ما حكم الإسبال ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم الإسبال ؟
A-
A=
A+
الشيخ : لا شكَّ أن قصر الثوب إلى نصف الساق سنَّة مستحبة راجحة ، لا شك ولا ريب فيها ، ودونها قصر الثوب إلى ما فوق الكعبين ؛ فهو أمر جائز ، أما إذا طال ما تحت الكعبين ؛ فهو كما جاء في الحديث - بل في الأحاديث الكثيرة - : ( في النار ) ؛ أي : صاحب هذه الإطالة في النار ، فنجد بعض هؤلاء الذين يزعمون أنهم من الدُّعاة أو يزعم لهم ذلك أنهم يُطيلون ثيابهم إلى ما تحت الكعبين ؛ فإذًا لم يقف الأمر في السياسة التي يزعمونها في سبيل الدعوة إلى الله في قصر الثوب إلى ما فوق الكعبين ، بل قد تعدَّوا ذلك إلى ما دون الكعبين ، وهذا معروف في كثير من البلاد الإسلامية بعامَّة ، وفي غير قليل في بعض الدعاة الإسلاميين بخاصَّة ، وهم إذا ما عُورضوا فيما فعلوا أو انتُقدوا حاولوا التبرير والتسويغ لما هم عليه من العمل ، ليس فقط عملًا مخالفًا للسنة ؛ أي : إنهم لا يُؤجرون ولا يُؤزرون ، بل هم يُخالفون بذلك أحاديث صحيحة فيها التصريح بما أشرنا إليه آنفًا من العقوبة والعذاب ، ثم هم يحاولون لتأويل الأحاديث التي جاءت متضمِّنة النهي الشديد عن فعلهم ؛ كمثل قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( من جرَّ إزاره خيلاء لا ينظر الله - تبارك وتعالى - إليه يوم القيامة ) ، فإذا قيل له : إنك تجرُّ ذيلك ، وليس فقط تجعله طويلًا أكثر من نصف الساقين - أي : فوق الكعبين - ، وهذا وعيد شديد ، قال لك : هذا الوعيد خاصٌّ بمن يفعل ذلك تكبُّرًا ، ثم يستدلُّ على ذلك تمويهًا على الناس الذين لا علم عندهم بذكره ما جاء في مناسبة هذا الحديث الصحيح أن أبا بكر - رضي الله عنه - ذكر بين يدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنَّ ثوبه أو إزاره قد يرتخي ، ويصل إلى ما دون الكعبين ؛ فقال له - عليه السلام - : ( إنك لا تفعل ذلك خيلاء ) - أو كما قال - ، فيأخذون جواب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأبي بكر الصديق فيحملونه على أنفسهم ، وشتَّان بين ما كان يقع من أبي بكر - رضي الله عنه - ، ولا أقول وما يقع منهم ، بل أقول : وما يفعلونه هم ؛ ذلك لأن الأمر واضح الفرق جدًّا جدًّا بين ما كان يقع من أبي بكر الصديق وبين ما يفعله هؤلاء ، ولعلَّ الأمر ليس خافيًا ؛ فلا يحتاج إلى كثير من البيان ، وإنما أقول - باختصار وإيجاز - :

