شاء الله يدور حول مسألةٍ طالما اختلفت أنظار العلماء المتأخرين منهم بخاصة في جملةٍ من خطبة الحاجة التي سمعتموها أنفاً وكان نبينا صلوات الله وسلامه عليه يفتتح بها خطبه كلها وبخاصة منها خطبة الجمعة وأعني بذلك من هذه الخطبة (كل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار ) ، فإن كثيراً من العلماء المتأخرين ذهبوا إلى تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام وهم بذلك يضطرون إلى أن يقولوا أن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار ) من العام المخصوص ومعنى هذا الكلام أنه ليس الأمر على هذا الإطلاق والشمول لكون كل بدعةٍ ضلالة بل بعد أن تأولوا هذه الجملة على أنها من العام المخصوص تصبح عبارتها على العكس من صريح دلالتها تماما أي ليس كل بدعةٍ ضلالة ومعنا في هذا التأويل من إخراج الكلام عن دلالته الظاهرة فينبغي علينا أن نعرف شُبهة هؤلاء العلماء من المتأخرين الذين تأولوا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( كل بدعة ضلالة ) بما سمعتم ، إن الكلام حول الشبهات التي يميل إليها ويجنح إليها أولئك الناس كثيرة لكني أريد أن أخصص هذه الجلسة بحديث صحيح يتكؤون عليه فيما يذهبون إليه مما ذكرت آنفاً وخلاصة هذا أن في الإسلام بدعةٌ حسنة ومن أقوى أدلتهم وروداً وليس دلالةً إنما هو الحديث الصحيح المشهور ( من سَن في الإسلام سُنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ومن سَن في الإسلام سُنةً سيئةً فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أوزارهم شيء ) ، هذا الحديث هو كما قلت آنفا من أقوى أدلتهم من حيث الرواية وحينما أقول من حيث الرواية فإنما أعني ما أقول وأقصد ما أقول ذلك لأن هذا الحديث حينما نتأمل في سبب وروده أولاً وفي التحقيق في معناه ثانياً ينقلب الحديث حجة عليهم من حيث دلالته أول ذلك أن نتذكر سبب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أن نتذكر المناسبة التي فيها قال عليه الصلاة والسلام هذا الحديث الصحيح والحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده وغيرهما من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه قال كنا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاءه أعرابٌ مجتابي النمار متقلدي السيوف عامتهم من مُضر بل كلهم من مُضر قال جرير لما رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تمعر وجهه أي تغيرت معالم وجهه أسفاً وحزناً على ما رأى عليهم من آثار الفقر فما كان منه عليه الصلاة والسلام إلا أن خطبهم فوعظهم وأمرهم بأن يتصدق أصحابه على هؤلاء الطارقين للمدينة من فقراء الأعراب من مُضر فقرأ في جملة ما قرأ عليه الصلاة والسلام : (( يا أيها الذين أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربي لولا أخرتني إلى أجلٍ قريب فأصدق وأكن من الصالحين )) وقال صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته ( تصدق رجل بدرهمه بديناره بصاع بره بصاع شعيره ) فقام رجل أول من قام من الحاضرين استجابة منه لموعظة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذهب إلى داره ليعود بما تيسر له من صدقة، ووضع ذلك بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأى سائر أصحابه ما فعل هذا اقتدوا به وانطلقوا أيضاً ليعود كل منهم بما تيسر من الصدقة قال جرير فاجتمع أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات كالجبال أي الأكوام ، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنور وجهه كأنه مذهبةٌ على خلاف ما كانت حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما جاءه الأعراب فهناك تمعر وجهه تغيرت ملامح وجهه حزناً أما هنا فتنور وجهه عليه السلام فرحاً يشبه ذلك جرير بقوله كأنه مُذهبةُ أي كأنه فضة مطلية بالذهب تلألئ فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الحديث السابق : ( من سَن في الإسلام سُنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ومن سَن في الإسلام سُنةً سيئةً فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أوزارهم شيء ) ، فإذا رجعنا إلى سبب قوله عليه السلام لهذا الحديث أو سبب وروده وتأملنا فيه لن نجد هناك شيء حدث من العبادات أو الطاعات لم تكن معروفةُ من قبل لم نجد هناك سوى الصدقة حيث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكرهم بالآية المذكورة بما يجب عليهم من الصدقة وأتبعها بكلام من عنده عليه السلام حضاً ولو على الصدقة القليلة كما جاء في الحديث الصحيح : ( تصدقوا ولو بشق تمرة ) فموضوع الحديث كما ترون هو حول الصدقة فإذا رجعنا وفسرنا الحديث فصلاً له عن سبب وروده فقلنا كما يقول أولئك المتأخرون من سَن في الإسلام سُنةً حسنةً أي من ابتدع في الإسلام بدعةً حسنة إن فسرنا حديثه عليه السلام هذا بهذا التفسير تباين التفسير مع الواقع لأن الواقع ليس فيه بدعةً تذكر مطلقاً كل مافيه هو حضه عليه الصلاة والسلام على الصدقة وتجاوب الصحابة معه على الإتيان بها كل مافي الأمر أن رجلاً واحداً منهم تقدم البقية بالإتيان بالصدقة فتبعه الآخرون فمن أجل أن هذا الرجل الأول هو الذي قام قبل كل آخر وجاء بالصدقة فتنشط الآخرون لهذه الصدقة وتبعوه على ذلك فقال عليه الصلاة والسلام ( من سَن في الإسلام سُنةٌ حسنة ) أي يكون معنى الحديث على خلاف المعنى الخلفي المبتدع الداخل أيضاً في عموم قوله عليه السلام ( كل بدعةٍ ضلالة ) ليكون قولهم من سَن في الإسلام سُنةٌ حسنة أي من ابتدع في الإسلام بدعةً حسنة أيضاً هذا التفسير هو مُبتدعٌ في الإسلام لماذا لأن المعنى الصحيح لهذا الحديث مَن سَن لُغةً من فتح طريقاً مَن سَن في الإسلام سُنةً حَسنَةً ... وهل فتح الطريق إلى أمر مشروع بالكتاب و بالسنة أماته الناس مع الزمن أو مع الغفلة فقام رجلٌ فأحيا هذه السنة المنصوص عليها بالكتاب أو في الكتاب والسنة يقال فيه لقد ابتدع في الإسلام بدعةً حسنة كلا ثم كلا إنما جاء بأمر مشروع مُسبقا وإنما الشيء الجديد في الموضوع أنه أحيا هذه السُنة فإذن إذا رجعنا فقط إلى سبب الحديث عرفنا بطلان ذلك التأويل الذي كان من الأسباب القوية على تخصيص عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار ) ، هذا هو السبب الأول الذي يدل دلالة واضحةً على بطلان التأويل المذكور . السبب الثاني إذا وقفنا عند متن الحديث : ( من سَن في الإسلام سُنةٌ حسنة ) وتمام الحديث : ( ومن سَن في الإسلام سُنةٌ سيئة ) فسنقول للمتأولين لهذا الحديث على غير تأوليه الصحيح ما هو طريق معرفة السنة الحسنة والسنة السيئة آلعقل أم الشرع ! إن كان من أهل السنة حقاً فسيكون الجواب طريق معرفة الحسنة و السيئة إنما هو الشرع فقط ولا مجال للعقل في ذلك إطلاقاً خلافاً للمعتزلة قديماً حديثاً المعتزلة قديماً اسماً ومسمىً والمعتزلة حديثاً مسمىً لا اسماً وهم كثيرون وينطون تحت أسماء كثيرة وكثيرة جداً يوهمون الجماهير بها أنهم على السنة فإذا كان ما يقوله المعتزله وهو مما انفصلوا فيه عن أهل الحديث وأهل السنة حقاً ألا وهو قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين إذا كان قولهم هذا من جملة ضلالهم الذي حشرهم في فرقة من الفرق المنصوص عليها في حديث ( وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ) وخرجوا بذلك عن كونهم من الفرقة الناجية لأنهم اتبعوا عقولهم وأهوائهم وخرجوا عن الجماعة وعن الفرقة الناجية التي تقول ليس للعقل دخل في التحسين والتقبيح وإنما وظيفته فقط أن يفهم الحسن والقبيح فيأتي بالحسن ويدع القبيح إن أهل الاعتزال انفصلوا على أهل السنة وأهل الحديث حتى من كان من أهل السنة في بعض المسائل قد انجرف مع الاعتزال في بعض مسائلهم أما في هذه المسألة فقد ضلوا مع الجماعة أن التحسين والقبيح العقليين باطل وأن الحسن والسيء لا سبيل لمعرفته إلا بالشرع إذا كان هذا أمر متفق عليه بين أهل السنة وحينئذٍ نقول لهؤلاء الذين فسروا الحديث بالتفسير الخطأ من سَن بمعنى من ابتدع في الإسلام بدعةً حسنة سنقول الآن ندع مناقشتكم في اللفظ في التعبير من ابتدع لأنني قلت في بعض المحاضرات في مثل هذا البحث لو أن عربياً بل أعجمياً مثلي استعرب وقال بمثل تلك المناسبة التي قال الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك الجملة لو قال أعجميُ قد استعرب من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة لا شك سيقال في حقة لقد غلبت عليه العُجمة لأنه ليست هناك بدعة ليصوغ له أن يقول من ابتدع في الإسلام بدعةً حسنة ًفكيف يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بحقٍ أفصح من نطق بالضاد فكيف يُنسب له أنه قال بمناسبة هذا الرجل الأول وإتيانه بالصدقة قال عليه السلام ما معناه عندهم من ابتدع في الإسلام بدعة ًحسنةً فأين البدعة في هذه الحادثة عارٌ على الأعجمي المُستعرب أن يقول مثل هذا المعنى بمثل هذه المناسبة فكيف يُنسب هذا المعنى إلى أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وآله وسلم فنعود ونقول إذا كان الحُسن والقُبح لا يعرف إلا بطريق الشرع فحينئذٍ إذا سلموا معنا ولا شك أن الذين ينتمون إلى هذه الُسُنة هم معنا في هذه الجزئية على الأقل وهي أن التحسين والتقبيح العقليين باطلٌ وأن التحسين والتقبيح إنما هو بالنقل عن الشرع حينئذٍ سنقول كلما جئتم ببدعةٍ وزعمتم بأنها حسنةُ قلنا لكم هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين فإن نهض بُرهانُهم على إثبات ما ادعوه من حُسن تلك البدعة سلمنا لهم لا لأنها بدعةُ داخلةٌ في عموم قوله عليه الصلاة والسلام : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) ، وإنما لأنه قام الدليل الشرعي على أن ذلك الأمر الذي حسّنوه هو أمر مشروع فنحن في هذه الحالة نكون قد اتبعنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته العامة التي كان يشير إليها قبيل قوله ( كل بدعة ضلالة ) حيث كان يقول ( وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإياكم ومحدثات الأمور ) إلى آخر الحديث كذلك نقول في تمام الحديث ( ومن سَن في الإسلام سُنةً سيئةً ) من عجائب هؤلاء المبتدعة في أخر الزمان أنهم حين يستحسنون أمراً حادثاً يلجأون إلى عقلهم وهم بذلك ينقضون نفسهم أن التحسين لله وليس لعباد الله كذلك على العكس من ذلك حينما يقولون لبعض المحدثات من الأمور بأنها من البدع ويُحذرون الناس منها وبخاصة إذا كان هؤلاء الناس من أهل السنة الذين يحرصون على أن لا يزيدوا على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً أن يزيدوا شيئاَ على ما جاء به الرسول عليه السلام من العبادات يقول هؤلاء الذين لم يحسنوا فهم هذا الحديث أنت بتقول أنه الزيادة الفلانية مثلاً بدعة شو فيها يا أخي ما هو مثلاً إلا الذكر وإلا الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تركوا أصلهم من القول أن التحسين والتقبيح لله وصاروا مُعتزلة بحيث أنهم حكموا عقلهم بقولهم شو فيها يا أخي ثم يعودون ليقولوا يا أخي ها الساعة التي تحملها والسيارة التي تركبها هذه أيضاً من البدع فكيف تقر هذا وتنكر ذاك هذه غفلة خطيرة وخطيرة جداً أولاً كما نحن فيه من بيان معنى الحديث الصحيح : ( من سَن في الإسلام سنة حسنة ) دل الإسلام على حُسنها ( ومن سَن في الإسلام سنة سيئة ) دل الإسلام على أنها سيئة فهل مثلاً استعمال الساعة أو سيارة أو كل هذه الوسائل الحديثة اليوم التي أقل ما يقال أنه يمكن استعمالها فيما يباح فضلاً أنه يمكن استعمالها فيما يشرع هل هذه الوسائل التي حدثت هل يمكن أن تدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) هذا في الواقع يتطلب منا وقفة قد تطول من أجل درء أو دفع هذه الشبهة وهي أن بعض المحدثات قد تكون من الواجبات على الرغم من كونها محدثات لم تكن من قبل ولكننا لا نقول مع حدوثها بأنها بدعةٌ لأن البدعة مذمومةٌ ذماً عاماً في الحديث الذي ذكرناه في مَطلع هذه الكلمة وفي غيره من الأحاديث الصحيحة فلتمييز ما يشرع مما حدث بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ليس من البدعة بسبيل وبين ما حدث بعده عليه الصلاة والسلام وهو كما قال ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) ، أأجل ذلك في مناسبة أخرى إن شاء الله لأني أرى أن بعض الأشبال قد بدأ النوم يداعبها ولذلك أقول فناظرةٌ إلى ميسرة والسلام عليكم .

مواضيع متعلقة