سألت عالمًا مشهورًا في الوقت الحاضر عن حكم الموالد والدليل على شرعيتها ؛ فأجاب بأنها من المصالح المرسلة ؛ فما قولكم في هذا الكلام ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
سألت عالمًا مشهورًا في الوقت الحاضر عن حكم الموالد والدليل على شرعيتها ؛ فأجاب بأنها من المصالح المرسلة ؛ فما قولكم في هذا الكلام ؟
A-
A=
A+
عيد عباسي : سألت عالمًا مشهورًا في الوقت الحاضر عن رأيه في إقامة الموالد ، وعن الدليل الشرعي على إباحتها ؛ فأجاب أن الدليل عليها كونها من المصالح المرسلة ؛ أي : أنه توجد مصلحة للمسلمين بها ولو لم يفعلها السلف ؛ فما الجواب عليه ؟ ثم ما حكم ... ؟

الشيخ : ما أدري إذا كان المجيب بهذا الجواب يدري ما هي المصالح المرسلة ومتى تكون مصالح مشروعة ، وظني أنه لا يدري ما هي المصلحة المرسلة المشروعة ، وأضرب - مثلًا - : مَثَل مَن يقول بشرعية هذه الموالد بدعوى أنها مصالح مرسلة وأنها تحقِّق مصلحة للمسلمين مثل مَن يشرِّع كل هذه القوانين الأرضية التي ما نزلت من ربِّ العالمين ، ولا شك كل الناس الكفار والفسَّاق والفجار يشتركوا في القول بأنُّو فيه مصالح في هذه القوانين ، ولا شك ونحن معهم في مصالح في هذه القوانين ، ولكن تُرى رب العالمين أين كان قبل هذه القوانين ؟ أَلَم يأتِ بقانون من عنده لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟

الجواب : قطعًا جاءنا بذلك ، إذًا فنحن حينما ندَّعي بأن في هذه الأمور المحدثة مصالح للمسلمين فمعنى ذلك أحد شيئين ؛ إما أن يكون شرعُنا غير تام - وهذا طبعًا كفر بالقرآن - ؛ (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) ، وإما أن تكون هذه القوانين وهذه البدع ليست من الله في شيء ، وهذا هو الحقُّ الذي لا شك فيه .

المصالح المرسلة هي التي يجدُّ في الناس حوادث وأمور يضطرُّون اضطرارًا إلى الأخذ بها ؛ لأنها تحقِّق لهم مصلحة فعلًا دون أيِّ مخالفة للشريعة ، لكن هذا - أيضًا - لا يكفي ، بل لا بد أن تكون هذه المصلحة المرسلة لم يكن المقتضي لوجودها قائمًا في عهد النبوة والرسالة ، وإنما حدث هذا المقتضي للأخذ بها بعد ذلك ، وهذا البحث في الواقع من درر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " ؛ لأنه يتكلم عن محدثات الأمور بكلام فيه تفصيل عظيم ؛ يقول : كلُّ ما حدث بعد الرسول - عليه الصلاة والسلام - مما يمكن أن يُوصف بأنه حَسَن أو بأن فيه مصلحة لا بد من أحد أمرين ؛ إما أن يكون المقتضي للأخذ به قائمًا في عهده - عليه السلام - ، أو أن لا يكون المقتضي قائمًا في عهده ، وإنما حَدَث بعد .

في الحالة الأولى حينما يكون المقتضي للأخذ به قائمًا لا يجوز الأخذ به إطلاقًا ؛ للسبب الذي ذكرناه أن الشرع كامل ، مثاله : مما هو حتى اليوم مُجمَع عليه حتى ما جاء في الشرع تركُ الأذان في صلاة العيدين ؛ إلى اليوم ما في أذان لصلاة العيدين ، هكذا كان الأمر في عهد الرسول - عليه السلام - على خلاف الصلوات الخمس كما هو معلوم ، فلو قال قائل : يا أخي ، في مصلحة من الأذان لصلاة العيدين ، وهو تنبيه الناس بحضور الوقت ؛ يُقال لهم على ما فهمنا من كلام ابن تيمية وهو حقٌّ لا ريب فيه هذه الفائدة المرجوَّة لهذا الأذان كانت موجودة في عهد الرسول - عليه السلام - والمقتضي لشرعية هذا الأذان قائم ولَّا جدَّ شيء عنَّا ؟ سيكون الجواب قولًا واحدًا : لا ، ما فيه فرق من هذه الناحية هي ؛ سواء أذَّنَّا الآن الفائدة المزعومة موجودة ، أو أُذِّن في عهد الرسول - عليه السلام - فالفائدة موجودة ؛ إذًا كيف لم يشرع الرسول - عليه السلام - عن الله بطبيعة الحال ؛ لأن الله هو اللي بيشرِّع حقيقة ؛ كيف لم يشرِّع هذا الأذان والمفروض في الدعوة أنه مشروع لِمَا يحقِّق من فائدة ، هذا المثال البدعة الحسنة أو المصلحة المرسلة أنها لا تكون كذلك إذا كان المقتضي للأخذ بها قائمًا في عهد الرسول - عليه السلام - ، وهذا واضح إن شاء الله لدى الجميع ، وهذا نقيس عليه كلُّ - أو جل حتى ما يصير مبالغة في الكلام - جلُّ البدع اللي انتشرت في العالم الإسلامي اليوم مع الأسف الشديد ؛ كلُّ هذه البدع التي يقال : يا أخي ، شو فيها ؟ يا أخي ، فيها فائدة ؟ كل ذلك لو كان فيها فائدة كان شُرع في عهد الرسول - عليه السلام - ؛ لأن المقتضي لتشريعها كان قائمًا ، هذا في القسم الأول ؛ إما يكون المقتضي قائمًا في عهد الرسول - عليه السلام - ولم يُؤخذ بما اقتضاه ؛ فهذه ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

وإما أن يكون حَدَثَ المقتضي بعد الرسول - عليه السلام - ولم يكن قائمًا ؛ هنا يأتي بحث جديد من كلام ابن تيمية ، وهو يبدو بادي الرأي أنُّو ما دام المقتضي لم يكن في عهد الرسول - عليه السلام - وإنما حدث فيما بعد أن يُقال : والله ما دام المقتضي وُجِد فيما بعد ولا يلزم من الأخذ بمقتضاه وهو المصلحة نسبة نقص إلى الشرع كما ذكرنا في الصورة الأولى ؛ يبدو بادي الرأي أنُّو ابن تيمية قال : يُؤخذ بهذه البدعة أو بهذه المصلحة المرسلة ؟

الجواب : لا ، لا بد من تفصيل ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : يُنظر إن كان المقتضي الذي حَدَثَ بعد أن لم يكن سببه ناشئ بسبب تقصير المسلمين في الأخذ بأحكام الدين فهي ردٌّ - أيضًا - ، كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، ولو حقَّقت مصلحة ؛ لأن المصلحة هَيْ كانت تتحقَّق بطريق آخر مأخوذ من الشرع نفسه ، مثاله - مثلًا - : في واقع حياتنا اليوم الضرائب التي تُفرض بأنواع شتَّى كثيرة وأسماء عديدة ؛ هذه الضرائب بلا شك يُقصد بها إيه ؟ إملاء خزينة الدولة لِتستطيع أن تقوم بمصالح الأمة ، إي هذا واضح جدًّا أنُّو فيه مصلحة وفيه فائدة ، لكن هذه المصلحة وهي فرض ضرائب لم تكُنْ في عهد الرسول - عليه السلام - ما الذي أوجَبَ الأخذ بها ؟ تقصيرنا نحن بتطبيق شرعنا ، فهناك مصارف موارد للزكاة موارد لجمع الأموال ، منها الزكاة ، أشياء كثيرة منصوصة في القرآن وفي السنة ؛ هذه أُهمِلَت اليوم إهمالًا مطلقًا ، فصار ضرورة ملحَّة بالنسبة للذين لا يتبنَّون الإسلام شريعةً أن يبتدعوا وسائل جديدة تحقِّق ما فاتهم بسبب إهمالهم للوسائل والأسباب المشروعة ، هذا هو بحثنا نحن في قضية المولد .

المولد مصلحة مرسلة ؟!! نقول : هذه المصلحة كان المقتضي للعمل بها في عهد الرسول - عليه السلام - أم لم يكن ؟ إن قالوا : كان مقتضيًا ؛ فلماذا لم يُشرع الاحتفال ؟ وإن قالوا : لم يكن مقتضيًا وإنما جدَّ بعد الرسول - عليه السلام - بثلاث مئة سنة وزيادة ؟ نسألهم : هذا الذي جدَّ هل هو بسبب تمسُّك المسلمين بدينهم وبسنة نبيِّهم أم بسبب إعراضهم عنها ؟ هنا بقى يصير بحث علمي دقيق ودقيق جدًّا ، هل يستطيعون أن يقولوا : لا ، هذا بسبب تمسُّكهم بالسنة ؟ لو كان الأمر كذلك كان أهل السنة الأوَّلون أصحاب الرسول والتابعون وأتباعهم كانوا أولى بذلك ؛ لأنهم بلا شك كانوا أشدَّ رغبة في التمسُّك بالسنة وبالخير منَّا . إذًا لم يبق إلا أن هذا حصل بسبب إعراض المسلمين عن التمسك بالسنة .

وأخيرًا : أذكِّركم بشيء كنت بحثت أنا هذا الموضوع بمناسبة بل أكثر من مناسبة ، وقلت : نحن لدينا احتفال بولادة الرسول - عليه السلام - ، لكن فرق كبير بين احتفالنا واحتفالهم ، احتفالنا مسنون بكلام الرسول ، واحتفالهم مبتَدَع ضد كلام الرسول - عليه السلام - ، قيل للرسول - عليه السلام - : ماذا تقول في صوم يوم الاثنين ؟ قال : ( ذاك يوم وُلِدتُ فيه ، وأُنزِلَ عليَّ الوحي فيه - أو القرآن فيه - ) . إذًا الاحتفال بالرسول - عليه السلام - بولادته يكون بصيام يوم الاثنين ، كل أسبوع احتفال ، مو كل سنة احتفال ، كل أسبوع احتفال واحتفال مشروع ، مو كل سنة احتفال مرة واحدة واحتفال غير مشروع .

" فحَسبُكُمُ هذا التفاوتُ بينَنا *** وكلُّ إناءٍ بما فيه ينضحُ " .

مواضيع متعلقة