الرواية صريحة في أنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - كان إزاره عادةً ليس تحت الكعبين ، وإنما - كما سمعتم - من الانطلاق والسَّير والميل يمينًا ويسارًا إلى آخره يرتخي هذا الإزار ، فيجاوز السَّاقين ، فخشيَ - وهذا من تقاه وورعه رضي الله عنه - أن يشمله ذاك الوعيد الشديد ؛ ( لا ينظر الله إليه يوم القيامة ) ؛ فطمأنَه - عليه الصلاة والسلام - بقوله : ( إنك لا تفعل ذلك خيلاء ) ، أما الآخرون فشتَّان - كما أشرنا - بين فعلهم وبين ما كان يقع من أبي بكر ؛ ذلك لأنَّ إزارهم كان على السُّنَّة ، بينما إزار هؤلاء ابتداءً ليس على السنة ؛ فإن أحدهم يفصِّل عباءته أو جبَّته طويل الذَّيل من عند الخيَّاط ، ويقول له : اجعل طوله إلى ما تحت الكعبين ؛ بزعم أنه لا يفعل ذلك خيلاء ، لكن هناك - يجب أن نلاحظ الآن - شيئان ؛ هناك قصد وهناك فعل ، والقصد هو النِّيَّة التي مقرُّها القلب ، ولا يعلم النوايا التي في الصدور إلَّا الله - تبارك وتعالى - ، أما الفعل فظاهر للعيان ؛ فمن كان مخلصًا في اتباع نبيِّه - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو يحاول دائمًا وأبدًا أن يتشبَّه به - عليه السلام - أو بالرسل الكرام ، فإذا سُلِّم لهذا الذي يدَّعي أن ثوبه الطويل لا يقصد به الكبر والخيلاء ؛ حينئذ سنقول له : هَبْ أن الأمر كذلك ، وإن كان الفعل يدل على أنَّ الأمر ليس كذلك ، يعني إيش معنى قصد تفصيل الثوب من عباءة أو جبَّة أو نحو ذلك تفصيلًا يتنافى مع ما سنَّه الرسول - عليه السلام - للمسلمين بعامة من نظام اللباس ؟ حيث قال - عليه السلام - : ( الإزار إلى نصف الساق ، فإن طال فإلى الكعبين ، فإن طال ففي النار ) ، فهو إذًا لا يرعوي ولا يلاحظ أبدًا هذا المنهج في لباس المسلم ، وإنما يتمسَّك فقط في الحديث الأول الذي جاء فيه ذكر أبي بكر ؛ أنه لا يفعل ذلك خيلاء ، هَبْ أن الأمر لا تفعله خيلاء ؛ فأين أنت من السنة العملية التي جعلها الرسول - عليه السلام - مرتبتين ، عليا ودنيا ، العليا يُثاب عليه المسلم ويؤجر ؛ لأنه - عليه السلام - كان كذلك ، الدُّنيا لا يُثاب عليه ولا يُؤجر ولا يُؤزر ، وهي أن يكون ثوبه إلى ما فوق الكعبين ؟ أما المرتبة الثالثة فقال - عليه السلام - : ( فصاحبها في النار ) .

هنا يجب أن يُلاحظ ما هو خلاصة الحدثين ؛ ألا وهو أنَّ إطالة الثوب ما دون الكعبين لا يجوز بنصِّ هذا الحديث الأخير ، قد يفعل ذلك بعضهم بدون قصد الكبر ، وإنما ممكن يُتصوَّر هذا ، قد يفعل ذلك بعضهم دون أن يقصد الخيلاء والكبر ؛ لكن يفعله تقليدًا واتباعًا أو تساهلًا وإهمالًا للسنة ، هذا هو الذي يلحقه فهو في النار ؛ كما قال : ( ففي النار ) ، أما من فعل ذلك قاصدًا للخيلاء ففيه ذاك الوعيد الشديد : ( لا ينظر الله إليه ، ولا يكلِّمه يوم القيامة ، ولا يزكِّيه وله عذاب أليم ) .

لذلك نحن ننصح كلَّ محبٍّ للسُّنَّة أن يحاول اتباع الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بأوسع معنى يُمكنه هذا الفرد أو كل فرد ما لم يكن ذلك في سنن العادة ، لأننا قد ذكرنا أكثر من مرَّة أن أفعال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تنقسم إلى قسمين ؛ سنن العبادة ، وسنن عادة ، فسنن العبادة يُؤجر المسلم عليها من المندوب إلى السنة المُؤكَّدة فضلًا عمَّا فوق ذلك من الواجبات ، أما سنن العادة فهي كثيرة ، بعضها راجع إلى طبيعة الأرض التي كان الرسول يعيش عليها من حرٍّ أو قرٍّ ، أو إلى الجبلَّة والطبيعة التي خلقه الله عليها ، فهو كان يحبُّ شيئًا ويكره شيئًا ، يحبُّ العسل ويكره - مثلًا - لحم الضب ؛ فلا يقال لإنسان يحبُّ لحم الضَّبِّ هذا مخالف للسنة ، أو للذي يحبُّ العسل هذا موافق للسنة ، هذه أمور جبليَّة لا يُمدح فاعلها ، ولا يُقدح في تاركها ، هذا ما يمكن قوله الآن بمناسبة هذا السؤال .

تفضَّل .
  • فتاوى جدة - شريط : 11
  • توقيت الفهرسة : 00:08:02
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة